نقابة المحررين اللبنانيين: كيف نُشفى من حبّ المصارف؟

نقابة المحررين اللبنانيين: كيف نُشفى من حبّ المصارف؟

31 يناير 2020
سليم صفير متوسطاً النقابيين (موقع نقابة محرري الصحافة اللبنانية)
+ الخط -
كان يمكن لنقيب محرري الصحافة اللبنانية جوزيف القصيفي أن يبقى غير مرئيّ، تماماً كما فعل منذ انطلقت الانتفاضة في لبنان، في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. كان يمكن له أن يجلس في مكتبه في نقابة المحررين، ويصدر بيانات الإدانة (المتأخرة جداً) الرافضة للتعرض للصحافيين والمصورين أثناء تغطيتهم للاحتجاجات الشعبية. لم يُنتظر يوماً من القصيفي أو من نقابة المحررين كاملة أكثر من ذلك، منذ عقود. نقابة صورية تحافظ على سمعة الإعلام اللبناني. كيانٌ نقابيٌّ مهترئ، تحكمه وتديره مجموعة قديمة من الصحافيين الملتفين حول بعضهم البعض وحول مصالحهم. كان ذلك ممكناً. 

لكن النقابة اختارت غير ذلك. نقابة بطولها وعرضها، انتدبت 4 من أعضائها المحظيين (بينهم النقيب) لاستقبال رئيس جمعية المصارف سليم صفير. أخبرنا صفير، إثر هذا اللقاء، عن استقرار سعر صرف الليرة، وطمأن اللبنانيين على ودائعهم البنكية... وغيرها من مفردات الخطاب المصرفي السائد منذ بداية الثورة. لا يهمّ ما قاله صفير، ولا أن منبر وفضاء النقابة فتح لتبرير سياسات النهب المنظّم التي مارستها المصارف والسلطة عبر عقود. المهم كان اللقاء نفسه. والمهم أيضاً تلك الصورة لرباعي النقابة (جوزيف القصيفي، وجورج شاهين، ونافذ قواص، وعلي يوسف) مبتسمين، يتوسطهم صفير بابتسامة أكبر.

تلتصق نقابة المحررين اللبنانيين، وهي الكيان الذي يضمّ العاملين في الصحافة، بالدور المنوط بها منذ انتهاء الحرب الأهلية. حوّلها النقيب الراحل (وقد ظنّ كثيرون أنه أبديّ) ملحم كرم (1934 ـ 2010) إلى محمية خاصة. لا يعرف أحدٌ من الصحافيين كيف ينتسب إليها: متى تفتح جداول الانتساب، ومتى تقفل؟ أين تذهب المساعدات التي تتلقاها النقابة واشتراكات الأعضاء؟ ما هي معايير قبول ملف هذا الصحافي أو ذاك، وما هي معايير رفض انضمامه للنقابة؟ ما هي الامتيازات التي يحصل عليها المحرر؟ لا شيء. غموض تامّ. سياسة أرساها كرم، وحافظ عليها النقيبان اللذان خلفاه، أي إلياس عون، ثمّ جوزيف القصيفي.

تمرّ عبر النقابة سلسلة من العلاقات غير المفهومة، والتي تتداخل فيها السياسة بالمال والمصارف. يؤمّن هذا الكيان، المفترض أنه عمالي ــ إعلامي، غطاءً تلقائياً لبناء العلاقات السياسية والاقتصادية مع الجهات النافذة في لبنان. فنتابع مثلاً على موقع النقابة نشاط النقيب والأعضاء، من لقاء سفير الإمارات، إلى اللقاء مع المستشار السياسي في سفارة بلغاريا، ثمّ  رئيس جمعية المصارف. وبين مجموعة الأخبار، بعض النشاطات الصحافية كلقاء وفد صحافي فلسطيني، وإطلاق مرصد الانتهاكات بحق الصحافيين (يقفل أيام العطل الرسمية). 

سريعاً إذاً، في ثلاثة أشهر، انتقلت نقابة المحررين من موقف الصمت المطبق إلى الانحياز. تنضم إلى قائمة الكيانات والأجهزة المدافعة عن المصارف وسياساتها بوجه غضب اللبنانيين. تقف جنباً إلى جنب مع شقيقتها الكبرى، نقابة الصحافة (أصحاب الصحف) التي اعتبرت، على لسان رئيسها عوني الكعكي قبل أيام، أنّ "التعرض للمصارف اللبنانية جريمة وطنية موصوفة". لكن عوني الكعكي في نهاية المطاف، نقيب لأصحاب الصحف والمطبوعات. نقيب لمؤسسات أسست أغلبها واستمرت بفضل المال السياسي والمصرفي. لذلك تملأ تاريخه النقابي والصحافي عشرات التصريحات المدافعة عن المصارف والأثرياء، والطبقة السياسية. وله بالمناسبة تصريح شهير عام 2016، اعتبر فيه أن "القطاع المصرفي في لبنان مستهدف من قبل العدو الصهيوني".

على كل حال. لا فرق اليوم بين نقابة الصحافة ونقابة المحررين. يُترك الصحافيون اللبنانيون وحدهم في ساحات العمل. يصابون، ويجرحون، ويغمى عليهم، وتكسّر معداتهم. يتعرضون لتهديدات إلكترونية وأخرى مباشرة، خصوصاً هؤلاء المنحازين إلى الثورة وأهلها. يتجمعون ويلتفون لتشكيل كيان نقابي بديل، يرفع شعاراته وهتافاته في التظاهرات. صحافيون شباب، وآخرون أكبر سنّاً، لم يجدوا يوماً منذ عشرات السنين من يدافع عنهم ويحميهم. لم يجدوا من يقف في وجه طردهم التعسفي، ولا الاقتطاع من رواتبهم، ولا سحب بعض مكتسباتهم الوظيفية البسيطة.
يقف صحافيون لبنانيون اليوم على أبواب المصارف، يتسولون رواتبهم، ولا يحصلون إلا على أجزاء ضئيلة منها، ويكمل زملاء آخرون لهم حياتهم بنصف راتب أو بلا رواتب إطلاقاً. أما النقيب وحاشيته، فتتّسع ابتسامتهم إلى جانب سليم صفير، لتبتلع المشهد كله.  







دلالات

المساهمون