من الإدارة الرياضية إلى التحضيرات...كيف انتهى حلم لبنان الآسيوي

من الإدارة الرياضية إلى التحضيرات...كيف انتهى حلم لبنان الآسيوي

18 اغسطس 2017
نهاية حلم لبنان في كأس آسيا سريعاً (حسين بيضون)
+ الخط -

سقط لبنان في بطولة كأس آسيا 2017 على أرضه وبين جماهيره العريضة التي ساندته من البداية حتى النهاية بكل شغف وحماس. انتهى الحلم بسرعة رغم أن الجميع كان متفائلاً بتحقيق نتائج 2001، 2005 و2007. هذا الحلم لم ينته لأن لبنان كان منتخباً ضعيفاً، بل انتهى لأسباب تتعلق بالإدارة الرياضية أولاً والتحضيرات السلبية قبل البطولة.

الاستضافة لبطولة كبيرة
ينشر الاتحاد الدولي لكرة السلة "FIBA" عبر موقعه الرسمي الأساليب الرسمية التي يجب اتباعها من أجل استضافة بطولة قارية، ويُحدد طريقين (قصيرة وطويلة الأمد). تتراوح مدة تقديم البلد لاستضافة بطولة قارية أو كأس العالم للسلة في الطريق القصيرة والعادية بين تسعة أشهر و12 شهراً كحد أقصى.

وتبدأ الطريق القصيرة بتقديم البلد الطلب الرسمي للاستضافة ويتشاور الاتحاد مع الدول المعنية في الحدث الرياضي (كأس آسيا، كأس العالم أو أي بطولة قارية أخرى). ثم تأتي مرحلة الطلب الرسمي والتحضير للعروض من كل بلد وعرض ملف الاستضافة في مؤتمر خاص تحضره جميع الدول المعنية، وأخيراً مرحلة اختيار المرشح بعد معاينة ملفه ودراسة المنشآت الرياضية وقدرتها على الاستضافة، ثم يختار الإتحاد الدولي المرشح الأوفر حظاً بموافقة جميع الأعضاء.

أما الطريق الطويلة فتتراوح بين 14 و16 شهراً كحد أقصى لاختيار المرشح الأفضل للاستضافة، وفي هذه الطريق يتم دراسة ملف الاستضافة جيداً وعادةً ما تكون هذه الطريق لمرشحي كأس العالم نظراً لقوة البطولة وأهميتها عالمياً، وه والأمر الذي يطرح سؤلاً كبيراً هو كيف خطف لبنان بطولة كأس آسيا 2017؟

لم يظهر لبنان في الطريق الأولى ولا في الطريق الثانية، وذلك لأنه وبشكل مفاجئ أعلن الاتحاد اللبناني لكرة السلة في منتصف شهر كانون الثاني / يناير عن استضافة بطولة كأس آسيا 2017، وحدد شهر آب / أغسطس موعدا لانطلاق البطولة، أي أن فترة التحضيرات كانت حوالي ستة أشهر وحتى أقل من ذلك.

كيف حصل لبنان على حقوق استضافة بطولة بحجم كأس آسيا قبل ستة أشهر فقط؟ وذلك رغم أن الاتحاد الدولي ينصُ على أن اختيار المرشح لاستضافة أي بطولة قارية وعالمية يحتاج إلى تسعة أشهر على أقل تقدير في الطريق القصيرة التي ذُكرت أعلاه، الأمر الذي جعل الاتحاد اللبناني في مهب الريح بسبب التسرع في استضافة بطولة.

نجاح تنظيمي وفشل إداري؟
لا يمكن الشك في نجاح تنظيم بطولة كآس آسيا 2017 وإن كان الأمر مرتبطا بمعلب واحد ومنطقة واحدة، وهو الأمر ربما الذي سهل مهمة الاتحاد اللبناني لكرة السلة في تنظيم المباريات بدون مشاكل، لكن المشكلة ليست تنظيمية فقط بل هناك عمل إداري كبير وخطة احترافية للاستضافة تهتم بالدرجة الأولى في حالة المنتخب الفنية وظهوره على أرضه وبين جماهيره.

عندما خطف الاتحاد اللبناني لكرة القدم حقوق استضافة بطولة كأس آسيا 2017 قبل ستة أشهر من انطلاقها رسمياً، لم يعرف أن أي بطولة تحتاج إلى دراسة كبيرة تبدأ من المنتخب مروراً بالموازنة وصولاً إلى التحضيرات اللوجستية، وأغفل الاتحاد أن أي دراسة لاستضافة بطولة رياضية تحتاج إلى ستة أشهر على أقل تقدير (علوم الإدارة الرياضية) لتحضيرها والنجاح في تقديم بطولة رائعة.

بدايةً من المشكلة الأساسية التي عانى منها الاتحاد وهي التمويل الرسمي للبطولة، وهناك الكثير من الأسئلة طُرحت في الصحف والمواقع اللبنانية الإخبارية، لماذا لم تعتبر الحكومة اللبنانية بطولة آسيا رسمية ومهمة؟ لماذا لم توافق على تمويل البطولة، رغم أن أي بلد مستضيف لبطولة رياضية يحظى برعاية الدولة أولاً بسبب المنافع الاقتصادية من الحدث.

