أزمة سلسلة الرواتب في لبنان تضيع بين المصارف والسياسيين

أزمة سلسلة الرواتب في لبنان تضيع بين المصارف والسياسيين

17 مارس 2017
احتجاجات ضد الضرائب في بيروت (حسين بيضون)
+ الخط -
نجحت القوى السياسية اللبنانية الكبرى المسيطرة على البرلمان اللبناني في تأجيل مناقشة سلسلة الرتب والرواتب، بعدما استغرق نقاش الضرائب المفروضة على الشركات أضعاف الوقت الذي استغرقه فرض الضرائب على المواطنين.

وكان مجلس النواب قد أقر خلال اليومين الماضيين مجموعة من الضرائب التي تطاول المواطنين، كزيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10 إلى 11%. وضرائب أخرى تطاول المحروقات التي تتحكم بدورها بأسعار مُختلف السلع الأساسية، كالخبز ومعظم مكونات سلة التسوق اللبنانية.

تم التأجيل، في حضور نائب على الأقل من كل من الكتل النيابية الكبرى (المستقبل، حزب الله، أمل، القوات، التغيير والإصلاح) للمؤتمر الصحافي المُشترك الذي تحدث فيه نائب رئيس البرلمان فريد مكاري، ورئيس الحكومة سعد الحريري، وتم خلاله إعلان تأجيل مناقشات السلسلة.

واعتبر عدد من المراقبين أن هذا المؤتمر الصحافي جاء في ترجمة للبدعة اللبنانية التي تدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بدل اعتماد مبدأ المحاسبة والرقابة الذي يُفترض بالبرلمان أن يمارسه على الحكومة.

وبدل مصارحة المواطنين بحقيقة الضرائب التي أصبح 22 منها معلوماً يقيناً لدى اللبنانيين، اختار عدد كبير من السياسيين التغريد على موقع "تويتر" لإبداء آرائهم وإعلان مواقف جديدة من السلسلة. أما أبرزها فلوزير المال علي حسن خليل، وهو أحد ممثلي "حركة امل" في الحكومة، الذي أعرب عن خوفه من "أن تكون ماكينة الشركات والمصارف هي من تدير حملة التشويش، لأنه لأول مرة تفرض ضريبة عادلة عليهم".

وبرز في هذا الإطار أيضاً تسريب خبر عبر صحيفة محلية عن وضع حاكم المركزي اللبناني رياض سلامة، استقالته بتصرف رئيس الجمهورية مع اقتراب انتهاء ولايته المُمددة.

وفي هذا السياق، يشير الخبير الاقتصادي والأكاديمي اللبناني سامي نادر في حديث لـ"العربي الجديد" إلى "تجاوز سلامة للمهام المطلوبة منه كحاكم للمصرف المركزي أي حماية القدرة الشرائية لراتب المواطن، من خلال هندسة سياسات مالية عادت بأرباح مالية عالية لبعض مالكي المصارف على حساب مصارف أخرى وعلى حساب المواطنين".

وتقول مصادر مالية مُتابعة لملف مصرف لبنان إن "الحاكم الحالي مُهتم بالتمديد مُجددا لولايته، وهو ما ترحب به الهيئات الإقتصادية ومالكو المصارف، نظراً للسياسات المالية المُربحة التي يحظون بها". 


كما برزت مواقف جديدة لرئيس "كتلة اللقاء الديموقراطي" النائب وليد جنبلاط، الذي غرد للمطالبة بـ"وقف الهدر ومعالجة الفساد بشكلٍ علمي، يؤمن تمويل السلسلة ولا يتطلب هذا الكم من الرسوم والضرائب".

وطرح جنبلاط سلسلة حلول لتمويل السلسلة كـ"توحيد سلسلة الرتب والرواتب في جميع القطاعات المدنية والعسكرية، ومعالجة فائض الموظفين المدنيين والعسكريين، وقف السفر نصف المجاني للوزراء بدائرة المناقصات بعد اعادة تصنيف الشركات، والاستغناء عن هذا الكم المستعمل وغير المستعمل من الأبنية الحكومية وإيجاراتها المكلفة نتيجة التنفيعات، وغيرها".

كما دعا رئيس "اللقاء الديموقراطي" إلى "فصل السياسة عن الإدارة العامة وكف يد الوزير عن إدارته ورفع شأن الموظفين بعد طلب استقالتهم من أحزابهم".

بدوره، أعلن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع، عن "تعليق القوات لتأييد السلسلة حتى يتمكن من يعارض هذه السلسلة ومواردها من إيجاد موارد بديلة".

أما رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل فلفت إلى تغيب عدد كبير من نواب كتلتي "المستقبل" و"القوات اللبنانية" عن جلسة البرلمان يوم الخميس، وهو ما وضعه في إطار وجود نية مُسبقة لتعطيل الجلسة من قبل القوى السياسية.

وأشار الجميل في تسجيلات بثها على مواقع التواصل الاجتماعي إلى "خلافات وهرج مرج" واكبت إقرار ضريبة على إنتاج الإسمنت، وهي صناعة يحتكرها عدد من السياسيين في لبنان ويُقيمون معامل ضخمة للإنتاج في مُختلف المناطق، رغم اعتراض الأهالي بسبب المخاطر الصحية لهذه المعامل.

وفي مؤتمرٍ صحافي ثان عقده الجميل الجمعة، أعلن أن "كلفة التهرب الضريبي في قطاع الجمارك وحده بلغت عام 2015 بين 700 مليون دولار، ومليار و200 مليون دولار أميركي، وهو مبلغ لا يكفي لتمويل السلسلة فقط، بل يؤمن رغد الحياة للبنانيين دون فرض ضرائب إضافية".

​وإن كان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، قد رفع الجلسة التشريعية بحجة الشغب الذي اتهم كتلة "حزب الكتائب اللبنانية" بممارسته خلال الجلسة، تم ترك قرار الدعوة لجلسة جديدة بيد رئيس المجلس نبيه بري الذي غاب عن الجلستين اللتين عقدتا الأربعاء والخميس بسبب وفاة صهره.

 ورغم عدم إقرار البنود الضرائبية بشكل نهائي، فوجئ المواطنون بزيادات عشوائية فرضها أصحاب المحال والسوبر ماركت على بعض المواد، كالمعلبات والسجائر، ليترك تأجيل الجلسة التشريعية الباب مفتوحاً أمام استنسابية التجار في فرض الزيادات على المواطن. ​​

وقد استمرت التحركات الاحتجاجية في بيروت والمناطق، وشارك فيها عشرات المواطنين الرافضين لزيادة الضرائب، مع تحديد مواعيد لسلسلة من التحركات خلال الأيام المقبلة.

المساهمون