الاتفاقيات الاقتصادية بين إيران وفرنسا يشوبها الحذر

الاتفاقيات الاقتصادية بين إيران وفرنسا يشوبها الحذر

06 فبراير 2017
خلال زيارة إيرولت الأخيرة إلى طهران(آتا كينار/ فرانس برس)
+ الخط -
كان لزيارة وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت إلى طهران أهمية بالغة. إذ احتفى الإيرانيون بالمسؤول الذي وصل إلى البلاد الأسبوع الماضي، على رأس وفد يضم ستين شخصية اقتصادية فرنسية.

وخلال زيارة استمرت ليومين متتاليين، التقى الوفد بعدد من المسؤولين والاقتصاديين في إيران، وانتهت الزيارة بتوقيع أربع اتفاقيات تعاون اقتصادي.
كذا، تم استئناف عمل اللجنة المشتركة بين إيران وفرنسا، حيث افتتح الوزير الفرنسي ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف الجلسة الأولى للجنة، التي يقع على عاتقها استكمال توقيع العقود والإشراف على بدء تطبيق الصفقات.

هذه الزيارة وما تبعها من تطورات عملية في العلاقات الاقتصادية بين فرنسا وإيران، وسعت من تمدد الأخيرة على المستوى الدولي. إذ أن فرنسا، دافعت عن الاتفاق النووي الموقع مع إيران، إثر إعلان إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب فرض عقوبات جديدة تطاول الجمهورية الإسلامية.

وكذا، انتقدت فرنسا تهديد ترامب للاتفاق النووي، باعتباره لا يتطابق مع مصالح الولايات المتحدة الأميركية. وتعهدت فرنسا بالدفاع عن الاتفاق النووي، لكنها قالت إن من الضروري أن تلتزم إيران تماماً ببنود الاتفاق.
وكانت فرنسا، إضافة إلى روسيا والصين وبريطانيا وألمانيا وفرنسا توسطت لإبرام الاتفاق النووي قبل عامين.

صفقات تجارية

خلال زيارة إيرولت إلى إيران، وقع الطرفان على عقد استثماري منحته إيران لشركة "فينسي إيربورت" الفرنسية لتطوير مطار مشهد شمال شرقي البلاد. كما شملت الاتفاقيات الأخرى قطاعي النقل والتسويق.

وأعرب ظريف عن أن باريس وطهران ستبدأان بإنتاج وتصنيع السيارات معاً اعتباراً من الشهر المقبل. إذ لطالما كانت فرنسا الشريك الأول لإيران في هذا القطاع بالذات، قبل أن تحد العقوبات التي فرضت بسبب برنامج إيران النووي قبل سنوات، علاقات الشراكة هذه.

ووفق تأكيدات ظريف نفسه فإن التبادل التجاري بين البلدين وصل خلال العام الماضي إلى مليار و700 مليون يورو، أي ارتفع بمعدل ثلاث مرات عن العام 2015. وأبدى ترحيب بلاده بتطوير العلاقات لتشمل أكثر من قطاع، مؤكداً على دور القطاع الخاص في كلا البلدين، حيث يستطيعان معاً أن يرفعا مستوى التعاون كثيراً، حسب رأيه.

يبدو أن إيران كما فرنسا ستكون مستفيدة كثيراً من تطوير هذه العلاقات، من خلال توقيع هذه العقود والصفقات، التي ستزيد مستوى الإنتاج في إيران بطبيعة الحال، وخاصة فيما يتعلق بقطاع تصنيع السيارات. وهو ما سيفتح الباب أمام فرص عمل أكبر للإيرانيين، ممن دفعوا ثمن عقوبات النووي باهظاً خلال سنوات سابقة.

فضلاً عن هذا، فإن الوعد الذي قدمه الوزير الفرنسي والمرتبط بمنح المزيد من التأشيرات للإيرانيين لدخول فرنسا، سيكون كفيلاً بتطوير العلاقات، وبرفع معدلات التجارة بين الطرفين، وهو ما سينشط القطاع الخاص الإيراني، كما يرى بعض المحللين.

تمهيد للمزيد من الاتفاقات

في الوقت ذاته، يبدو أن باريس مهتمة للغاية بالقطاعات الإيرانية التي فتحت أمام الغرب عقب التوصل للاتفاق النووي في يوليو/تموز عام 2015، وهو الذي دخل حيز التنفيذ العملي يناير/كانون الثاني العام الماضي. ومن هذه القطاعات، النفط والغاز والصناعات البتروكيماوية.

فضلاً عما تحدث عنه الوزير ظريف خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده الطرفان في طهران. فبلاده مهتمة بتوقيع عقود في قطاعات النقل، البيئة وتبادل التكنولوجيا، حسب قوله.

