الهرم المقلوب 12.."أرجنتينا"..البوهيمية التكتيكية أمام العنف اللاتيني

الهرم المقلوب 12.."أرجنتينا"..البوهيمية التكتيكية أمام العنف اللاتيني

14 يناير 2016
+ الخط -


إذا حالفك الحظ وقمت بزيارة بوينس آيرس يوما ما، وقبل أن تأخذ سيارة الأجرة في جولة حول باريس أميركا اللاتينية، سيبادرك السائق بالسؤال عن جنسيتك وميولك السياسية ومذاهبك الاقتصادية وفريقك المفضل في المدينة، ومع دفعك للأجرة وعزمك على النزول، سيوّدعك ويقول لك السؤال الأشهر على الإطلاق، هل أنت مع فكر بيلاردو أم مينوتي؟ وفي رواية أخرى، هل أنت من رواد المدرسة الواقعية أم البوهيمية الحالمة.

الخماسي المذهل




"بالنسبة لي أعتقد دوماً أن هنالك خمسة من النجوم هم الأفضل على مر العصور، مونيوث ومورينو وبيديرنيرا ولابرونا ولوستاو"، هكذا أجاب العظيم ألفريدو دي ستيفانو حينما سئل عن أفضل اللاعبين عبر تاريخ كرة القدم. ووضع دي ستيفانو كامل تركيزه على نجوم ريفر بليت في عصره الذهبي، المجموعة التي قدمت أجمل كرة قدم ممكنة في فترة الخمسينيات من القرن العشرين.

وعرفوا باسم "لاماكينا" في دلالة على تناغم اللعب الأقرب إلى الآلات الموسيقية رفيعة المقام، وكانت هذه اللعبة أول فعل شعبي حقيقي داخل الأرجنتين، مع طريقة لعب أقرب إلى 2-3-5 مع أساسيات الكرة الشاملة، بوجود لاعب وسط قادر على العودة للخلف بين قلبي الدفاع بالتزامن مع عودة الظهير الأيمن، لتصبح الطريقة أقرب إلى 4-3-3، والفضل يعود إلى تحركات "لوستاو" بين الوسط والهجوم.

مع وجود ثلاثي هجومي متحرك في كل أرجاء الثلث الأخير، يدعمه واحد من أعظم صناع اللعب في تاريخ الأرجنتين، إنه مورينو الذي قال عنه مارادونا، "أنا خجول جداً لاختياري كأفضل أرجنتيني لعب كرة القدم، خجول لأنني جئت قبل المبدع مورينو!". وبسبب عبقرية أداء ريفر في تلك الفترة، زادت شعبية الكرة في كل أنحاء الأرجنتين، لتصبح فيما بعد اللعبة الأكثر حضوراً في جميع الأحياء، الفقيرة قبل الغنية.

الفوز أولاً
قلب ستوديانتس لا بلاتا الآية تماماً وعمل بالمثل الشهير اكسب قبل أن تلعب. لعب تجاري وإغلاق كامل لمنافذ الملعب، عدم الصعود للهجوم والاعتماد على أخطاء المنافس واستفزازه لإخراجه بعيداً عن جو المباراة. لاعب في الفريق الخصم قام بصدم شخص ما بسيارته دون قصد، يقوم الفريق بعمل مناوشات معه طوال المباراة ووصفه بالمجرم. وإذا مرضت بنت أحد لاعبي الفريق المنافس، يظل لاعبو ستوديانتس يذكرونه بالحادثة طيلة التسعين دقيقة.

فاز الفريق العنيف ببطولات عديدة، لكنه ترك صورة سلبية عن الكرة في الأرجنتين، خصوصاً أثناء مباريات الكؤوس الدولية ضد فرق أوروبا، بسبب رغبة اللاعبين الأرجنتين في تعمد أذى الأوروبيين، وإلحاق الإصابات بهم أثناء المباراة. لدرجة وجود مطالبات أوروبية بعدم اللعب أمامهم، بعد ما حدث أثناء مباراة ميلان، بالضرب الشديد الذي تعرض له الطليان أثناء المواجهة، حتى أطلقت الصحف الأوروبية على اللاعبين في الأرجنتين اسم "الحيوانات".