الجواب سهل ربما، هل قدم الاتحاد اللبناني دراسة منظمة ومدروسة للبطولة من الألف إلى الياء لناحية (التنظيم، الأرباح، الموازنة، المنفعة الاقتصادية، النجاح السياحي، المصاريف وغيرها؟)، وبالتالي هل ناقش مجلس الوزراء دراسة البطولة بشكل رسمي وبطريقة احترافية، أم أن الاتحاد اللبناني طلب دعم الدولة للبطولة بمجرد اتصال شخصي أو مقابلة عادية مع الحكومة لا تتضمن أي دراسة جدية؟

لم يتلق الاتحاد أي دعم مالي من الحكومة وهذا خطأ كبير لا يحدث في عالم تنظيم البطولات الرياضية، وبالتالي وقع الاتحاد في أزمة مالية لأنه حصل على حقوق الاستضافة بشكل عشوائي ومتسرع، ولم يمنح لبنان فرصة الاستضافة المُميزة مع التنويه بنجاح العمل التنظيمي في الملعب الذي استضاف المباريات.

المنتخب اللبناني دفع الثمن
تعاقد لبنان مع المدرب الليتواني راموناس بوتوتاس بعد الإعلان عن استضافة البطولة الآسيوية، هل كان هناك دراسة جدية لمرشحين آخرين قادرين على تدريب منتخب لبنان وتحقيق نتائج جيدة؟ هل درس الاتحاد اللبناني ملف المدرب الليتواني جيداً، فالمدرب لا يملك أي إنجاز كبير في عالم كرة السلة، ولبنان يُعتبر منتخباً قوياً في القارة الآسيوية، ويحتاج إلى مدرب خبير قادر على تسجيل نتائج كبيرة.

التسرع في استضافة البطولة كلف المنتخب عدم اختيار مدرب مُميز يفهم اللاعبين ويضبط تصرفاتهم داخل وخارج الملعب، وذلك لأن الاتحاد اللبناني وجد نفسه أمام فترة زمنية قصيرة لتحضير لبطولة قارية كبيرة في ظرف ستة أشهر فقط، ووضع المنتخب تحت ضغط جماهيري كبيري لأنه يلعب على أرضه.

لماذا لجأ الاتحاد اللبناني لاختيار مدرب من القارة الأوروبية الذي لا يعرف الكثير عن القارة الآسيوية؟ رغم أنه في السنوات الأخيرة اختيار مدربين لبنانيين ومدربين شغلوا مناصب في منتخبات وأندية آسيوية. مثلاً المدرب توماس انطوني المعروف بتاب بالدوين الذي درب لبنان بين 2010 و2011 وحقق معه المركز السادس في كأس آسيا 2011، والمثير أن بالدوين يعمل حالياً مع المنتخب الفيليبيني منذ 2016 الذي انتفض في كرة السلة وتطور بشكل كبير ونتائجه تتحدث عنه.

المدرب الثاني الصربي دراغان راكا الذي درب لبنان بين أعوام 2007 و2009 وحل وصيفاً في بطولة آسيا وحقق المركز الرابع في عام 2009 بعد وصوله إلى الدور نصف النهائي. هذا المدرب شغل مناصب عديدة في كرة السلة الآسيوية ودرب نادي الحكمة اللبناني، أي أنه يعرف لاعبي الدوري اللبناني جيداً.

ومن ينسى المدرب الأميركي جان نيومان صاحب السيرة الذاتية الباهرة في عالم كرة السلة والذي قاد منتخب لبنان للحلول وصيف في بطولة آسيا 2001، ليستلم بعده المدرب اللبناني غسان سركيس ويحل رابعاً في نسخة عام 2003، قبل أن يستلم المدرب الأميركي الرائع بول كافتر ويقود لبنان لتحقيق المركز الثاني في مرتين متتاليتين في بطولة آسيا 2005 و2007.

ولا يمكن وضع اللوم فقط على المدرب الليتواني الذي استلم المهمة في وقت صعب ووضعه الاتحاد تحت الضغط، فهناك مشكلة اختيار الأجانب التي يعاني منها منتخب لبنان منذ عام 2010، وهي المشكلة التي تؤكد عدم توفر رؤية واضحة واستراتيجية إدارية رياضية جيدة لدى الاتحاد لإدارة اللعبة وخصوصاً المنتخب، وبالتالي التحضيرات ستكون سلبية وستنعكس على النتائج بشكل مؤكد.

جميع هذه الأسماء التدريبية الكبيرة التي عرفها لبنان وحققت معه نتائج جيدة تؤكد أن الاتحاد اللبناني لم يختر المدرب الأفضل للبنان، ولم يُحسن استغلال عامل الأرض والجمهور لتحقيق نتيجة تاريخية غير مسبوقة في بطولات كأس آسيا. تسرع وعشوائية في العمل الإداري من أجل ضمان نجاح البطولة على الصعيد التنظيمي في الملعب والمدرجات فقط.

أما التركيز على الصعيد الفني لحالة المنتخب فهو آخر ما فكر فيه الاتحاد بدايةً من اختيار المدرب الصحيح وصولاً إلى الفترة القصيرة التي منحها للاعبي المنتخب للتحضير لبطولة كبيرة واللعب أمام جماهير غفيرة في المدرجات التي ستُشكل ضغطا كبيرا في كل مباراة، فدفع المستضيف ثمن التسرع والعشوائية في العمل.

المساهمون