هل تكفي فرقة ساري للتتويج بالكالتشيو؟


أوركسترا البناء من الخلف.. هل تكفي فرقة ساري للتتويج بالكالتشيو؟

12 اغسطس 2017
نابولي يسعى للفوز بالألقاب هذا الموسم (Getty)
+ الخط -

تلعب معظم الفرق في إيطاليا وأوروبا بشكل عام بتحفظ واضح خلال الفترة الأخيرة، ويتعامل ماوريزيو ساري مع هذه المعطيات بذكاء شديد، من خلال التدريب على كيفية اختراق الدفاعات المتكتلة، والتفنن في مواجهة كافة أنواع الخصوم، سواء من يلعب بخط دفاع متأخر، أو من يضغط في الخط الأمامي أملاً في قطع الكرة وتنفيذ المرتدة العكسية.

لذلك يعتبر نابولي من أفضل فرق العالم على مستوى البناء من الخلف، بفضل تكتيك المدرب ساري الذي يركز على استغلال الجبهة اليسرى في الخروج بالكرة، وخلق التفوق النوعي في الخطوط وبينها داخل نصف ملعب الفريق الآخر.

أستاذية البناء
ويتحرك فريق نابولي من اليسار إلى عمق الهجوم بمرونة وديناميكية غير متوقعة، من خلال التعاون المثالي بين الظهير الأيسر "غولام" ولاعب الوسط المتحرك "هامسيك" والجناح السريع "إنسيني". وعندما يقوم الخصم بالضغط على دفاعات ممثل الجنوب، وإغلاق كافة المنافذ أمام لاعب الارتكاز "جورجينيو أو دياورا"، فإن هامسيك يترك مكانه في الهجوم ويعود خطوات للخلف، حتى يملأ الفراغات أسفل اليسار، ويسحب الوسط المقابل لتغطيته، ما يسمح بوجود قناة اتصال بين المدافع حامل الكرة ولاعب الهجوم مباشرة، لذلك يمرر كوليبالي مباشرة إلى ميرتينز، وتبدأ الهجمة من نصف الملعب الثاني بعيداً عن أماكن الرقابة.



* تظهر نسبة هجوم نابولي من الجانب الأيسر بشكل أكبر، مع بقاء السيطرة والتحرك في منتصف الملعب، لخلق الفراغات اللازمة لتألق الخط الهجومي. "Whoscored"

وفي حالة غلق العمق تماماً أمام دفاع نابولي، فإن هامسيك يملك الحلول أيضاً، بقيامه بدور صانع اللعب المتأخر، مع تحرك فوزي غلام من دون الكرة، ودخول إنسيني في العمق كلاعب وسط إضافي، لتكوين مثلث تمرير مباشر بينه وبين زميليه، ما يجعل نابولي في وضعية أفضل أمام الفرق التي تلعب بطريقة 4-4-2 على سبيل المثال، لأن إنسيني يستلم الكرة دائماً بين الدفاع وخط الوسط. باختصار شديد يملك قائد الفريق أكثر من خيار للتمرير، إلى الطرف تجاه فوزي أو في العمق ناحية إنسيني، أو حتى لعب تمريرة طولية نحو ميرتينز، مع إمكانية قلب اللعب إلى الجبهة اليمنى حيث يركض كاييخون. هذا ما يريده ساري في النهاية، وجود أكبر قدر ممكن من الخيارات أمام حامل الكرة، لذلك أطلق خبراء التكتيك على هذا الشق مصطلح "بناء الهجمة من أسفل اليسار".

مجرد أرقام
لعب ساري كثيراً في بداياته بخطة لعب 4-3-1-2، ثم قلبها إلى 4-3-3 لاستغلال تنوع أجنحته، لاعب على الخط ليعطي الشق المباشر، وآخر يتحول من الطرف إلى العمق لأداء دور صانع اللعب الإضافي، وفي كل الأحوال لا فرق بين الخطتين، لأن ماوريزيو نفسه يقول إن التحركات هي الأساس في طريقة لعبه، وأن الأجنحة تقول بدور "التريكوارتيستا"، أي صناع اللعب عند الحاجة والعكس صحيح.