وهو ما رحب به ضيفه الفرنسي الذي أبدى رغبة بتعاون طويل الأمد يشمل مجالات عديدة وعلى رأسها تطوير وتشييد الموانئ ومد السكك الحديدية وصناعة السيارات وقطاع النقل.

وفي هذا الصدد يؤكد عضو الهيئة الرئاسية لغرفة إيران وفرنسا المشتركة محمد رضا نجف منش إن الاتفاقيات التي وقعت في غرفة التجارة الإيرانية بحضور إيرولت ستمهد الطريق نحو التوصل للمزيد من الصفقات. ويقول إن الزيارات المتبادلة بين الطرفين باتت أكثر مما سبق.

وفي حديثه مع "العربي الجديد"، يشرح منش أن هذه الاتفاقيات تصب في غالبيتها لصالح الشركات الفرنسية الكبرى والمعروفة. ولكن بكل الأحوال فإن الأمور تتجه نحو تطبيق عملي للصفقات بما يفيد الجهتين.

ويعتبر منش أن الاجتماع الأول للجنة المشتركة بين طهران وباريس سيكون مقدمة نحو تحقيق فاعلية أكبر لتمتين العلاقات الاقتصادية بين البلدين.

تأثر بالعقوبات

قبل إيرولت، زار إيران مباشرة عقب التوصل للاتفاق النووي وزير الخارجية السابق لوران فابيوس، فكانت الزيارة الأولى لمسؤول فرنسي على هذا المستوى بعد سنوات طويلة، وسلم دعوة للرئيس حسن روحاني الذي سافر إلى باريس بعد أشهر عدة من ذاك الوقت. وعاد الأخير بصفقات اقتصادية عديدة، وعلى رأسها الصفقة الموقعة مع شركة "إيرباص" لتجديد أسطول الطيران المدني الإيراني المتهالك، وهي التي بدأ تطبيقها تدريجياً قبل فترة وجيزة.

وكان حجم التجارة بين إيران وفرنسا قد تأثر كثيراً بالعقوبات التي ألغاها الاتفاق النووي لاحقاً، فلم يتعد مبلغ 240 مليون يورو وفق بعض المواقع الإيرانية.

ويقول الخبير في الشؤون الاقتصادية في إيران بهمن آرمان، إن العلاقات الاقتصادية بين باريس وطهران شهدت مراحل شد وجذب عديدة، فتحسنت أحياناً وتراجعت في أحيان أخرى.
ويضيف لـ "العربي الجديد" أن هذه العلاقات بدأت حتى قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، حين اتفق الطرفان على تشييد أول خط سكة حديدية لقطار سريع يصل بين العاصمة طهران وميناء خرمشهر الإيراني. وهو العقد الذي أوقف العمل به بعد الثورة.

وتوقع آرمان أن تتوسع العلاقات أكثر كون فرنسا حريصة على أن تنال جزءاً من كعكة إيران ما بعد الاتفاق النووي. لا سيما أن طهران مهتمة كثيراً بدول الاتحاد الأوروبي بشكل خاص، كون مصانعها ومعاملها تحتاج لتحديث التقنيات والتكنولوجيا. وهو ما يمكن الحصول عليه من أوروبا ومن اليابان، لا من شركاء آخرين مثل روسيا.

مخاوف من الإخلال بالعقود

لكن حتى بوجود كل هذه النقاط، إلا أن طهران تدرك جيداً أن الطرف الفرنسي قد يخل بالعقود وربما يستخدمها كورقة ضغط مستقبلاً، وهو ما حدث في وقت سابق. ورغم الترحيب الإيراني بالشراكة الفرنسية لكنه ترحيب حذر، وهو ما يمكن لمسه من خلال توجه طهران أكثر نحو إيطاليا وألمانيا، حيث فتحت حواراً مع المعنيين في كلا البلدين للتوصل لصفقات تخص قطاع السيارات بالذات.

من ناحية ثانية، فإن عدم إلغاء العقوبات عن طهران بالكامل حتى بوجود الاتفاق النووي، قد يعكر صفو هذه العلاقات ويماطل أو يعطل الصفقات لاحقاً. فوزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أكد من طهران على هذه العقبات، قائلاً إن باريس ستقدم ما باستطاعتها في محاولة لإزالتها.

واشتكت إيران مراراً وتكراراً، من عدم قدرتها على الاتصال بنظام التحويلات المالية العالمي، كما ما زالت بعض البنوك الأوروبية الكبرى متخوفة من فتح باب العلاقات عريضاً مع المصارف الإيرانية. ما قد يعطل الكثير من مشاريع التجارة والاقتصاد مع الشركاء المرتقبين.



المساهمون