الأزمات تحاصر سياحة غزة... خسائر مالية وإغلاق مطاعم

الأزمات تحاصر سياحة غزة... خسائر مالية وإغلاق مطاعم وتسريح العمالة

31 يوليو 2017
مطاعم في غزة أغلقت أبوابها(عبد الحكيم أبو رياش/العربي الجديد)
+ الخط -
لم يكن قطاع الفنادق والمطاعم والمشاريع السياحية في قطاع غزة بعيدا عن واقع الأزمات الاقتصادية التي تعصف بأكثر من مليوني فلسطيني، هم إجمالي السكان في القطاع، إذ أقدم عدد من أصحاب هذه المنشآت مؤخرًا على إغلاقها بشكل كامل وتسريح العاملين فيها، فيما قام آخرون بتقليص عدد العمال، في ضوء تردّي الأوضاع المعيشية والحياتية للسكان.
وكغيرها من القطاعات، تأثرت المطاعم بشكل واضح وملموس بالإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية، بخصم 30% من رواتب موظفيها في القطاع، فضلاً عن نيتها بدء تطبيق قانون التقاعد الإجباري عليهم، وهو ما ترك أثرًا ملموسًا على المشهد الاقتصادي المتردي مسبقًا، بفعل ظروف الحصار وتلاحق الحروب.

ويقول رئيس هيئة المطاعم والفنادق والخدمات السياحية في غزة، صلاح أبو حصيرة، لـ"العربي الجديد"، إنّ 5 منشآت تعمل في هذا المجال أغلقت أبوابها منذ بداية العام الجاري، وسط توقعات بأن تغلق أخرى في ظل استمرار الواقع الحالي، وعدم وجود أفق لتحسن الواقع المعيشي في القطاع.
ويشير أبو حصيرة إلى أن القطاع السياحي في غزة يعيش واقعاً مريراً وصعباً جدًا، يؤدي إلى تضرر أصحاب هذه المنشآت وتعرّضهم لخسائر مالية مباشرة، فضلا عن المصاريف التشغيلية المرتفعة، في الوقت الذي انخفض حجم الطلب في الفترة الحالية، بفعل الواقع الاقتصادي وغياب السيولة المالية.

ويبيّن أن الهيئة تسعى، خلال الفترة الحالية، إلى توفير العديد من المشاريع التي من شأنها التخفيف عن أصحاب هذه المنشآت، كتوفير عمالة مدفوعة، أو العمل على توفير مصادر طاقة بديلة ومشاريع الطاقة الشمسية للتخفيف من النفقات المرتفعة من أجل الحصول على التيار الكهربائي.
من ناحيته، يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر بغزة، سمير أبو مدللة، إن الواقع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه أكثر من مليوني مواطن غزي انعكس بشكل واضح على القطاع السياحي والمطاعم العاملة في القطاع، في ظل ارتفاع نسب البطالة والفقر، والفقر المدقع لأكثر من 63%، والاعتماد على المساعدات الإغاثية.

ويضيف أبو مدللة، لـ "العربي الجديد"، أن المطاعم والفنادق السياحية العاملة في غزة تعتمد في الأساس على السياحة الداخلية، في ظل الحصار الإسرائيلي المفروض منذ 11 عامًا، إلا أنه تراجع مؤخرًا بشكل ملحوظ، خصوصًا بعد خصومات نحو ثلث الرواتب للموظفين العموميين.
ويلفت إلى أن تخفيض رواتب موظفي السلطة الفلسطينية الأخير انعكس بشكل واضح على شتى القطاعات، ولا سيما السياحي، حيث تعتبر رواتب الموظفين الحكوميين في السنوات الأخيرة المحرك الأساسي للاقتصاد المحلي، في ظل تراجع دور القطاع الخاص بشكل واضح بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014.

ويشير إلى أن ارتفاع النفقات التشغيلية للمطاعم بات عبئًا يعاني منه أصحابها، لاسيما في مجال توفير التيار الكهربائي الذي يضطر بعضهم إلى دفع أكثر من 300% عن سعرها الطبيعي الواصل من شركة توزيع الكهرباء، مقارنة مع البدائل الأخرى كالمولدات وغيرها.
ويوضح أبو مدللة أن التكلفة الإجمالية للمطاعم والمشاريع الفندقية ارتفعت بشكل كبير، في الوقت الذي لم تقدم هذه المنشآت على رفع أسعار الوجبات المقدمة للزبائن، خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية والمعيشية الحالية، وخشية من فقدان ما تبقى من رواد لها.