ولا يقتصر أداء نابولي على لعب التمريرات أو البناء من الخلف، بل طوّر المدير الفني من قدرات فريقه في ما يخص الأسلوب المباشر، من خلال الرغبة في اختراق خطوط المنافس باستمرار، وجعل الاستحواذ مجرد أداة لتحويل التمريرات العرضية بين المدافعين أو لاعبي الوسط إلى تمريرة طولية مفاجئة تجاه لاعبي الهجوم، لذلك يتضاعف دور المهاجم صاحب اللمسة الواحدة في التشكيلة، حتى يقوم بالمشاركة في نقل زملائه إلى مناطق الخطورة، باستلامه تحت الضغط ولعبه للكرة دون الوقوف عليها. فعلها هيغواين معهم ثم نقلها ميرتينز إلى شق أعلى خلال الموسم الماضي.

في كأس أودي الأخيرة بميونخ، فاز أتليتكو مدريد بالبطولة، لكن خطف نابولي الأنظار من الجميع، بتقديم الطليان مباريات رائعة ضد أتليتكو وبايرن، وإظهار مدى فهم اللاعبين لفكر مدربهم، فهامسيك يصنع الفرص من مختلف المراكز، بينما يتحرك المهاجم الصريح بطريقة توافقية مع زملائه، إلى الأمام للقطع خلف دفاعات الغير، وللخلف حتى يربط مع رفاقه.

"الرغبة مهمة جداً لتحقيق النجاح، لكن وحدها لا تكفي. يجب أن يكون العمل من أجل خلق نظام قوي لتطوير اللعب الذي يشمل الجميع في الحالتين الدفاعية والهجومية. أن تكون فريقا واحدا يتحرك ككتلة قريبة يعني أنك ستجري أقل وتبذل مجهودا أخّف. العبرة ليست بالجري أكثر، بل بالجري بذكاء"، وفريق نابولي الحالي يطبق هذه المقولة، لأن كل تحرك يعقبه تحريك للخصم فخلق فرصة ثم خطوة إضافية نحو التفوق.

في حضرة الشك
رغم كل ما يقدمه ساري مع نابولي، إلا أن هذه الكرة الجميلة لا تزال منقوصة بسبب الأخطاء الناتجة عن التمركز الدفاعي السيئ، فالفريق الجنوبي يقدم نسخة ضعيفة بعض الشيء عندما يفقد الكرة، وتتباعد خطوطه على نحو مفاجئ كلما اقترب الخصم من مناطقه، لتزيد هفوات قلبي الدفاع وتتباعد المساحات بين الرباعي الأخير، مع وجود بعض الفراغات القاتلة أسفل الأطراف خلف الظهيرين المتقدمين، فالفريق دخلت مرماه أهداف غزيرة ببطولة الدوري، بسبب ضعف الارتداد بالنسبة للظهيرين غلام والسيد هساي أثناء لعبة التحولات.

لا يملك الفريق أيضاً خطة طوارئ "الخطة ب"، فنابولي يسجل دائماً من اللعب المفتوح، مع نسبة أقل من المرتدات والكرات الثابتة، بالإضافة إلى قلة حيلة ساري في الشوط الثاني من المباراة، حيث تفتقر تغييراته إلى النضج في بعض المواقف، وتأثره بعدم وجود دكة قوية مثل بقية منافسيه. ونتيجة توالي المباريات في مختلف المسابقات، تظهر الحاجة في بعض الأحيان إلى هدف غير متوقع أو رأسية لا ينتظرها أحد، الريال عبر نابولي في الشامبيونزليغ بهذه الطريقة، واليوفنتوس نفسه حسم مباريات عديدة في الكالتشو رغم أنه ليس في أفضل حالاته، بسبب قدرة لاعبيه على استغلال الكرات الثابتة، وخبرة نجومه في الفوز حتى وهم في أسوأ مستوياتهم. إنها الشخصية التي تتشكل بناء على الخبرات المتوالية في العديد من السنوات.

