التوتر التجاري يهيمن على قمة ترامب ـ شي

التوتر التجاري يهيمن على قمة ترامب ـ شي

31 مارس 2017
توتر العلاقات الأميركية - الصينية (Getty)
+ الخط -
من المتوقع أن يكون اللقاء المرتقب بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والصيني شي جين بينغ، لقاء صعباً وسط ملفات شائكة تمتد من العجز التجاري الكبير، وحتى قضايا الخلافات الجيوسية في آسيا وبحر الصين الجنوبي. وكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على تويتر، قائلاً إن الولايات المتحدة قد لا تتغاضى بعد الآن عن العجز الضخم في ميزان المعاملات الجارية وفقد فرص العمل. وذلك في إشارة واضحة إلى أنه سيعامل الصادرات الصينية إلى بلاده بقسوة وربما يفرض عليها جمارك تصل إلى 55%، كما صرح بذلك في حملته الانتخابية. 
وحسب رويترز، أعلن البيت الأبيض أن ترامب سيستضيف رئيس الصين يومي الخميس والجمعة المقبلين في منتجع مار آلاغو في ولاية فلوريدا، وأنه سيقيم مع زوجته ميلانيا مأدبة عشاء الخميس المقبل تكريما لضيفه وزوجته بينغ لي يوان.
وكتب ترامب على تويتر ليل‭ ‬الخميس أن الاجتماع المتوقع سيتناول أيضا الخلافات حول كوريا الشمالية ومطامح الصين الاستراتيجية في بحر الصين الجنوبي "سيكون اجتماعا صعباً جداً". وقال "لا يمكننا أن نتحمل بعد ذلك عجزاً تجارياً ضخماً ولا فقداً للوظائف"، وأضاف في إشارة واضحة إلى الشركات الأميركية العاملة في الصين: "لا بد من أن تكون الشركات الأميركية مستعدة للتحول إلى بدائل أخرى"، ورغم انعقاد سلسلة من الاجتماعات الأميركية الصينية وإجراء سلسلة من المحادثات التي بدا أنها تهدف إلى إصلاح ذات البين بعد انتقاد قوي وجهه ترامب للصين خلال حملته الانتخابية، قال مسؤولون أميركيون إن ترامب لن يصوب هجمات خلال الاجتماع.
ولكن رغم هذا التوتر المبكر يقول مسؤولون أميركيون سابقون "يجب ألا تسمحوا بالاحتكاكات والخلافات الصغيرة في مجال التجارة أن تقوض العلاقة الاقتصادية الأميركية - الصينية، التي تعتبر علاقة أساسية بالنسبة إلى اقتصاد العالم".
وحسب ما نقلته وكالة شينخوا الصينية شبه الرسمية، قال الوزراء السابقون إن العلاقات الاقتصادية بين بكين وواشنطن لن تشهد نمواً، إذا لم تقم على المنفعة المتبادلة.
في هذا الصدد قال وزير الخزانة الأميركي روبرت روبين الذي تولى وزارة الخزانة في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون "إن الدرس الذي استفدته من الفترة التي توليت فيها منصبي هو أن كلاً منا في أميركا والصين يحتاج إلى فهم الآخر، ويحتاج إلى فهم المشكلات الخاصة به مع الطرف الآخر، ويحتاج إلى العمل على حل تلك المشكلات كأفراد يريدون الانخراط في علاقة بناءة". وتابع "كان لدى بيل كلينتون قناعة أعتقد أنها تنطبق على حال اليوم أكثر من أي وقت مضى، وهي أن العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والصين سوف تصبح أهم علاقة بالنسبة للولايات المتحدة".

