المال السعودي يتغلغل في الإعلام البريطاني

المال السعودي يتغلغل في الإعلام البريطاني

22 أكتوبر 2018
تظاهرة ضد زيارة محمد بن سلمان إلى لندن(كريسشن بوس)
+ الخط -
تحولت لندن إلى مركز للعلاقات العامة وحملات التأثير الإعلامية الخاصة بالمملكة العربية السعودية، وحصلت الشركات البريطانية على ملايين الجنيهات مقابل الجهود الرامية إلى تحسين صورة المملكة وحلفائها الإقليميين في السنوات الأخيرة. لكن سمعة المملكة العربية السعودية، المثيرة للجدل دائماً بسبب سجلّها في حقوق الإنسان والمشاركة في الحرب اليمنية المستمرة، قد تعرضت لضربة قاتلة في الأسبوعين الماضيين، بعد اغتيال الصحافي جمال خاشقجي، في قنصليتها في مدينة إسطنبول التركية.

وسلطت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية الضوء على هذه المؤسسات، وكشفت أنّ وكالة العلاقات العامة الرئيسية "فرويد" Freud التي عملت مع المملكة العربية السعودية تحاول الآن النأي بنفسها عنها. كما أثارت مخاوف جديدة بشأن قرار صحيفة "ذي إندبندنت" The Independent إقامة شراكة مع ناشر سعودي على علاقة وثيقة بالحكومة السعودية.

وبينت الصحيفة أيضاً أن مكتب مجلة "فايس" Vice في لندن كان يعمل على سلسلة من الأفلام للترويج للمملكة العربية السعودية. وتبرعت شركة نشر سعودية توقّع شراكات مع شركات إعلامية غربية، لـ "معهد توني بلير للتغيير العالمي"Tony Blair Institute for Global Change مقابل تقديم مشورته للبلاد. كذلك قدمت الشركة التي يعمل فيها موظفون سابقون في شركة العلاقات العامة المنهارة "بيل بوتينغر" Bell Pottinger المشورة للدولة السعودية حول استراتيجية الاتصالات.



هرعت العديد من مجموعات الإعلانات والعلاقات العامة إلى المملكة، خلال فترة صعود ولي العهد محمد بن سلمان، إلى السلطة، علماً أن لديها علاقات طويلة الأمد مع البلاد. لكن اختفاء خاشقجي أولاً، والإعلان عن قتله ثانياً، أديا إلى تقويض محاولات بن سلمان الأخيرة تحسين صورة البلاد.

وتشمل الشركات المعنية أيضاً "لندن بي آر كومباني كونسلم" London PR Company Consulum التي يعمل فيها موظّفون سابقون من "بيل بوتينغر" التي عملت على برامج الاتصالات مع الحكومة السعودية. ومن الشركاء في الشركة، ريان كوتزي، مستشار نيك كليج السابق، الذي كان كبير الاستراتيجيين في الحملة المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي خلال فترة الاستفتاء.

ودعمت "فرويد" التي أسّسها ماثيو فرويد، العلاقات العامة لإطلاق "رؤية 2030" للمملكة، في ظل حكم بن سلمان في عام 2016. وأكد متحدث باسم الشركة أنها لا تعمل حالياً مع المملكة العربية السعودية، وفقاً لـ "ذا غارديان".



ووفقاً لمصادر "غارديان"، روّجت مجموعة "سي تي غروب" CT Group التي أسّسها المحلّل السياسي في حزب المحافظين لينتون كروسبي، مقالات المعارض القطري خالد الهيل، في الإعلام البريطاني، في إطار تلميع استهدافها دولة قطر، بعدما قادت الأخيرة مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين ومصر حصاراً ضدها، في يونيو/حزيران عام 2017.

ومن بين الشركات الأخرى التي تعمل في مجال العلاقات العامة في لندن التي أكدت أنها تولت العمل مع الحكومة السعودية في الأشهر الأخيرة: "بايجفيلد غلوبال كاونسل" Pagefield Global Counsel التي أكدت لـ "غارديان" قطع علاقاتها بالسعودية.

وقالت مصادر في "فايس" إنّ الشركة لديها فريق يعمل على مواد تروّج للمملكة العربية السعودية، بالاشتراك مع مجموعة النشر السعودية "إس آر إم جي" SRMG التي تربطها علاقات وثيقة بوزارة الإعلام السعودية. والتقى بن سلمان بمؤسس "فايس"، شاين سميث، في وقت سابق من هذا العام، خلال جولته في الولايات المتحدة الأميركية.

