التجربة البرازيلية..كيف تُسقط فريقاً إلى القاع في 3 خطوات؟

التجربة البرازيلية..كيف تُسقط فريقاً إلى القاع في 3 خطوات؟

13 يونيو 2016
البرازيل سقطت من جديد (العربي الجديد)
+ الخط -

 

تقام منافسات كوبا أميركا ويورو 2016 في وقت واحد، وعلى الرغم من الاهتمام الإعلامي الكبير بالبطولة الأوروبية، إلا أن الكوبا مختلفة هذه المرة، بعد خروج الأوروغواي مبكراً، ولحاق البرازيل بها في مفاجأة مدوية، مع التألق غير العادي لميسي، صاحب الهاتريك الذي فضل الرد على دييغو مارادونا داخل الملعب فقط، لتؤكد البطولة اللاتينية أنها في القمة وداخل بؤرة الحدث دائماً، مهما كانت قوة البطولات الأخرى وبريق إعلامها الرياضي.

أساس اللعبة
يتحدث المدرب الإيطالي القدير، أريجو ساكي، أحد أعظم المدربين في القرن العشرين، في مقابلة سابقة مع الصحافي، باولو بانديني، بالغارديان، مؤكداً أهمية التخطيط في كرة القدم، ليس فقط على مستوى الفكر الكروي بل من الناحية الاستراتيجية طويلة الأجل، لأن أي فريق كبير يريد الاستمرارية، لذلك عليه وضع خطة مستقبلية للوقوف على كل التحديات التي ستواجهه في سبيل تحقيق مراده، والدليل على ذلك، أن الفرق الناجحة تبدأ بتفكير واستعداد متواصل من الممكن أن يأخذ عدة سنوات، لكن في النهاية ستجني الثمار المرجوة التي تنتظرها.

المشروع الرياضي هو الأساس، هناك فرق عظيمة وصلت إلى القمة بعد تخطيط مستمر، بينما في المقابل وقعت أجيال عملاقة في فخ الفشل، بسبب تفاصيل مرتبطة بطريقة اللعب وأسلوب الفكر المتبع للمدراء الكبار، وللتأكيد على صحة هذه النظرية، لا يوجد أفضل من المقارنة بين البرازيل وألمانيا، منتخب يخسر بالسبعة في المونديال ويخرج مبكراً من الكوبا، وآخر يفوز بالكأس العالمية، ويمضي بخطى ثابتة في اليورو.

الرغبة مهمة جداً لتحقيق النجاح، لكن وحدها لا تكفي، يجب أن يكون العمل من أجل خلق نظام قوي لتطوير اللعب الذي يشمل الجميع في الحالتين الدفاعية والهجومية. أن تكون فريقاً واحداً يتحرك ككتلة قريبة يعني أنك ستجري أقل وتبذل مجهوداً أخّف، العبرة ليست بالجري أكثر، بل بالجري بذكاء، وهذا هو الفارق باختصار شديد بين السيلساو والمانشافت بالسنوات الأخيرة.

ملوك اللعبة
من الممكن أن تفوز بمباراة لكن مع أداء سيء، وقتها ربما يكون هذا الانتصار خادعاً إذا واصلت بنفس الطريقة دون تعديلات، وتحقيق البطولة، أيضاً، أحياناً يقودك إلى مسارات خاطئة تدفع ثمنها غالياً في القادم، وهذا ما حدث بالنص مع الكرة البرازيلية، حينما حقق كارلوس ألبرتو بيريرا مونديال 1994، مع أداء دفاعي مبالغ فيه وطريقة لعب غير مفضلة لمختلف ميول الشعب البرازيلي. وقتها خرج المدرب قائلاً: "لقد فزنا بكأس العالم بعد غياب طويل، قل للمنتقدين، حققوا ما حققناه ثم تحدثوا معنا"!.

في بطولة 1982، فازت إيطاليا باللقب وخسرت البرازيل، بعد مرور أكثر من 30 سنة، من الممكن أن نعرف باولو روسي وآخرين، لكن من الصعب أن نتذكر كيف كانت طريقة لعبهم. في المقابل، يعرف ويحفظ ويعشق الجميع كلا من سقراط، زيكو، فالكاو، كريزو، إيدر، سيرجينيو، وبقية الأسماء، يحلم الكل باسترجاع السحر، ويعيش الجمهور على بريق الكرة الجميلة مع ملوك الكوبا كابانا، برازيل 1982.

وخطتهم الشهيرة، 4-2-2-2، أو التي عرفت بـ square midfield، إنه الرباعي صانع لعب الوسط، اثنان في الخلف كـ "ديب لاينج" فالكاو وكريزو، وثنائي في الأمام كـصناع لعب، سقراط وزيكو، مع ثنائي هجومي في الأمام. الكرة كانت تتناقل من الخلف إلى الأمام بطريقة سلسلة، متعة للناظرين، وإبداع لا حدود له.

