كافيهات الفقراء.. عربات المشروبات الساخنة في غزة

كافيهات الفقراء.. عربات المشروبات الساخنة في غزة

26 مايو 2015
أحد مشروعات المشروبات الساخنة بغزة (العربي الجديد/عبدالحكيم أبو رياش)
+ الخط -

ينهض المواطن الفلسطيني محمد النديم عند الساعة الخامسة فجراً، ليجهّز نفسه ليوم جديد من العمل في بيع الشاي والقهوة على عربة صغيرة مكونة من ألواح خشبية عريضة تتربع عليها أباريق نحاسية مختلفة الأحجام، بجانب العشرات من الأكواب الفارغة المرتبة بطريقة متناسقة تلفت أنظار المارة.

ويتخذ النديم (36 عاماً)، المشهور بملك القهوة، من أحد مفترقات شارع النصر، غرب مدينة غزة، مكاناً دائماً لعربته الصغيرة، الأمر الذي ييسّر عليه عملية استقطاب زبائنه سواء من سائقي سيارات الأجرة أو المارة بجانب أصحاب المحلات التجارية التي تنتشر على جانبي

الطريق.

ويأمل النديم أن يكسب بعض الأموال من وراء مهنة بيع المشروبات الساخنة بمختلف أنواعها، ما يمكّنه من مجابهة تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية لعائلته المكونة من خمسة أفراد، التي تكتوي كمئات العائلات الغزية بنار الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ صيف عام 2007.

ويقول ملك القهوة، لـ"العربي الجديد"، إنه توجّه لبيع المشروبات الساخنة على أحد مفترقات مدينة غزة، بعدما فقد مكان عمله في إحدى ورش النجارة التي دمرها الاحتلال خلال الحرب الإسرائيلية على القطاع عام 2012، الأمر الذي دفعه لاستدانة 250 دولاراً، من أجل تجهيز عربته بمعداتها المختلفة.

ويجني النديم من مهنته نحو 60 شيكل يومياً (الدولار 3.8 شواكل)، ولكنه أوضح أن مهنة بيع المشروبات الساخنة متعبة، لأنها تجبر صاحبها على الالتزام بالعمل لمدة 12 ساعة متواصلة، الأمر الذي يتسبب بآلام في الظهر والمفاصل والقدمين، فضلاً عن حرمان ممارسيها من الاستمتاع بالأجواء العائلية.

ويلفت النديم إلى أن مهنة بيع المشروبات الساخنة الآخذة بالانتشار، تضم خليطاً من العاملين، فثمة أطفال هجروا مدارسهم مكرهين من أجل مساعدة أسرهم الفقيرة، وشباب يأملون توفير بعض الأموال التي تمكنهم من تلبية احتياجات الحياة، فضلاً عن أرباب أسر يسعون لتأمين لقمة عيش لأولادهم.

اقرأ أيضاً: إجراءات تقشفية لمواجهة الأزمة المالية في غزة

وتسبب الحصار الإسرائيلي والاعتداءات العسكرية المتكررة على القطاع ومنشآته المختلفة، بارتفاع معدلات البطالة ومؤشرات الفقر، الأمر الذي أدى إلى ظهور عشرات المشاريع الصغيرة، التي يأمل أصحابها أن توفر لهم مصدر دخل مالي بسيط ينشلهم من الأوضاع الحياتية القاسية.

أما الشاب أمجد ماهر (25 عاماً)، فلم يستطع أن يوفر بنفسه كامل تكاليف عربة صغيرة مخصصة لبيع المشروبات الساخنة، تعيل عائلته التي تولى أمرها بعد وفاة والده قبل سبع سنوات، ما دفعه إلى الاشتراك مع صديقه رامي بخيت، الذي يكبره بعام، في تحمّل تكاليف رأس المال.

ويقول ماهر، لـ"العربي الجديد": كان والدي يعمل في هذه المهنة من قبلي على شاطئ بحر غزة، وكنت أخرج معه خلال الإجازات الصيفية. وبعد وفاته، حاولت العمل في عدة مجالات لتوفير مصدر دخل لعائلتي، ولكني لم أجد إلا العمل في مهنة والدي السابقة رغم مشقتها.

ويضيف ماهر، بعدما جهز أنبوبة الغاز ليكون على أهبة الاستعداد لإشعالها فور وصول زبون يطلب مشروباً ما، أن فكرة إعداد المشروبات الساخنة بمختلف أنواعها وبيعها ساعدته في زيادة دخله اليومي لنحو 130 شيكلاً.

وتكفلت أشعة الشمس الحارقة برسم علامات الشقاء على وجه الشاب ماهر التي تظهر بمجرد

الاقتراب منه، وأوضح بأنه يعمل على العربة في كافة الظروف صيفاً وشتاءً منذ الساعة السابعة صباحاً إلى ما بعد الظهيرة، ليتفرغ بعد ذلك للعمل على سيارة أجرة حتى ساعة متأخرة من الليل.

وبيّن ماهر أن مهنة بيع المشروبات الساخنة ليست بحاجة إلى رأس مال كبير، ولكن صاحبها يحتاج إلى تكوين شبكة علاقات اجتماعية واسعة مع المحيط الذي يعمل به، بجانب الحفاظ على النظافة العامة لعربته، مشيراً إلى أن الطلب يزداد في ساعات الصباح الأولى من قبل سائقي سيارات الأجرة وطلبة الجامعات.

ويشتكي ماهر من غياب الدعم الحكومي المخصص للشباب العاطلين عن العمل، ويضيف: "الحكومات التي تولت إدارة القطاع في السنوات الماضية لم تقدم شيئاً يذكر على صعيد دعم الشباب، كتشجيعهم على افتتاح مشاريع تجارية صغيرة، بل زادت من معاناة كل من فكر بذلك من خلال فرض الضرائب الباهظة".

وتبلغ معدلات الفقر في قطاع غزة، وفقاً لإحصائية أعدتها اللجنة الشعبية لكسر الحصار 80%، بالإضافة إلى أكثر من 200 ألف عاطل من العمل، إذ تتجاوز نسبة البطالة في القطاع 55% من إجمالي القادرين على العمل.


اقرأ أيضاً: 43 ألف فلسطيني يتقدمون لشغل 800 وظيفة

المساهمون