وفي هذا السياق، جذب مقطع فيديو أنتجته "فايس"، ملايين المشاهدات على موقع "يوتيوب"، وهو يروّج للسياحة لمهرجان الجمل في المملكة العربية السعودية. ويشير الفيديو في نهايته إلى أنّه تمّ إنتاجه بالشراكة مع SRMG. وأكدت "فايس" أنها تتمتّع بالسيطرة الكاملة على المواد، لكن الصفقة الآن قيد المراجعة، وفقاً لـ "ذا غارديان".



وفي مارس/آذار من هذا العام، نشرت صحف بريطانية عدة، وبينها "ذا غارديان" نفسها، إعلانات تروج لأجندة الإصلاح الخاصة بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.

وغالباً ما ينظر إلى SRMG التي أصبح رئيسها السابق بدر بن عبد الله بن محمد بن فرحان آل سعود، أخيراً وزيراً للثقافة في المملكة العربية السعودية المسؤول عن الترويج لبرنامج التحديث السعودي، على أنها وسيلة للقوة السعودية الناعمة في المملكة المتحدة. وإضافة إلى مصالحها في مجال النشر، فإنها تتبرع إلى معهد "توني بلير للتغيير العالمي"، مقابل دعم رئيس الوزراء البريطاني السابق في برنامج التحديث السعودي.

وكان الأمير بدر بن عبد الله قد تصدر عناوين الأخبار العربية والعالمية، بعدما اشترى لوحة "مخلّص العالم" لليوناردو دافينشي بـ 450 مليون دولار أميركي، نيابة عن ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، وفق تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، في ديسمبر/كانون الأول الماضي.

كما أن رجل الأعمال السعودي، سلطان محمد أبو الجدايل، الذي يشتهر بإدارة أموال الأسرة الحاكمة السعودية في الخارج تحت اسمه، قد اشترى 30 في المائة من أسهم "إندبندنت"، علماً أنه لم يظهر اهتماماً إزاء الاستثمار في الإعلام البريطاني قبل ذلك.

وتعليقاً على تكهنات حول استثمار سعوديين في صحيفة "ذا تيليغراف" البريطانية العريقة، أصر متحدث رسمي باسمها على أن الصحيفة ليست للبيع، وأن الأسئلة حول أي شراء ينبغي أن توجّه إلى السعوديين للإجابة عليها، في حديثه لـ "ذا غارديان".

وقالت رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "مركز تشاتام هاوس للأبحاث"، لينا خطيب، إن المملكة شرعت في "حملة واسعة النطاق للعلاقات العامة تركز على المملكة المتحدة والولايات المتحدة"، على مدى العامين الماضيين صعود محمد بن سلمان.

وأضافت الخطيب أن البلاد اختارت الاستثمار في محتوى اللغة الإنكليزية واستهداف جمهور بريطاني محلي، بمساعدة من حكومة تيريزا ماي التي "أعطت السعودية شعورًا بأن لها اليد العليا في هذه العلاقة" مع استمرار المملكة المتحدة في بيع السلاح إلى المملكة العربية السعودية أثناء الحرب في اليمن، في حديثها لـ "ذا غارديان".

ولفتت الخطيب إلى أن المملكة العربية السعودية حريصة على تحسين صورتها في الخارج، بيد أنّ هذه الأعمال لم تكتمل بسبب الأحداث الأخيرة. وأفادت بأنّ المملكة العربية السعودية ناقشت تأسيس مركز أبحاث مؤيد لها في لندن، بعد أن أسست وجودًا مشابهًا في الولايات المتحدة من خلال منظمات مثل مؤسسة "العربية".

وأشارت رئيسة برنامج الشرق الأوسط وأفريقيا إلى أنه مع اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، شهدت المملكة العربية السعودية فرصة لزيادة العلاقة التجارية والاستثمارية، إذ بدأت المملكة المتحدة بالبحث عن بدائل للسوق الأوروبية الموحدة.

وامتدت الجهود السعودية إلى وستمنستر، حيث تلقى العشرات من نواب "حزب العمل" والمحافظين رحلات مجانية تزيد قيمتها عن 200 ألف جنيه إسترليني إلى المملكة العربية السعودية، في السنوات الثلاث الماضية، مع رحلة نموذجيّة تكلف أكثر من 8 آلاف جنيه إسترليني.

وحصل عضو البرلمان المحافظ، رحمان شيستي، على 46 ألف جنيه إسترليني لتقديم المشورة إلى "مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية"، على مدى عامين، حتى استقال من منصبه في يناير/كانون الثاني.