الحكومات تضخ 18 ترليون دولار لمحاصرة تداعيات كورونا

الحكومات تضخ 18 ترليون دولار لمحاصرة تداعيات كورونا

23 يونيو 2020
تريليونات الدولارات تدفقت على النظام المالي العالمي (Getty)
+ الخط -


ضخت الحكومات والبنوك المركزية 18.4 تريليون دولار حتى الآن لإنقاذ الاقتصادات العالمية وأسواق المال من مخاطر جائحة كورونا وتداعياتها المدمرة، وهو ما يعادل نحو 21% من إجمالي الناتج المحلي العالمي أو حجم الاقتصاد العالمي، وفقاً لبيانات مصرف "بنك أوف أميركا". 

وحسب البيانات التي نشرها خبير الاستثمار في مصرف "بنك أوف أميركا"، مايكل هارتنت، فإن معظم حزم الإنقاذ التي نفذتها الحكومات العالمية تمت خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي استفحلت فيها جائحة كورونا واضطرت فيها دول العالم لإغلاق اقتصاداتها وتطبيق قوانين العزل الاجتماعي.

وتشير بيانات الخبير الاستثماري هارتنت إلى أن حزم الإنقاذ التي نفذتها الحكومات عبر وزارات الخزانة بلغت 10.4 تريليونات دولار، وهي أموال الإنفاق من الميزانيات الحكومية، بينما بلغ حجم التحفيز النقدي الذي نفذته البنوك المركزية في أسواق المال والمصارف التجارية 7.9 تريليونات دولار، وهي الأموال التي ضختها المصارف المركزية لدعم المصارف وأسواق المال العالمية لحمايتها من الانهيار.

ويضاف إلى حزم الإنقاذ هذه، التحفيز غير المباشر الذي منحته البنوك المركزية للشركات والأعمال التجارية عبر خفض نسبة الفائدة على الاقتراض، إذ خفضت معظم البنوك المركزية نسبة الفائدة خلال الشهور الماضية، حيث انخفضت الفائدة إلى قرابة الصفر في الولايات المتحدة وبريطانيا، وإلى تحت الصفر في دول الاتحاد الأوروبي واليابان.

كما لجأت الحكومات إلى منح أموال نقدية مباشرة لمواطنيها في عشرات الدول لتخفيف الضائقة المالية التي سببها الوباء وما تلاه من عمليات فقدان الوظائف وخفض الأجور وتم منح هذه الأموال من حزم الإنقاذ التي أجازت الحكومات صرفها عبر وزارات الخزانة.

وبالتالي يلاحظ أن الحكومات العالمية طبقت في هذه الجائحة خليطاً من نظريات النقد التي تعني بأسواق المال والمصارف التجارية وتوفير السيولة لها وبين النظرية الكنزية أو نظرية ميلتون كينز التي تعني بتوسيع الإنفاق بالميزانية على المشاريع والمجتمع.
وحسب بحث أجراه الخبير الاقتصادي بالبنك الدولي، أوغو جنتيليني، في شهر مايو/ آيار الماضي، فإن هنالك نحو 90 دولة منحت مواطنيها أموالاً مباشرة دخلت حساباتهم خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان الماضي. وهنالك بعض الخبراء طرح فكرة منح حد أدنى من الأجور للمواطنين في العديد من دول العالم.

في هذا الشأن تنوي إسبانيا تطبيق برنامج تحفيزي يمنح أصحاب الأجور الدنيا مرتبات ثابتة ومضمونة وغير مشروطة ضمن خطتها للتحفيز الاجتماعي والاقتصادي خلال هذه الجائحة. ويشمل البرنامج دفع مرتبات لنحو ثلاثة ملايين مواطن في إسبانيا من الفقراء بالبلاد.

وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها منح تحفيز نقدي مباشر للمواطنين، إذ خلال السنوات التي تلت الأزمة المالية العالمية في العام 2008، طبقت بعض الحكومات سياسات حزم التحفيز المالي للمواطنين، ولكن كان الغرض منها إنعاش الأسواق عبر دعم القوة الشرائية، وبالتالي زيادة معدل النمو الاقتصادي. لكن يلاحظ أن هذه المرة منحت الأموال للمواطنين لمقابلة الضروريات المعيشية أثناء فترة الإغلاق.

وفي شأن الأموال النقدية التي قدمتها الحكومات لمواطنيها، يرى الاقتصادي والزميل بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، إدوارد ألدن، أن حزم الإنقاذ التي قدمتها الحكومات كانت ضرورية ومهمة لدعم الناس مالياً إلى حين عودة الحياة لطبيعتها.

وبالتالي يمكن القول إن هنالك ثلاثة أنواع من التحفيز للاقتصادات نفذتها البنوك المركزية والحكومات لتلافي حدوث أزمة مالية واقتصادية عالمية لمقابلة التداعيات الخطرة لجائحة كورونا.

ورفعت  الجائحة نسبة البطالة وعطلت تشغيل الشركات والمصانع والأعمال التجارية وبالتالي أصبحت معظم الأعمال بدون دخل يمكنها من خدمة ديونها وتسديد فواتيرها.

