خدعوك فقالوا.. مصر مع كوبر تقدم أداء تكتيكياً رائعاً​

خدعوك فقالوا.. مصر مع كوبر تقدم أداء تكتيكياً رائعاً​

14 نوفمبر 2016
فوز مصر على غانا وتكتيك كوبر (Getty)
+ الخط -


لا أصدق نفسي، هل حقا لن نرى هذا الفريق مرة أخرى على نفس الملعب في كأس العالم؟ أخبروني أن هناك شيء خطأ أو هناك خدعة ما بالموضوع. مستحيل ألا نشاهد هذا المنتخب الرائع في المونديال! بهذه الكلمات التي تندرج تحت مسمى علامات التعجب بدأ الصحافي الإنكليزي بارني روناي تعليقه، خلال تحليله بطولة القارات 2010، وبالتحديد مباراة مصر وإيطاليا التي فاز فيها الفراعنة بهدف، بعد أيام قليلة من العرض الملحمي أمام البرازيل في الافتتاحية والهزيمة بنتيجة 3-4 في الدقيقة الأخيرة.

هل حقا الكرة عادلة!؟ يمكن أن تقدم تسعين دقيقة مثالية لكن بسبب هفوة دفاعية قاتلة، لاعب سدد الكرة في مرماه بالعكس، مدافع لمس الكرة بيده بدل أن يسددها برأسه، ومهاجم أضاع هدفا سهلا والمرمى خال، كل هذه الأمور تؤدي إلى خسارة، لكنك في المجمل قدمت عرضا تكتيكيا محكما. النتائج لا تُناقش، فقط العملية والطريقة هما المعيار.

يحكم معظم الجمهور فقط على النهاية، بمعنى تعظيم وتبجيل النهايات السعيدة، وبكل تأكيد يتم مهاجمة كل ما انتهى بشكل سيئ، إنها أحكام الأغلبية التي نست أو تناست بفعل فاعل ما قدمه واحد من أعظم أجيال القارة السمراء، مصر 2006 حتى 2010، فقط لأنهم لم يصلوا لجنوب أفريقيا، وهم أيضا من سيضعون أو وضعوا بقوة الأمر الواقع منتخب مصر الحالي بقيادة هيكتور كوبر في القمة، ليس بسبب أدائه أو شخصيته أو طريقة وصوله للنقاط، بل فقط لأنه يعرف كيف يفوز حتى هذه اللحظة في التصفيات، إنها مقدمة لا بد منها لكي تقودنا نحو باب الدخول إلى مباراة مصر وغانا.

طريقة اللعب
لعب المنتخب المصري بطريقة لعب كوبر المفضلة 4-2-3-1، رباعي دفاعي صريح، أمامه ثنائي محوري ثم ثلاثي هجومي خلف المهاجم الوحيد. واعتمد الأرجنتيني على طارق حامد ومحمد النني في منطقة الارتكاز، ولم توفر هذه الثنائية أي جديد على مستوى بناء اللعب من الخلف، لأن الأظهرة لا تتقدم أبدا وتقف على خط واحد مع قلبي الدفاع، بينما يتحرك لاعبا المحور بشكل شبه ثابت إلى الأمام أو بالعرض.

يصعد النني كثيرا إلى منتصف الملعب. يهرب طارق حامد بالقرب منه، نظرا لأنه لاعب دفاعي بحت يقطع كرات أكثر ما يستلمها، وبالتالي زادت المسافة بين الدفاع وخط الوسط، خصوصا أن مصر تلعب بدفاع متأخر، بينما يتقدم لاعبو الارتكاز لعدم قدرتهم على اللعب تحت ضغط، مما جعل أسلوب اللعب عبارة عن كرات طولية وتمريرات عشوائية تجاه نصف ملعب غانا.

عبد الله السعيد نفسه لم يكن أفضل حالا، صانع اللعب المصري كلاسيكي بامتياز، يفضل الاكتفاء بالهجوم أو العودة إلى المنتصف للاستلام بعيدا عن الضغط، هو يملك رؤية قوية، لكنه لا يجيد المراوغة أو اللعب 1 ضد 1. غير أنه مع المنتخب بالأخص في الشوط الأول، لا يجد أي رقعة للتحرك إلى الخلف، هناك النني الذي يتحرك عرضيا، ليشعر المشاهد وكأن التنافر هو الأساس.

فالسعيد لا يقدر على التحول إلى الأطراف بسبب بقاء الأجنحة على الخط لمساندة الأظهرة، ولا يستلم من دائرة المنتصف لتمركز النني خلفه مباشرة، بالتالي يحصل على الكرة في المركز 10، بالقرب من دفاع غانا ولاعب ارتكازه، ومع بطء مسجل الهدف الثاني، أصبحت فكرة احتفاظه بالكرة شبه مستحيلة.