وينوه إلى أن استمرار الوضع المعيشي في القطاع بهذا الشكل، واستمرار الحصار الإسرائيلي المشدد المفروض منذ عام 2006، سيساهمان في إغلاق المزيد من الفنادق والمطاعم أبوابها وتسريح عمالتها، خصوصًا في ظل تراجع السياحة الداخلية وشح الوفود الأجنبية التي تصل إلى غزة في السنوات الأخيرة.
وحسب إحصاءات اللجنة الشعبية لكسر الحصار (منظمة غير حكومية)، فإن نحو ربع مليون فلسطيني في القطاع، البالغ عدد سكانه نحو مليوني نسمة، عاطلون عن العمل، في الوقت الذي لا يتجاوز متوسط دخل الفرد اليومي دولاراً أميركياً.

وخلال الفترة الماضية، لجأت العديد من هذه المنشآت الاقتصادية إلى طرح عروض وحملات ضخمة لترغيب الزبائن في شراء الوجبات منها، أملاً في الحصول على سيولة مالية تمكنهم من الوفاء بالتزاماتهم وسدادها، في ضوء ما يعانيه القطاع من تدهور في الأوضاع الاقتصادية والحياتية.
في الأثناء، يشير الخبير الاقتصادي محمد أبو جياب إلى أن إجمالي الاستثمارات في القطاع السياحي والفندقي والمطاعم تجاوز 100 مليون دولار، يشترك فيها أكثر من 120 مؤسسة وشركة تعمل في القطاع الخاص بمختلف تفاصيله وأقسامه.

ويوضح أبو جياب لـ "العربي الجديد" أن قطاع المطاعم في غزة كغيره من القطاعات الاقتصادية التي تعاني بفعل حالة الركود وإغلاق المعابر وأزمة الرواتب وارتفاع نسب البطالة في صفوف أكثر من مليوني مواطن غزي يعيشون في القطاع المحاصر إسرائيليًا.
وينوه إلى إغلاق بعض المطاعم الغزية أبوابها وتفكير آخرين في ذلك جاء من أجل وقف الخسارة المالية المتواصلة لهم، خصوصًا في ظل ارتفاع النفقات التشغيلية وأزمة الطاقة التي كبدتهم أموالا طائلة من أجل توفير التيار الكهربائي، في الوقت الذي يزداد الواقع المعيشي فيه سوءًا.

ويؤكد أبو جياب أن العديد من أصحاب المطاعم والمنشآت السياحية في القطاع إذا ما استمر الحال على ما هو عليه الآن سيضطرون إلى إغلاق منشآتهم لوقف الخسارة المالية المتواصلة، خصوصًا أن تجربة الحصول على سيولة مالية عبر طرح عروض أسعار وتخفيضات لم تأت بالنتائج المطلوبة.
الخبير الاقتصادي يوضح أن الواقع على كل المستويات بات صعباً ومأساوياً للغاية، في ظل ما يعانيه القطاع من ظروف معيشية واقتصادية تتفاقم بشكل كبير، لا سيما بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها السلطة الفلسطينية بحق أكثر من 58 ألف موظف تابعين لها في غزة.

ويواجه اقتصاد غزة صعوبات كبيرة، في ظل العدوان الإسرائيلي المتكرر والحصار المتواصل منذ نحو 11 عامًا، إذ شهدت معدلات الفقر ارتفاعاً كبيراً في صفوف الفلسطينيين، الذين يعيشون في فقر مدقع في القطاع، فقد ارتفعت من 33.2% عام 2006 إلى 45% في نهاية عام 2015، وفقاً لتقرير البنك الدولي. وكان رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار، جمال الخضري، قد قال في مؤتمر صحافي، في مارس/آذار الماضي، إنّ الآثار الكارثية للحصار الإسرائيلي تتصاعد وتزداد، مشيراً إلى أن سلطات الاحتلال تتحمل مسؤولية الأوضاع الكارثية المتفاقمة.

وحسب عاملين في القطاع السياحي، كانت الفترة ما بين 1952 و1967 بمثابة العصر الذهبي للسياحة في القطاع، ولكن بدأت في التراجع بعد حرب 1967 عندما احتلت إسرائيل القطاع من مصر.
وحين اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 قصفت إسرائيل مدرج الطائرات وبرج المراقبة في المطار، وقامت سلطات الاحتلال بالتضييق على عبور الفلسطينيين من غزة، ثم فرضت عليها حصاراً خانقاً منذ عام 2007.
وأبقت السلطات المصرية المعبر الحدودي مع غزة مغلقاً معظم الوقت في السنوات الخمس الأخيرة، متعللة بالأسباب الأمنية، وتقول جماعات حقوقية إن 95% من سكان غزة، البالغ عددهم 1.95 مليون نسمة، لا يمكنهم الخروج منه، ما أدى إلى حصار القطاع السياحي وتكبيده خسائر باهظة.



دلالات