رمال السودان البيضاء...اتفاقية تصدير بملياري دولار تثير موجة استياء

رمال السودان البيضاء...اتفاقية تصدير بملياري دولار تثير موجة استياء

03 اغسطس 2018
دول عديدة استثمرت رمالها البيضاء وحصّلت منها المليارات (Getty)
+ الخط -

وقعت الحكومة السودانية اتفاقاً إطارياً مع شركات ألمانية لتصدير رمال بيضاء من السودان، وتشييد محطات لتوليد الكهرباء تعمل بالطاقة الشمسية، إضافة إلى تقوية شبكات نقل الكهرباء والمحطات الفرعية في جميع أنحاء البلاد. 

الاتفاقية تقضي باستجلاب شركة "بريزما" الألمانية بمشاركة شركة "إي.بي.بي" الألمانية معدات تعدينية تستخدم في تنقية الرمال البيضاء الغنية بالسيليكون في كل من المتمة بنهر النيل، شمال السودان، ومنطقة بارا شمال كردفان، غرب البلاد.

وبحسب الشركة القابضة للكهرباء، نصّت الاتفاقية على فتح اعتمادات معززة لدى بنك السودان المركزي بقيمة الرمال المشحونة قبل تصديرها.

المدير العام لشركة الكهرباء، صالح علي عبد الله، قال إن الكميات المستهدفة من الرمال لهذه المشروعات تقدر بنحو مليوني طن من مجموع الكميات الكبيرة المتوافرة في السودان، والتي تقدر بأكثر من 3 مليارات طن.
وأوضح أن الاتفاقية نصّت على إضافة قيمة إلى الرمال البيضاء بإجراء معالجات كيميائية وميكانيكية، ومن ثم تصديرها بحسب سعر البورصة العالمية في يوم التصدير، ووصف الاتفاقية بأنها فتح كبير في السودان، واختراق نوعي من أجل تشييد البُنى التحتية للكهرباء.

كما أكد أن هذه الرمال تتصف بجودة تعتبر العليا في أفريقيا، حيث تتجاوز نسبة السيليكون فيها 90%، مشيراً إلى أن "بريزما" أجرت مباحثات مع وزارة الموارد المائية والريّ والكهرباء منذ عام ونصف، انتهت الى التوقيع على الاتفاقية من جانب وزارات المالية المعادن والموارد المائية والري والكهرباء.

لكن إعلان التوقيع أثار ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي بأحاديث غلب عليها التندّر والاستغراب، حيث كان الاستفهام الحاضر هو "كيف تصدّر الحكومة الرمال؟"، وتوالت التغريدات والتعليقات على شاكلة "لو في زول قال ليك الترابة في خشمك معناه إنت زول غني"، فيما وصف آخرون تصدير الرمال بأنه تهريب دخل منافس للذهب، فيما طالبت منظمات مجتمع مدني بالحفاظ على أهداف الألفية التي من بينها الحفاظ على الموارد للأجيال القادمة.

دراسات سابقة

سبق أن أعدت وزارة المعادن مشروعاً للاستفادة من الرمال البيضاء تسعى الى تطويره بالبحث عن استثمار عبر شراكة حقيقية لإنتاج خلايا شمسية، حسبما قال لـ"العربي الجديد" المدير التنفيذي الوزاي في وزارة المعادن، معاوية المصباح، مؤكداً حرص وزارته على عدم تصدير الخام إلى الخارج، وفقاً لسياسة الدولة.
وأكد المصباح المُضي في سياسة الوزارة بالاستفادة من الخامات المحلية وإضافة قيمة حقيقية إليها، وشدّد على عدم السماح بتصدير الرمال إلى خارج السودان من دون تصنيعها، مشيراً إلى أهمية الاستفادة منها داخلياً لخلق فرص عمل تنموية في المناطق النائية.

وأشار الي عدة تجارب ناجحة في دول مثل ألمانيا وتركيا والسويد والولايات المتحدة، مبيّناً أن الرمال البيضاء تدخل في الصناعات الدقيقة بعد أن تُنتج أليافاً مصنوعة من السيليكون، كما أنها تدخل في صناعة شاشات البلازما والموبايل والبودرة والتصنيع الحربي.

