انتفاضة صناديق الانتخابات ضد الغلاء في تونس

انتفاضة الصناديق ضد الغلاء: الأزمات المعيشية تطيح مرشحي السلطة من رئاسيات تونس

17 سبتمبر 2019
ارتفاع معدل التضخم إلى 6.7% (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

 

لم ينتظر التونسيون طويلا لتذكير الطبقة السياسية ومنظومة الحكم بأنهم فشلوا في تحقيق مطالب الثورة الأساسية، وأن الأحزاب التي تداولت السلطة لم تكن وفية لشعارات التشغيل والكرامة، إذ جاء الرد مزلزلا، أول من أمس، بالعقاب الجماعي لكل منظومة الحكم التي أسقطها الصندوق سقوطا مدويا.

وصوت التونسيون الذين أعياهم الغلاء والبطالة لصالح مرشحين جديدين لم يجربا الحكم، بعد أن تمكن كل من أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد ورجل الأعمال المتهم في قضية تبييض أموال نبيل القروي من نيل ثقة الناخبين.

ورغم أن نتائج الانتخابات التونسية شكلت مفاجأة كبيرة غير أن المهتمين بالشأن الاقتصادي اعتبروها نتيجة حتمية لخيارات اقتصادية لمنظومة الحكم غير صائبة أنهكت التونسيين بالغلاء وتسببت في تدحرج سريع للطبقة الوسطى نحو خانة الفقر.

يشعر التونسيون بالخذلان الشديد من تنكر الطبقة السياسية لمطالب الثورة وفشلها في الحد من الفقر والبطالة وكبح جماح الأسعار ما دفعهم إلى البحث عن بدائل للحكم عبر الصندوق وقلب الطاولة على كل من تداولوا على الحكم منذ الثورة.

واكتشف التونسيون المرشح قيس سعيد الذي تأهل للدور الثاني بأعلى نسبة تصويت (19.5%) في عام 2012 عندما طرح مبادرة اقتصادية بإجراء مصالحة شاملة مع رجال الأعمال المورطين في قضايا الفساد تهدف إلى تمويل مشاريع تنموية في عدد من الجهات عبر أموالهم المصادرة.

واقترح سعيد، الذي قدر حينها حجم الأموال المنهوبة من قبل رجال الأعمال المقربين من النظام السابق ما بين 10 و13 مليار دينار، أن تقوم الدوائر المتعلقة بالفساد الاقتصادي والإداري في الهيئة العليا للعدالة الانتقالية بمراقبة تنفيذ الاستثمار الممولة من الأموال المسترجعة من قبل رجال الأعمال في محافظات البلاد كافة والتي ترتب ترتيبا تفاضليا من الأكثر إلى الأقل فقرا.

أما المترشح نبيل القروي (رجل الأعمال المسجون بشبهة تبييض الأول) والذي حل في المرتبة الثانية فقد كسب ثقة المصوتين عبر العمل الاجتماعي للجمعية الخيرية التي يترأسها وقدمت منذ تأسيسها قبل ثلاث سنوات مساعدات كبيرة عبر تنظيم حملات التبرع بالغذاء والأموال وتنظيم القوافل الصحية في المناطق التي تغيب فيها التغطية الطبية الحكومية، ما جعل منه المرشح الأوّل للفقراء.

ويرى الخبير الاقتصادي محمد منصف الشريف، أن التصويت العقابي للسلطة واختيار التونسيين لمرشحين من خارج منظومة الحكم هو ترجمة لكل الاحتجاجات والتحركات الاجتماعية للتونسيين على مدى السنوات الماضية، مشيرا إلى أن الأحزاب والنخب الحاكمة كانت تتجاوب مع هذه الاحتجاجات بطرق ارتجالية دون البحث في الأسباب الحقيقية لمشاكل التونسيين.

وأضاف الخبير الاقتصادي أن التونسيين يتطلعون عبر قلب الطاولة على منظومة الحكم إلى فتح أفق جديد ويرون خوض تجربة مختلفة على أمل تغيير واقعهم نحو الأفضل، معتبرا أن التجربة الجديدة لا تخلو من المجازفة نظر لصعوبة الوضع الاقتصادي وغياب برامج واضحة للمترشحين المتأهلين للدور الثاني.

