رجال اللوتشو1.. ثورة الطب الكروي وأبراج المراقبة الخططية

رجال اللوتشو1.. ثورة الطب الكروي وأبراج المراقبة الخططية

30 نوفمبر 2016
رجال اللوتشو (تويتر/العربي الجديد/Getty)
+ الخط -
"إنّهم رجال اللوتشو، الجميع يقومون بعمل مهم، عمال غرفة الملابس، الأمن، الكل بلا استثناء له دور داخل هذا الجهاز الضخم"، بكلمات يشوبها الفخر والثقة بالنفس، يتحدث المدير الفني لبرشلونة، لويس إنريكي، عن طاقمه المساعد الذي لا يقل أهمية بأي من الأحوال عن نجوم الفريق. وجاء كلامه خلال الفيلم الوثائقي الذي يتحدث عن أسرار المطبخ الكاتلوني، وكيفية تجهيز اللاعبين، وماذا يدور في الداخل قبل المباريات الكبيرة.

'Los hombres de Lucho' أو رجال لوتشو، فيلم أقرب إلى الشرح المتكامل لنظرية العمل الجماعي داخل الفرق الكبير، ونسف لأكذوبة سيطرة المدير الفني فقط على كل الأمور، بالإضافة إلى تأكيده لأهمية الدراسات الفنية والنفسية والطبية. فالنجوم الكبار ليس لهم مثيل في معظم الفرق، لكنهم يحتاجون دائما إلى الرعاية المضاعفة، حتى تتفجر طاقاتهم الإيجابية في اللحظة المناسبة بما يخدم نتائج النادي بالنهاية.


تقليل الإصابات
منع الإصابة تماما أمر مستحيل، لكن التقليل من إمكانية حدوثها ومعالجتها بالشكل المثالي خيار ممكن للغاية، لذلك يضع المديرون في برشلونة اهتماما مضاعفا بالناحية الطبية، لدرجة أن لويس إنريكي يذهب إليهم في كل صباح، ويجتمع بالأطباء قبل التدريبات. يتطور الأمر أكثر ليشمل دراية معظم اللاعبين بأسماء ونوعية التدريبات التي يحتاجون إليها، وذلك لتوفير بيئة صحية تقوم على التعاون بين الجميع.

يقول الدكتور ريكارد برونا ومساعده تشافي يانغواس "نجتمع مع أخصائي العلاج الطبيعي، لمعرفة الحالات التي تحتاج إلى اهتمام أكبر، ليتم إخبار المعد البدني والمدير الفني بأن هذا اللاعب كمثال غير قادر على التدريب في الفترة الحالية، حتى وإن كان ظاهريا لا يعاني من شيء".

عمل الجهاز الطبي وما يرتبط به من نواح بدنية وعلاجية مهم جدا داخل برشلونة، لذلك يتم فحص كل لاعب دوريا، مع إجراء تحليلات الدم، قياس تحمل العضلات، بالإضافة إلى المسافة التي يقطعها كل لاعب خلال التدريبات والمباريات، كلها أمور جعلت برشلونة ينافس بقوة خلال آخر عامين، رغم عقوبة الفيفا ومنعه من إجراء التعاقدات مثل بقية الأندية.


بالورقة والقلم
بعد الخسارة من أتليتكو والخروج من عصبة الأبطال، وتأزم النتائج في الليغا وزيادة المنافسة مع الأتليتي والريال، تضاعف الضغط على لويس إنريكي وطاقمه، لدرجة اتهامه مباشرة في أحد المؤتمرات الصحافية بأنه يُشرك مجموعة معينة من اللاعبين فقط. ورد المدرب بأسلوب غير لائق على صحافي إسباني، واشتعلت الأزمة بشدة قبل أن يكرر إنريكي حدته ويعلنها في ما بعد، "أشرك فقط اللاعب الجاهز، وكل أرقامنا ودراستنا تؤكد أن المجموعة الأساسية في حالة بدنية جيدة، سنكمل الموسم وسنفوز في كل المباريات، ونحقق الدوري والكأس".

بدا كلام إنريكي حماسي من الوهلة الأولى، لكن بالعودة إلى رجال اللوتشو ومشاهدة العمل المنظم بشدة من الجميع، يتم التأكد بأن كل شيء يسير وفق الحسابات، لدرجة معرفة كل لاعب بما ينقصه وما يحتاجه في القادم، من خلال الرسائل المستمرة بين الأطباء والخبراء البدنيين والمدربين داخل الفريق الأول.

يعترف إنريكي بأن هذا العمل الرقمي يعطيه أفضل خيار ممكن لوضع التشكيلة الأساسية، ويمنعه من اختيار بعض الأسماء التي تعاني من إرهاق أو متاعب. بكل تأكيد نجم مثل ليونيل ميسي يلعب في كل وقت، لكن الدراسات المتأنية تساعد الجهاز الفني على توفير الفراغ المناسب لتألق الأرجنتيني. وهذا ما يأتي نتيجة لغة الأرقام التي تؤكد علو كعب هذا اللاعب على زميله في هذه المباراة بالأخص، نتيجة معطيات معينة يحصل عليها المدير الفني من مساعديه.