وإذا تم تطوير المشروع الحالي، قال إن السودان سيستفيد من التوسّع في صناعة الخلايا الشمسية، التي بدروها تخفض استخدامات الوقود في طلمبات المياه، مؤكداً أن تكلفتها أقل من الوقود، كما أن مناطق التعدين ستكون المستفيد الأول من توفير الوقود.

وأكد أن مادة السيليكا المتوافرة في الرمال البيضاء يباع الطن منها فى السوق العالمي بحوالى 200 دولار، وتستعين بها الشركات العالمية لتوظيفها في صناعة مشاريع الطاقة الشمسية.

موارد مهدرة

ويضيف أن هذه المادة قديمة وموجودة في السودان من فترة طويلة، لكن لم تُتح الفرصة المناسبة للاستفادة منها إلا حديثاً، ويرى أن الاتفاق مع بعض الشركات يصب في صالح البلاد، كما يمكن التعاقد مع الشركات المتخصصة لتستعين بالمورد الموجود في تنفيذ مشروعات الطاقة الشمسية، لكنه يقول إن مجال الطاقة الشمسية هو بذاته مجال جديد وحديث نسبياً، وبالتالي لم تكن هنالك مشروعات سابقة تستخدم هذه المادة.

بدوره، يوضح المدير السابق لهيئة الأبحاث الجيولوجية، يوسف السماني، لـ"العربى الجديد"، أن مادة السيليكا المتوافرة في الرمال البيضاء تدخل في صناعات الألياف الضوئية والألواح الزجاجية والشمسية والكيميائية والفيزيائية وعدد من الصناعات الدقيقة، إضافة إلى مجال صناعة الزجاج والأفران، ويقول إن ما تم من اتفاق يعتبر اختراقاً حقيقياً.

ويرى السماني أن موارد السودان الرملية مهدرة بسبب ضعف الإمكانات وعدم التخطيط السليم لجذب الاستثمارات، إضافة إلى عدم توافر الطاقة والبنية التحتية اللازمة، فضلاً عن الافتقار إلى خبراء حقيقيين في مجال التعدين.
ولفت إلى أن دراسات أولية في وزارة المعادن لم تنجح بسبب عدم وجود مستثمر يشجع، مع قلة االإمكانات وضعف التخطيط السليم، مقراً بوجود مشكلة في معالجة الرمال لضعف البحوث والقدرات.

وكيل وزارة الموارد المائية والري والكهرباء، موسى عمر أبو القاسم، أوضح بدوره أن بداية العمل الفعلي للشركة الألمانية لتنقية الرمال ستكون بعد 8 اشهر من توقيع الاتفاق، وخلال هذه الفترة ستجلب الشركة معداتها ومصانعها، مشيراً في تصريح صحافي إلى توافر مليارات الأطنان من الرمال التي تدخل في صناعات متعدّدة غير موجودة في أماكن ودول كثيرة.

أبو القاسم رأى في الاتفاق فرصة لجذب مزيد من الاستثمارات في هذه الرمال، متوقعاً أن تجني بلاده أكثر من ملياري دولار من تصديرها، ومؤكداً أن السودان يتمتع بموارد كثيرة غير مكتشفة من رمال بيضاء ورمال سوداء تنتظر الاستثمار.

ويرى مختصّون أن رمال السيليكا أو رمال الكوارتز هي صخور رملية بيضاء نقية تحتوي على نسبة عالية من السيليكا (ثاني أكسيد السيليكون)، إضافة إلى كمية قليلة من الشوائب والمعادن الثقيلة، وتزداد قيمة هذا الرمل كلما انخفضت نسبة الشوائب التي يحتويها.

ويتباين حجم الاستفادة من هذه الثروة المهملة. ففي كثير من الدول العربية ما يزال استثمارها في مستوى متدن، في حين أنه في الولايات المتحدة تفوق إيراداتها إيرادات قطاع الفوسفات، على رغم أنها الأولى عالمياً في هذا المجال، فيما تُعتبر مصر والسعودية أهم الدول العربية التي أقامت صناعة لتثمين رمل السيليكا وتصديره، كما بدأت الأردن والجزائر السير في هذا الاتجاه، باعتبار أن الرمال البيضاء تُعتبر من المعادن النادرة المتسمة بمردود استثماري مرتفع.

دلالات

المساهمون