لكن يثار السؤال، هل أنقذت هذه التدفقات المالية الهائلة الاقتصاد العالمي من الإفلاس ومنعت حدوث أزمة مالية وما هي التداعيات السالبة المتوقعة والفوائد التي جنتها الاقتصادات منها؟

على صعيد التداعيات السالبة لهذا التحفيز المالي والنقدي الضخم، يثير خبراء المال المخاوف من أن تقود هذه التدفقات الضخمة إلى ارتفاع معدل التضخم وزيادة حجم الديون السيادية، وربما حدوث أزمة فقاعة في الأصول بأسواق المال في المستقبل تقود تلقائيا إلى أزمة مالية.

وهي مخاوف تبدو حقيقية للوهلة الأولى ولكن واقع الكساد العالمي والتوقعات المتشائمة لمعدل النمو العالمي، تشير إلى أن دورة إنتعاش النمو الاقتصادي التي قد ترفع معدل التضخم وتتسبب في أزمة مالية قد لا تحدث في المستقبل القريب.

فالضربات القاسية التي سببها فيروس " كوفيد 19" لم تكن ضربات عادية تشبه الضربات التي حدثت في الأزمات المالية التي مر بها العالم، حتى يمكن معالجتها بأساليب عادية. وبالتالي يرى الخبير الاقتصادي روبرت كيتنر، أن الحكومات اضطرت لتقديم مصالح محاربة الفيروس عبر إغلاق الاقتصادات والعزل الاجتماعي رغم الكلف الضخمة لهذه الإجراءات الصحية.

ويشير خبراء إلى أن جائحة كورونا تركت الحكومات العالمية والمصارف أمام خيارين أحلاهما مر، وهما أما استمرار الأعمال التجارية بشكل عادي والمخاطرة بتفشي الفيروس في أكبر مساحة اجتماعية ممكنة أو غلق الاقتصادات والحدود وتحمل كلف الغلق والعزل الاجتماعي عبر ضخ الأموال. وقد اختارت الحكومات الخيار الثاني.
على صعيد سياسات البنوك المركزية في ضخ النقود على المصارف وأسواق المال، يرى اقتصاديون أن المصارف المركزية نجحت في إنقاذ النظام المصرفي الذي عانى خلال الشهور الماضية من أزمة سيولة بسبب توقف الشركات والأعمال التجارية عن خدمة قروضها، في ذات الوقت الذي احتاجت فيه الشركات لخطوط الائتمان المصرفي مفتوحة، ولولا ضخ هذه الترليونات لما تمكنت المصارف من تمويل الأعمال التجارية أثناء فترة الجائحة. كما نجحت المصارف المركزية كذلك في إنقاذ أسواق المال من الانهيار.

لكن على الصعيد السلبي لتريليونات البنوك المركزية التي تدفقت في السوق، يشير خبراء إلى أن هذه سياسات التحفيز النقدية تفيد الأثرياء والمستثمرين في أسواق المال والسندات، وتضرب دخول الطبقات الوسطى والعمال في المجتمعات، إذ إن هذه السياسات تمنح من يملكون الثروة ويستثمرون في أسواق المال فرصة الاقتراض بدون فائدة أو فائدة ضئيلة جدا للمضاربة في أسواق المال، بينما تضرب أصحاب الادخارات من كبار السن وترفع من نسبة التضخم بالنسبة للعائلات والمستهلكين.

على صعيد الفوائد المجنية من التحفيز المالي الذي نفذته الحكومات العالمية عبر ضخ وزارات الخزانة أو المالية حزم مالية مباشرة في الشركات والمجتمع. يرى خبراء إنها ستمنح النشاط الاقتصادي فرصاً أكبر للنمو الاقتصادي، إذ إن الحوافز المالية التي قدمتها الحكومات، منحت الأعمال التجارية القدرة على تلبية التزاماتها أثناء فترة الإغلاق، وبالتالي منعت احتمال تفجر أزمة إفلاسات تكون تداعياتها خطرة، كما أن الفائدة المصرفية المنخفضة توفر أموالاً رخيصة للاستمرار في التشغيل بعد فتح الاقتصادات.

على صعيد سعر الفوائد المصرفية المنخفضة والتي من المتوقع أن تستمر لفترة طويلة، يأمل اقتصاديون أن تخفض هذه المعدلات الصفرية للفائدة الحكومات فاتورة خدمة الديون السيادية على المدى الطويل، إذ إن الفائدة المرتفعة كانت سترهق الحكومات في تسديد ديونها التي أخذتها لتلبية تحفيز الاقتصاد.

كما تأمل الحكومات أن تتمكن اقتصاداتها من النمو الاقتصادي بمعدلات أكبر من نسبة الفائدة المصرفية خلال السنوات المقبلة، وبالتالي تتمكن من الحصول على معدلات ضريبية مرتفعة تساعدها على تغطية نفقات الإنعاش الاقتصادي التي ستتكبدها خلال العام الجاري.

المساهمون