وأضاف أن التونسيين انتفضوا الأحد، ضد غياب التنمية في المحافظات وضعف الخدمات الاجتماعية المتعلقة بالصحة والتعليم ضد الغلاء والسياسات الاقتصادية لصندوق النقد الدولي التي أدت إلى خفض الدعم وزيادة أسعار المحروقات وارتفاع الضرائب ووصول التضخم إلى أرقام قياسية.

وأظهرت بيانات رسمية، بداية سبتمبر/ أيلول الجاري، أنّ معدل التضخم السنوي في تونس، ارتفع إلى 6.7%، في أغسطس/ آب الماضي، مقارنة مع 6.5% في يوليو/ تموز الماضي.

وكان البنك المركزي التونسي، رفع سعر الفائدة الرئيسي، في فبراير/ شباط الماضي، إلى 7.75%، من 6.75%، لكبح معدلات التضخم العالية، ما تسبب في زيادات كبيرة في كلفة القروض الممنوحة للتونسيين من مختلف المصارف المحلية.

ومنذ عام 2016 بدأت تونس في تنفيذ إصلاحات اقتصادية "موجعة" بمقتضى اتفاق أمضته حكومة الحبيب الصيد حينها مع صندوق النقد الدولي مكّن تونس من النفاذ إلى تمويلات بقيمة 2.9 مليار دولار.

وبمقتضى الاتفاق رفعت الحكومة الضرائب لعامين على التوالي (2017 و2018)، كما جمدت التوظيف في القطاع الحكومي وزادت في أسعار الطاقة ما أفقد الطبقة الحاكمة شعبيتها لدى الناخبين وأجج الغضب الشعبي ضدها وهو ما ترجمته النتائج التي أتت بها صناديق الاقتراع.

ويرى الخبير المالي شكري بن عيسى أن "نتائج التصويت العقابي للسلطة هو لتجويع الفقراء وتهميشهم ولإغراق الشعب في المديونية وارتهان الأجيال القادمة وإطلاق يد الفاسدين بلا رقيب".

وأضاف بن عيسى في تصريح لـ"العربي الجديد" أن السنوات الماضية اتسمت بالفشل التام للسلطة التي دخلت في الصراعات والتطاحن على الكراسي، ما تسبب في قطيعة تامة مع الشعب الذي واجه وحده الغلاء وانعكاسات تهاوي العملة المحلية مقابل اليورو والدولار.

واعتبر أن التونسيين أرادوا الأحد، إيقاف نزيف من الصعوبات المعيشية التي يعانون منها يوميا في ظل قطيعة تامة مع السلطة التي تخلت عن واجباتها الأساسية في حماية الطبقات الضعيفة ووضع منوال تنمية قادر على معالجة مشاكل البطالة المتفاقمة.

وأفاد بن عيسى أن العقاب كان واضحا لرموز السلطة والأحزاب المكونة لها، معتبرا أن السبب الأساسي لهذه النتيجة هو تدهور الوضع التنموي، خاصة في الجهات المهمشة، فضلا عن استمرار ارتفاع معدلات البطالة لدى الشباب، وهي أهم المطالب الحيوية التي عجزت في تحقيقها الحكومة، من جراء السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي قادت إلى الركود الاقتصادي، وانعكاساتها كانت سلبية للغاية على حياة التونسيين.

وقال إن النتائج ترجمت إلى حد كبير موقف مباشر من التونسيين انطلاقا من الواقع الذي أصبحت عليه حياتهم، جراء هذه السياسية، والتي مست بحقوقهم الحيوية في معيشتهم. واعتبر بن عيسى أن هذا التدهور في معيشة التونسيين هو بالأساس نتيجة سياسات صندوق النقد الدولي، في تحرير الدينار ورفع الدعم وفرض مزيد من الضرائب، وأيضا تسريح الموظفين والحد من الانتدابات.

وتظهر الأرقام الرسمية أن الحكومة رفعت أسعار الوقود بنحو 24 في المائة، منذ إبرام اتفاق مع صندوق النقد في 2016، لتنفيذ برنامج اقتصادي يتضمن تقليص الدعم وترشيد الإنفاق، مقابل قرض بقيمة 2.98 مليار دولار يصرف على أربع سنوات.

وأعلن صندوق النقد، في تقرير له بداية مايو/أيار الماضي، عقب انتهاء مهمة المراجعة الخامسة في تونس، أنه توصل، خلال زيارته، إلى تفاهمات متبادلة بشأن معظم القضايا، داعياً تونس إلى التخلص التدريجي من دعم الطاقة، وحماية الأسر الضعيفة، وتجميد كتلة الأجور.

المساهمون