بعد الخسارة أمام فينورد في الكأس الدولية، تعالت أصوات الصحف الأرجنتينية مطالبة بالثورة على كرة ستوديانتس، ورغم أنف عبارات "الفوز أولاً" فإن الهزيمة أمام الأوروبيين عجّلت بضرورة العودة من جديد إلى جمال وسحر "لاماكينا"، وكان سيزار لويس مينوتي هو الحل.

البوهيمي الحالم




إلى أولئك الذين يقولون إن الفوز فقط هو المهم، من بين ثلاثين بطولة ممكنة، يجب أن نسأل أنفسنا في تسع وعشرين بطولة منهم، ماذا تركت للنادي الذي تعمل فيه، ماذا فعلت للاعبيك، ما هي القيمة المضافة التي قمت بها تجاه نجوم كرة القدم في جيلك. أنا ألعب من أجل الفوز، هو يلعب من أجل الفوز، كلنا لنا نفس التوجه، لكن أنا لا أفضل أبداً بين الفوز والناحية الجمالية فيه، أنا أسأل نفسي سؤالين، كيف تفوز؟ وكيف تلعب من أجل الفوز؟

هذه كانت الرسالة الأولى لسيزار لويس مينوتي بعد توليه رسمياً منصب المدير الفني للأرجنتين، ليضع نهاية كاملة لطريقة لعب ستوديانتس، ويبدأ عصر محاولة العودة إلى لا ماكوينا. مع طريقة لعب 4-3-3 بتواجد رباعي دفاعي، ثلاثي بالوسط بينهم لاعب ارتكاز دفاعي حقيقي، وصانع لعب متقدم، بالإضافة إلى ثالوث الهجوم الأخير. هي طريقة قريبة من أسلوب ريفر بليت، لكن مع أبجديات الكرة الحديثة، القائمة على التوازن بين الدفاع والهجوم.

فازت الأرجنتين بمونديال 78 تحت قيادة مينوتي، وبعيداً عن وجهات النظر الخاصة بوجود مؤامرة أم لا أثناء البطولة، بعد حكم الأرجنتين بواسطة ديكتاتور قوي جاء بانقلاب عسكري، فإن مينوتي وضع نفسه بعيداً تماماً عن كل تلك الأقاويل، بسبب فلسفته الخاصة بكرة القدم، والقائمة على اللعب الجمالي المميز قبل أي اعتبارات خاصة بالفوز أو الخسارة.

لذلك لا عجب بعد اعتزاله ومرور سنوات عديدة، أن يطلق عليه لقب "النحيل الذي غيّر مسار الكرة الأرجنتينية"، التي بدأت بعبقرية ريفربليت، وتحولت مع عنف لا بلاتا، وعادت مع سيزار لويس مينوتي، قبل وصول مارادونا وكارلوس بيلاردو، وكرة الثمانينيات في الحلقات القادمة.

اقرأ أيضا
الهرم المقلوب 11..الدفاع فن والطليان حتماً ملوكه!
الهرم المقلوب 10.. 4-4-2 أصلها سوفييتي
الهرم المقلوب 9.. أشهر رجل في إنجلترا
الهرم المقلوب8..اللعنة والابن الضال..كرة القدم تدخل البرازيل
الهرم المقلوب 7..المدرسة المجرية تفتح أبوابها في ويمبلي
الهرم المقلوب 6..حرارة كرة القدم تهزم تأثير الفودكا
الهرم المقلوب 5.. هوغو مايزل و"ميتودو" بوزو
الهرم المقلوب 3... من إنجلترا لأميركا اللاتينية..تطوّر الهرم التكتيكي
الهرم المقلوب 2...من المراوغات إلى"1-2-7".. بدايات تكوين الهرم التكتيكي
الهرم المقلوب 1... دليلك لفهم أسرار الساحرة المستديرة

دلالات