الضغط السلبي
إذا أردت الضغط على منافسك عليك اللعب بدفاع متقدم، هذه هي القاعدة الأولى لما يعرف بلعبة الضغط. وفي حالة منتخب مصر، من الصعب فعليا القيام بذلك، لذلك لجأ كوبر بمنطقية إلى الدفاع المتأخر، وأغلق كافة الطرق أمام مرماه بالتحول إلى ما يشبه 4-4-2 Flat على طريقة أتليتكو مدريد من دون الكرة، بعودة صلاح وتريزيغيه إلى المنتصف، واقتراب باسم مرسي من السعيد.

وبالعودة إلى مجريات اللعب، سنجد أن هذا القرار كان صحيحا على الورق، لكنه سلبي إلى حد كبير على مستوى التنفيذ، لأن أصحاب الأرض لم يضغطوا أبدا على الفريق الغاني، بل تحول الضغط إلى شيء من "التحليق"، أي الركض فقط وراء الكرة والعودة المستمرة إلى الخلف، لدرجة أن الهدف الأول جاء فقط عندما ضغط لاعبو مصر على وسط غانا، ليتم قطع الكرة ويخترق تريزيغيه ليحصل على ضربة جزاء.

الدفاع لم يكن في قمة عظمته بالشوط الأول كما قيل، صحيح أن الحضري حافظ على شباكه نظيفة، لكن طريقة الدفاع نفسها عانت من هفوات واضحة، خصوصا في الفراغ بين خط الدفاع ومنطقة الوسط نتيجة التقدم المبالغ فيه من النني، وعدم قيام السعيد بالضغط الكافي على حامل الكرة، مما جعل الخط مفتوحا بين بارتي-واكاسو وأندريا أيو، من خلال تمريرات عمودية من الوسط إلى الثلث الهجومي الأخير.

كذلك عدم قيام صلاح بالواجب الدفاعي واعتماده على النني في التغطية، تسبب أيضا في زيادة المساحات بينه وبين الظهير عبد الشافي، مما أثر بالسلب على دفاع المنتخب، ليستلم أتسو كرات عديدة في مناطق خطيرة بنصف ملعب منتخب مصر، لتكون نتيجة عدم استقبال هدف جيدة فقط في لوحة المباراة لا داخل الملعب.

صفر الصعود
بكل تأكيد لم يقدم منتخب مصر مباراة كارثية، لكنها أيضا ليست عظيمة بسبب النتيجة فقط، ويُحسب للجهاز الفني بقيادة هيكتور تسجيل الفريق لهدفين والوصول إلى النقطة السادسة بعد مباراتين، نتيجة استغلال أخطاء المنافس واللعب على تقاليد الكرة الأفريقية على مر التاريخ.

يعرف المتابع الجيد للكرة في القارة السمراء أن معظم منتخبات غرب أفريقيا تعاني من هفوات الدفاع، لذلك الهدف في مرماهم قادم لا محالة، حتى حينما فازت غانا بالستة في 2013، حصل المصريون على ضربة جزاء وسجلوا هدف، بالضبط مثل ما حدث في ملعب برج العرب، بعد أول هجمة سريعة من الطرف الأيسر، ارتكب الدفاع الغاني مخالفة ساذجة، وسجل صلاح هدف التقدم.

ونجح كوبر أيضا في الشوط الثاني بعد الرهان على رمضان صبحي وخروج مرسي، لتتحول الطريقة إلى 4-6-0 دون مهاجم صريح، بالطبع لا يوجد ضغط على حامل الكرة من غانا، لكن المساحات على الطرف قلت بسبب وجود صبحي وتريزيغيه على مقربة من الأظهرة، وندرت الفرص في العمق نتيجة عودة النني إلى أمام منطقة الجزاء تقريبا وحصول السعيد على مركزه في الوسط المتقدم.

إلا أن منتخب غانا وصل في بعض المحاولات خلال آخر 45 دقيقة، مع فشل مصري غير مبرر في الخروج بالكرة إلى نصف الملعب الآخر، نتيجة عدد لا بأس به من التمريرات العشوائية والكرات الطولية المتوقعة، لتختلف الحسابات بعض الشيء مع عدم وجود مهاجم قوي في صفوف غانا، حيث أن جوردان أيو أقل بمراحل من أسامواه جيان كإسم سابق.

حقق الفراعنة في النهاية الفوز وسجلوا هدفين، لكن من دون وجود شخصية حقيقية لبطل يهدف إلى التفوق في الأداء مع النتيجة. وفي حالة المواصلة على هذا النسق، من الممكن الاستمرار في الانتصار وخطف بطاقة الصعود إلى روسيا 2018، لكنهم سيمرون في النهاية مثلهم مثل غيرهم، مجرد ضيوف يكتفون بنيل كلمة لا محل لها من الإعراب، صفر الخروج.



دلالات

المساهمون