غوارديولا له تصريح مثالي حول هذه الملاحظة في بداية عمله مع مانشستر سيتي عندما قال "هدفنا الأول هو تكوين ما يعرف بروح الفريق، الروح التي تساعد المجموعة على التصرف تحت الضغط، والتعامل مع المواقف الصعبة بإيجابية، مع تحمل الأحداث غير المتوقعة أثناء سير اللعب، وبالتأكيد العودة السريعة إلى المباراة في حالة التأخر، وعدم تسرب اليأس إلى صفوف اللاعبين في حالة خسارة عدة نقاط متتالية". ويعتبر هذا الأمر مكلف بشدة ولا يتم تحقيقه في يوم وليلة، لذلك من المجحف القول إن نابولي فريق سيئ لأنه لا يفوز ببطولات، لأن هذا الهدف ليس بالسهل أبداً، ويحتاج إلى سنوات من التجربة والتعلم.

الخطوة القادمة
إذا تم قلب الأدوار وتولى ساري مهمة الريال أو برشلونة، وقاد زيدان أو إنريكي فريق نابولي، من المستحيل توقع فشل المدرب الإيطالي، ومن الصعب الجزم بحصول فارس الجنوب على بطولة الدوري، لأن المعادلة لن تكون صحيحة ما دامت التجربة أقرب إلى الخيال لا الواقع، وبالتالي يجب على ماوريزيو مواصلة العمل مع فريقه بطريقته نفسها، مع إضافة بعض العناصر لتقوية الدكة، ودعم التشكيلة الأساسية في المواجهات الكبيرة، حتى يصبح مرشحاً فوق العادة لخطف السكوديتو.

تأثر اليوفنتوس سلباً بعد واقعة الخسارة في نهائي كارديف، هذا وضح في وسائل الإعلام بعد تسريب بعض الأخبار عن وجود شجار في غرفة ملابس الفريق بين الشوطين، مع زيادة الشكوك حول أليغري بعد فشله المتكرر في النهائيات الأوروبية. ويحتاج مشروع ميلان وإنتر إلى مزيد من الوقت، بعد الصفقات الجديدة للفريق اللومباردي وتغيير الطاقم الفني عند الجار، كذلك روما ليس أفضل حالاً بعد قدوم مونشي ودي فرانشيسكو، الثنائي الذي يريد عاماً على الأقل حتى يعرف خبايا نادي العاصمة، أي أن لاعبي نابولي ساري لديهم فرصة كبيرة للحلم.

تعاقدت إدارة النادي أخيراً مع نيكولا ماكسيموفيتش مدافع تورينو بعد تجربته لفترة بنظام الإعارة، وجلب الظهير الأيسر ماريو روي من روما، بالإضافة للتعاقد مع الجزائري آدم وناس، وتبدو هذه التعاقدات مناسبة بشدة لأفكار ساري، لمواصلة البناء من الخلف والهجوم المنظم عن طريق الجبهة اليسرى، لكن لا يزال الفريق في حاجة إلى إضافة جديدة بالناحية اليمنى، مع جلب مهاجم آخر قوي في الكرات الرأسية في حالة التأخر بالنتيجة أو غلق كافة الطرق أمام المرمى.

يقول أريغو ساكي عن نابولي وحظوظه: "في الواقع، يوفنتوس أقرب إلى اللقب مرة أخرى، لكن نابولي هو الفريق الأفضل والأكثر انسجاماً. أسلوبهم في اللعب من بين المراكز الثلاثة الاولى في العالم، وساري رجل عبقري. لماذا من الصعب أن يفوزوا؟ لأن نابولي تسعى إلى الكمال، لديهم جماعية استثنائية، والأفكار والجودة، ولكن كأفراد يفتقرون إلى القوة البدنية والخبرة والتاريخ. عاجلاً أو آجلاً سوف يفوزون بالسكوديتو، ربما يمكن أن يكون حتى هذا العام"، فهل تحدث المفاجأة وينتصر فارس الجنوب في النهاية على طريقة الأفلام؟

المساهمون