لا نريد تعاطف "الكفار"

لا نريد تعاطف "الكفار"

07 فبراير 2017
+ الخط -


كنا ذات يوم، ويشاركنا مهاجر فلسطيني، هشام شقير، نوزع بياناً باللغة الدنماركية لوقفة تضامنية بنصب خيمة اعتصام لأربعة أيام، تضامنًا مع مبعدي مرج الزهور، عام 1992. وجميعهم من حركة حماس.

لم يكن لنا علاقة بحركة "حماس" لا من قريب ولا من بعيد، سوى أن محتلاً يطرد أبناء شعبنا، مهما كان لونهم. والواقع ليس كما هو الحال اليوم، حيث يفرح البعض أيما فرح، إذا ضرب المحتل أياً من خصومه. حقيقة مؤلمة وإن كان الكذب فيها سيد الموقف.

المهم، وجدتنا نواجه جدلاً عقيماً مع من سبق أن أقام قبلنا بين ظهراني الغرب بسنوات، بل وحديثي العهد حينها، لنصاب بصعقة غريبة من لغة جلفة لا تحمل أبداً ما يمكن أن يعبر سوى عن فصام لم ينته حتى وقتنا هذا.

يرى البعض وما يزال الآخر "كافراً". الآخر الذي يتناول مرتب الإعانة منه كل أول شهر. وكانت مواكب السيارات تنطلق في "إجازة سنوية"، أحدثت ضجيجاً كبيراً في السياسة والمجتمع:" كيف يدعي هؤلاء بأنهم لاجئون من البلد الفلاني وهم يعودون إليه سائحين بأموال الضريبة التي ندفع منها إعانة لهم؟".

وسرت كما يذكر كثيرون، إشاعة بأن كل من سافر سيجري سحب إقامته، أو على الأقل منع الدائمة منها، عنه.

قفز بعض إخوتنا "المؤمنين" وكأن مساً أصابهم، بمجرد أن رأوا عنوان البيان. فراح البعض يصرخ: "لا يجوز التوجه للكفار لكسب تعاطفهم".

ذلك الجدل استمر لسنوات طويلة: "القضية ليست فلسطينية بل إسلامية، ورفع علم فلسطين أصلاً من الوثنيات"، رغم أن بعض إخوتنا كنت إذا انتقدت حاكمه ثار كالثور الأهوج بوجهك، مثلما ثارت ثائرة "المناضل مصطفى بكري" ذات يوم، من أجل مبارك، الذي حرقت صورته في الانتفاضة الثانية في الضفة.

حتى لا نطيل من يوميات غربتنا على قارئ لم يعش بعد منها سوى قشورها، من القادمين الجدد نحو الغرب، أو من هؤلاء في أوطاننا من البسطاء الذين يقفون في طوابير الهجرة "إلى الغرب الكافر".

فالقصة التي تعنيني شخصيًا، إضاعة سنوات طويلة من توريث حكاية "لا نريد تعاطفاً من الكفار"، من دون إدراك لمعنى أن يكون الرأي العام الضاغط، إذا ما تفهم قضيتك في صفك، ضد صناع القرار المؤيدين لمحتلك أو مغتصب سلطة بلدك، في "دول السيادة"، المعتاشة على منح الغرب لجيوشها، وتعاون استخباراتي كجواسيس وسفاحين لانتزاع اعترافات تحت التعذيب، ممن يلقيهم الغرب في مطارات العرب في فترة ما بعد 11 أيلول/سبتمبر.

في ما تلا قرارات ترامب العنجهية، وإن كانت قد لا تعني بعض العرب، مثلما لم يعن نصب خيمة تضامن مع مبعدي مرج الزهور، حيث كان يأتي أساتذة تدريس اللغة العربية، يسألون عن طلابهم الذين "أخذوا إجازة ليسبقونا إلى خيمتكم"، بينما كنا نرى الجمع من نوافذ الباصات يمرون بنا وهم يعتقدون بأننا مجرد "سذج ومستهبلين"، رأينا آلاف الأميركيين والغربيين يقتحمون المطارات ويرفضون هذه العنصرية، والتي رفضناها أيضاً على هذه الصفحات، وإن لم تكن تمسنا، لا شخصيًا ولا فلسطينيًا.

هؤلاء الذين أحاطوا بمساجد تعرضت لحرق وهجمات، ليسوا مسلمين، لكنهم بشر وجدوا ظلمًا واقعًا على الآخرين، ومن المنطقي أن يتوقف البعض أمام مثل تلك التحركات، ليكف بعد كل تلك السنوات عن تأففه واستعلائه، والادعاء بأنه يعيش في الغرب "غصبًا عن الغرب".

لم يتأخر الوقت لكي يراجع البعض مواقفه، بابتسامة وشرح لقضيته، مهما تكن تلك القضية، بدل لغة التشنج والتكفير والاستعلاء. بالمناسبة: كيف وصل الأسلاف إلى إندونيسيا والهند وماليزيا وباكستان؟... وغيرها وغيرها من البلدان؟

نحن نعيش في القرن 21، لا يمكن أن نظن بأن التخلص من الاحتلال الخارجي والداخلي، بأنظمة على شاكلة ما كشفته أحداث الربيع العربي بمعزل عن العالم، أو حتى المحيط الذي قد يستغرب أحيانًا دعوة لتظاهرة من أجل حث الناس على "مقاطعة إسرائيل"، فلا يحضرها سوى بضعة من أصحاب القضية. هذا ليس تجنيًا بل هو واقع مشهود.


أهمية الرأي العام في الغرب لعبها الطرف الثاني بكثير من الأكاذيب والخرافات. ووصل لمبتغاه بأن أصبح "الضحية" دائمًا، والعرب والمسلمون لا يحتاجون إلى أكاذيب وأساطير، بل إلى نقل الحقيقة فحسب، غير الداعشية بالتأكيد، لكي يجري الحفاظ على زخم لا يفجره تصرف أرعن باسم الدين والقومية وعراك عصابات مخدرات بالسلاح الأبيض والناري، والتصرف على طريقة المافيا. وكثيرون يعرفون أين يجري كل ذلك الذي ننقله.

لا يكفي القول "لا نريد تعاطف الكفار" لرفع رهاب الإسلام من قلوب بسطاء غربيين لم يعرفوا عنه سوى ما تنقله وسائل الإعلام من هجمة هنا وهناك، واستغلال إعلامي وسياسي يميني فاضح كما في حالة دونالد ترامب ومارين لوبين وكتل وتجمعات الشعبويين في الشمال الأوروبي وكندا وأميركا.

ما نحتاجه هو بعض التواضع، وإدراك أن هؤلاء الذين خرجوا في تظاهرات نيويورك وواشنطن وغيرها من العواصم الغربية، لم "تحركهم حركة الإخوان المسلمين" كما تذاكى بعض إعلاميي السيسي وهم يسوقون العقول كالقطيع، ظانين بأن الناس تعيش زهو "ثورة 30 يونيو".

العالم يتغير من حولنا... فلا المذهبية التي يحملها في جعبته لاجئ يظن بأنه إذا قال: "جماعتنا جماعة مسالمة أكثر من تلك الطائفة الإرهابية" ستفيد بشيء، بدليل أن ترامب لم يفرق بين شيعي وسني في فرمانه الذي بدأ الشعب يسقطه، ولا الاستعلاء "الوطني " باعتبار كل بأن جماعته كمشة من الملائكة التي لا ترتكب أية حماقة لتصيب الجميع بشظاياها...إعمال العقل هو كل المطلوب.