الفريق في النهاية لم يتأثر أبدا، وفاز بخمس بطولات في الموسم الأول للوتشو، مع الحصول على الثنائية المحلية في الموسم الثاني. أرقام مذهلة تجعل الكتلان هم الأنجح على الإطلاق في السنوات الأخيرة، بفضل التخطيط السليم والتطور الطبي المذهل الذي ساعد الجهاز الفني طوال الفترات الصعبة. ولنا مثال بالشهر الأخير من الموسم الماضي، عندما تأزمت النتائج وصار الفوز في كافة المباريات المتبقية هو الدليل، لعب إنريكي بـ11 لاعب جاهز، ويحقق الانتصار تلو الآخر حتى النهاية.


تحليل الأداء
تمتلأ ساحات التواصل الاجتماعي قبل وأثناء وبعد كل مباراة بالانتقادات القوية ضد المدربين، ويذهب المتابعون إلى ما هو أبعد من ذلك، بالتعبير عن آرائهم في صورة نصائح فنية للمدير الفني، دون مراعاة تفاصيل مهمة تدار في الغرف المغلقة. ولويس إنريكي رد على كل هذا بعبارة واحدة، أعمل مع حوالي 26-27 مساعدا، أي أن الطاقم التقني لبرشلونة أكبر من عدد لاعبي الفريق الأول، وبالتالي فإن كل قرار فني يقوم به المدرب يمر عبر عملية طويلة ومعقدة تبدأ من أصغر عضو في الجهاز لتأتي إلى القائد عبر مساعده.

لا تُعفي هذه العملية المدير الفني من النقد لأن كرة القدم بمثابة القانون العلمي غير مكتمل الأركان، بمعنى أن الكمال غير متاح أبدا، وهناك أمور صغيرة تتحكم في النتائج النهائية، بالإضافة إلى مهارات بعض النجوم وهفوات البعض الآخر. كلها تفاصيل بحتة تعطي الأفضلية لمدرب ما، لكن أهمية أي طاقم فني يكمن في سير العملية وليس النتيجة، وطاقم "السكاوت" خير دليل على ذلك.

يختص "السكاوت" أو الكشافون بتحليل الأداء، أداء كل لاعب في الفريق، مستوى الفريق ككل، أداء المنافس، نقاط قوته وضعفه، وبالتأكيد وسائل القضاء عليه أو التقليل من خطورته. 4 أشخاص داخل الجهاز الفني، ثلاثي لمتابعة المنافسين، والأخير لتحليل أداء اللاعبين أنفسهم، كل هذا يصل في النهاية إلى كبار المساعدين، ومنهم إلى اللوتشو.


أبراج المراقبة
تضع بعض الفرق الكبيرة كبرشلونة أبراج مراقبة في التدريبات، ويذهب أحد المساعدين إلى أعلى نقطة في المدرجات، ومعه بعض الأجهزة والكاميرات لتسجيل المباراة داخل كامب نو من أعلى نقطة ممكنة، يسجل ويحلل ويقطع الأجزاء ليستفيد منها الجهاز الفني بعد المباراة.

"هل تقول معلومة إضافية لمن يشاهدون في منازلهم؟"، باغت لويس إنريكي مساعده الكشاف أثناء الفيلم الوثائقي بهذه العبارة، التي تؤكد بطريقة عملية اختلاف الجانب التدريبي عن نظيره التحليلي. فالمدرب يضع ويتخيل ويرسم الطريقة ويغرس في لاعبيه كيفية تنفيذها، وهذا لن يحدث أبدا من دون استشارة الفريق المساعد، لتجهيز كافة البيانات والمعلومات المتاحة، وتحويلها عن طريق "الكوتش" إلى واقع ملموس يُنقل إلى بقية أفراد المجموعة.

الأمر لا يتوقف على تصوير المباريات، بل تشمل أبراج المراقبة متابعة كل لاعب أثناء التمرين، أين يتحرك وكيف يتمركز، سلوكه مع زملائه، وردود أفعاله أثناء الفشل والنجاح، ليكون التقييم شاملا ومتكاملا، وحتى يضع الجهاز الفني التشكيلة المثالية لكل مباراة. لكن يبقى الجانب الآخر من المعادلة ألا وهو كيفية التحضير للمباريات الكبيرة، والإدارة الفنية لكل مباراة من داخل الملعب، إنها ألغاز أجاب عنها هذا الفيلم الوثائقي الرائع، وحتما سنتحدث عنها بالتفصيل في التقارير المقبلة.



المساهمون