خسارة الهوية
لعب بيريرا بمساعدة الخبير، ماريو زاجالو، بطريقة أقرب إلى 4-4-2 التي تتحول في الملعب إلى 4-2-2-2، ولكن بلمحة دفاعية واضحة ونظرة واقعية براغماتية غير قابلة للمس. تافاريل في الحراسة، أمامه الرباعي الدفاعي، من اليمين إلى اليسار، جورجينيو، ماريلو سانتوس، ألداير، ليوناردو. بينما في الوسط الرباعي الآخر، دونغا وماورو سيلفا في العمق، أمامهما مازينيو وزيزينيو، بينما في الهجوم كل من روماريو وبيبيتو. تمحورت فكرة ألبرتو بيريرا في جعل الفريق بأكمله يلعب لصالح الثنائي الهجومي، الكل يدافع بشكل رائع، ونجوم الصندوق ينهوا المباريات بقدرة كبيرة على تسجيل الأهداف.

خطة 4-2-2-2 تصبح في الحالات الدفاعية 5-2-1-2 أو 5-3-2 صريحة. ماورو سيلفا يعود بين قلبي الدفاع سانتوس وألداير، بينما يصبح خط الوسط مكّوناً من الثلاثي مازينيو وزيزينيو ودونغا كإرتكاز صريح متأخر. وبالتالي لعبت البرازيل بنظام دفاعي حقيقي طوال البطولة، الفريق لا يُبادر بل يعتمد على رد فعل نجومه في الخط الأمامي، ومع كل الانتقادات التي نالها المدرب والفريق إلا أن الفوز في إيطاليا بضربات الجزاء في النهائي قد وضع حداً فاصلاً لكل الشكوك والاتهامات.

لقد حصلنا على المونديال بعد أربعة وعشرين عاماً من الغياب، إنه إنجاز تاريخي للكرة البرازيلية. هكذا أكد المدير الفني لراقصي السامبا قبل أن يكمل حديثه ويعترف بأنه لم يهاجم كثيراً ولم يلعب بنفس متعة وجاذبية الأجيال السابقة، لكنه في نهاية المطاف، حقّق البطولة الكبيرة، نال اللقب لكن مع خسارة الهوية البرازيلية المعروفة على مر التاريخ.

سكولاري ودونغا
لا فرق كبيراً بين سكولاري ودونغا، الثنائي يميل بشدة إلى الجانب الفردي، ولا يفضل اللعب الجماعي الهجومي الصريح، ويتجه أكثر إلى استغلال المهارات مع حمايتها بأكثر من حائط دفاعي. فعلها لويس فيليبي في مونديال 2002، وحقق كأس العالم مع الثلاثي الرهيب، رونالدينيو وريفالدو ورونالدو، مع خطة قريبة من 3-5-2 تنقلب إلى 5-2-3 في الحالات الدفاعية، وكأن هناك 7 لاعبين يدافعون، و3 فقط في الثلث الهجومي الأخير.

نجحت خلطة سكولاري في 2002، لكنها فشلت بامتياز في 2014، لأن النجوم الكبار اعتزلوا، منذ سنوات، ولم يعد هناك غير نيمار، اللاعب الموهوب الشاب الذي لا يقدر على حمل الفريق بمفرده، وبالتالي خسرت البرازيل أمام الألمان بالسبعة، في مباراة قلبت قوانين اللعبة، وأكدت صحة النظرية الأوروبية في محاولة الاستفادة من مختلف الثقافات الكروية، والميل إلى اللعب الجماعي والقدرة على استخدام عدة تكتيكات، من الضغط إلى البناء من الخلف مروراً بالمرتدات الخاطفة في نصف ملعب المنافس.

رحل سكولاري وجاء دونغا كبديل، خطوة لم تضف كثيراً بل عادت بالبرازيل أكثر إلى الوراء، لأن المدرب الجديد القديم لا يملك أفكاراً خططية عديدة، مع افتقاد الفريق إلى مواهب جديدة، يبقى نيمار فقط هو عامل الخطورة الأوحد، وبعد غيابه عن المشاركة في الكوبا، أصبحت البرازيل مثلها مثل أي فريق آخر، بعيداً عن مصاف الكبار.

فقدت البرازيل هويتها مع بيريرا، واتجهت بشدة إلى الجانب الفردي والاهتمام فقط بالفوز مع سكولاري، ثم جاء دونغا الواقعي البراغماتي، ضعيف الابتكار وقليل الحيلة، ليتحول المنتخب الأعظم تاريخياً إلى نسخة رديئة وسلبية، لا يختلف مع الصغار بل يتفق معهم بقدر عدم تشابهه مع أباطرة الفترة الحالية، ليكون الإقصاء الأخير من كوبا أميركا -وإن كان بهدف غير شرعي- بمثابة جرس الإنذار الأخير للقائمين على الكرة في البرازيل، إما العودة نحو الأصول أو استمرار السقوط إلى الهاوية!

المساهمون