أما مايكل بلومينتال وزير الخزانة في إدارة الرئيس الأسيق جيمي كارتر، فقد قال إنه منذ عهد الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، أصبح تأسيس علاقة قوية بين الصين والولايات المتحدة أمراً مهماً، وأصبح العمل الجاد من أجل الحفاظ على هذه العلاقة، أمراً "يتفق عليه الحزبان". وتظهر البيانات الرسمية الصينية أن التجارة الثنائية ازدادت من 2.5 مليار دولار في عام 1979 إلى 519.6 مليار دولار عام 2016، أي زادت أكثر من 200 مرة.
من جانبه قال تيموثي غايتنر، وزير الخزانة في فترة باراك أوباما الرئاسية الأولى، إن التعاون بين الصين والولايات المتحدة كان مهماً لمواجهة الأزمة المالية العالمية في 2007، وكذلك لتعزيز تعافي الاقتصاد العالمي. وأضاف غايتنر، الذي درس اللغة الصينية في بكين في أوائل الثمانينيات "ثلاثة أرباع الوقت الذى أمضيناه مع القيادة الصينية كان يكشف عن طرق للتعاون خلال الأزمة المالية"، وقال "اكتشفت أن لدينا علاقة واسعة وعميقة مع السلطات المالية الصينية، مثل تلك العلاقة مع ألمانيا وأوروبا واليابان"، وأضاف ليس هذا فقط، فالولايات المتحدة والصين تعاونتا معاً أيضاً في التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية الكبرى.
ولكن رغم هذه التصريحات الإيجابية من قبل وزراء مالية سابقين يبقى تفكير الرئيس ترامب مختلفا تماماً، حيث يرى أن الإدارات الأميركية السابقة فشلت في حماية حقوق العامل الأميركي وفرطت في المصالح التجارية في المفاوضات المتتالية التي عقدت بين بكين وواشنطن. وبالتالي يرى أن بكين لا بد لها من دفع الثمن خلال السنوات المقبلة.
وفي الواقع، حققت الصين مكاسب اقتصادية كبرى خلال العقدين الماضيين، مستفيدة من التساهل الأميركي معها وإتاحة الفرصة لها للاندماج في الاقتصادي العالمي. إذ أصبحت المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات التي تلت أزمة المال العالمية، وتخطى اقتصادها الولايات المتحدة بحساب معادل القوة الشرائية في العام 2014. وذلك حسب دراسة اعدتها الاقتصادية كارولين فريند الزميلة في معهد بيترسون الأميركي للاقتصاد الدولي.
ولكن باالحساب العادي، فإن الاقتصاد الأميركي يقارب ضعفي الاقتصاد الصيني، حيث بلغ حجمه في العام الماضي 2016، حوالى 18.56 ترليون دولار، مقارنة بحجم الاقتصاد الصيني المقدر بحوالى 10 ترليونات دولار.
كما أن عدد الشركات الكبرى الصينية التي تعد بين أكبر 1000 شركة في العالم، ارتفع من 41 شركة في العام 2006 إلى 136 شركة في العام 2014، من بينها 70 شركة تملكها الدولة الصينية، يضاف إلى ذلك أن البضائع الصينية غزت أسواق أوروبا وأميركا ومعظم دول العالم، لأسباب أهمها رخصها وما تحمله من تقليد جيد للماركات العالمية. كما أن المتاجر المشهورة في العالم في كل من باريس ولندن ونيويورك، وحتى بعض ماركات إيفانكا ترامب اصبحت تصنع في الصين، ثم يوضع عليها اسم المتجر. وبالتالي يلاحظ أن التمدد الصناعي والتجاري الصيني في العالم أصبح هو المهيمن وليس الدول الغربية وشركاتها كما كان قبل نهاية الحرب الباردة. ويمكن القول عملياً ومنذ أزمة المال العالمية، انتقل الثقل الصناعي من الدول الرأسمالية الغربية إلى آسيا، وتحديداً إلى الصين.
من هذا المنطلق، تسعى الولايات المتحدة إلى تحجيم التمدد التجاري الصيني، ربما عبر تفكيك نظم العولمة ونظم منظمة التجارة العالمية التي جعلت من الصين مركزاً للسلع والخدمات. وهي نظم يعتبر ترامب ومعسكره، أن الصين استغلتها واستفادت منها، وفي المقابل تكبد الغرب بسببها الخسائر الكبرى.
ولكنّ هنالك اتفاقاً في العديد من العواصم الغربية، على أن السبيل لتحجيم التمدد الاقتصادي للصين لن يكون مفيداً عبر المواجهة المباشرة مع بكين التي يخطط لها الرئيس ترامب منذ تدشين حملته الانتخابية، وإنما يجب أن يكون قانونياً وعبر استخدام نظم التجارة القائمة وقوانينها لمحاربة الدعم الحكومي الصيني للمنتجات والاحتيال على حقوق الملكية الفكرية وقوانين المنافسة العادلة.
من جانبها، ترى الصين أن المكاسب الاقتصادية والتجارية التي جنتها خلال العقدين الماضيين، باتت مهددة من قبل المنافسين في الغرب، حتى قبل مجيء ترامب للسلطة في أميركا. والتهديد يأتي من قبل الدورة الاقتصادية في الصين نفسها، حيث بدأت دورة البناء الصناعي الداخلي تتباطأ بعد اكتمال معظم مشاريع تحديث البنى التحتية.
وبالتالي لا بد من البحث عن بديل يضمن استمرارية النمو الاقتصادي لها ولشركاتها. وبالتالي فكرت بكين في خلق حلقة تجارية واسعة تسيطر عليها بشكل مباشر خلال العقود المقبلة وتتيح الفرصة لتدويل عملتها اليوان، وكذلك تنمية مؤسساتها المالية الخاصة التي ستكون بديلة للمؤسسات الدولية القائمة التي تسيطر عليها أميركا، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.

المساهمون