"فرونت لاين": السعودية كما يريد الغرب رؤيتها

"فرونت لاين": السعودية كما يريد الغرب رؤيتها

01 ابريل 2016
انتقدت لجين الهذلول الفيلم رغم مشاركتها فيه (يوتيوب)
+ الخط -
يدعي فيلم "فرونت لاين"، والذي بث أخيراً، بأنه يقدم صورة "غير مرئية من قبل" أو "لم تتم تغطيتها من قبل" للمملكة العربية السعودية، لكن مشاهدة الفيلم للوهلة الأولى تجعله فيلماً صادماً في ابتذاله وعاديته، لأنه لا يسلط الضوء حقيقة على جانب آخر متوارٍ للسعودية كدولة، لم يُطرح من قبل في الإعلام الغربي، لكنه يرسخ الصورة النمطية (الستيريوتايب) الغربية عن المملكة، أي أنه يعيد إنتاج أكثر الصور انتشارًا عن السعودية من جديد، من دون أي إضافة، وبصورة تخلو من الاحترافية أيضًا.

الفيلم الموجه إلى المشاهد الغربي، أراد أن يرضي مخيّلته، فيُبرز له ما يتوقعه تمامًا، وما هو متداول عن السعودية في الإعلامين الأميركي والبريطاني تحديدًا. بدا ذلك من خلال "التهويل" في قضية الصعوبات التي واجهها مصور الفيلم، واللقطات المرتجفة المأخوذة بالكاميرا، وليس انتهاءً بالمعلومات التي يركز عليها الفيلم، والقضايا الحقوقية المطروحة، والتي لم تخرج عن اضطهاد النساء، والإعدامات، والتمييز الديني، بالإضافة إلى الفقر، للّعب على مفارقة ثروات النفط الهائلة، ووجود أحياء فقيرة ومهمشة.

الفيلم حاول التحدث عن "القائمة الذهبية" للمنظمات الحقوقية الغربية، والقضايا الأكثر تداولاً في الإعلام الغربي، بما يناقض بشكل رئيسي، غرض الفيلم الذي يدّعيه، وهو تناول جوانب جديدة ومتوارية. كما أنّه طرح هذه القضايا، بطريقة استعراضية، على عكس عمل بعض المؤسسات المهتمة بحقوق الإنسان، والتي تطرح هذه القضايا بشكل أكثر رصانة، وأقل تحيّزًا، بصورة عامة.

ثلاث نقاط رئيسية في الفيلم، يريد القائمون عليه ترسيخها: تشبيه السعودية بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، من خلال الحديث عن طريقة التعامل مع المرأة، والإعدامات. النقطة الثانية، إبراز الدعم الغربي، خاصة البريطاني، للسعودية، لانتقاد السياسيين البريطانيين. وأخيرًا، اتهام السعودية بتمويل الإرهاب، للادعاء أن السعودية "عدو للغرب"، بينما تقوم الدول الغربية بتجاهل هذا العداء من أجل النفط.


المقولات الثلاث هذه التي يريد الفيلم إيصالها إلى المشاهد، تمت صياغتها بحيث تمثل حرجًا سياسيًا للحكومات الغربية، خاصة البريطانية، وبصورة مبتذلة أحيانًا، كمشهد تصوير أحد العسكريين وهو يتحدث عن التدريبات التي تتلقاها الشرطة السعودية في بريطانيا، والولايات المتحدة، وكأنها أمر اكتشفه القائمون على الفيلم مصادفة، بسبب تخفّيهم واحترافيتهم الصحافية، بينما يتم الإعلان رسميًا عن تلك التدريبات، والتعاون الأمني والعسكري بين السعودية من جهة، وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى، من خلال الصحف، ووكالات الأنباء، ويتم نشر هذا التعاون على الملأ خلال المؤتمرات الصحافية للمسؤولين في هذه البلدان. فلا حاجة للدخول بكاميرا خفية، والتصوير مع مسؤولين أمنيين بشكل رديء، لإثبات أنّ هناك تعاوناً أمنياً بين السعودية وأميركا وبريطانيا، وهو الأمر الذي تعلن عنه هذه الدول عبر المتحدثين الرسميين باسمها، بصورة مستمرة، بل يتم الافتخار بهذا الأمر، الذي يحاول صانعو الفيلم تصويره، وكأنه "الكشف" الذي وقعوا عليه، بعد معاناة.

وهناك صبغة رئيسية في كل الفيلم، وهي التهويل والمبالغة في مسألة أن الفيلم "يكشف ما لم يتم الحديث عنه من قبل" بينما كل ما يقوم به، هو إعادة إنتاج لما هو منتشر، بل ما يعتبر "صورة نمطية" أو "ستريوتايب".

ففي جزء محاولة ربط منتجي الفيلم بين السعودية والإرهاب، يعمد الفيلم للحديث عن دعم السعودية للمسلمين في سراييفو، باعتباره كان دعمًا للقاعدة، ويحاول أن يطرح شهادات لم تقدم إعلاميًا من قبل حول الموضوع، بينما في الواقع كل هذه القضايا مطروحة إعلاميًا حد الابتذال منذ 11 سبتمبر، وتحدثت عنها الحكومة السعودية والأميركية بشكل رسمي، حيث إن الرقابة السعودية على أموال التبرعات زادت بعد التقارير التي تحدثت عن تسرب هذه الأموال لمنظمات إرهابية، وحدث تعاون دولي واسع لمعالجة هذا الأمر، ولعبت السعودية دورًا محوريًا في الرقابة على المؤسسات الخيرية الأهلية وشبه الحكومية والأموال الحكومية أيضًا. فمحاولة منتجي الفيلم إظهار هذه النقطة وكأنها الحقيقة الغائبة التي اكتشفوها من خلال الحصول على تسجيلات فيديو سرية، لا يتجاوز كونه جزءا من الصورة التهويلية التي يحاول الفيلم ترسيخها، حتى لو كان يتحدث عن معلومات بدهية متداولة صحافيًا أو يطرح قضايا هي من الانتشار إلى حد لم يعد يجهلها أحد.

من ضمن التهويل الذي يعمد إليه الفيلم، الادعاء بأن أي انتقاد لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو ما يُطلق عليها في الإعلام الغربي "الشرطة الدينية" سيؤدي بصاحبة إلى السجن، وأن هذا جزء من جو "الاضطهاد والرعب" السائد في الدول. وهو الأمر الذي يعرف أبسط المتابعين للإعلام السعودي الرسمي، وهنا نتحدث عن الإعلام الخاضع للرقابة الحكومية، بأنه عار عن الصحة تمامًا. فلا يبدو أن هناك جهازا حكوميا تم انتقاده إعلاميا في السعودية، وفي الصحف الرسمية، كما تم انتقاد "جهاز الهيئة". إلى حد أن التيار المحافظ في السعودية، المدافع عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعتقد أن هناك "مؤامرة" حاكها إعلاميون وصحافيون سعوديون "ليبراليون" تتلخص في استهداف الهيئة وإسقاطها إعلاميًا واجتماعيًا.


وكل الصور التي بثها الفيلم، ويعتبرها "اكتشافا لما لم يطرح من قبل" عن اعتداءات رجال الهيئة "أو الشرطة الدينية كما يسميها الغربيون" تم تصويرها من قبل مواطنين سعوديين، والحديث عنها بطريقة نقدية في وسائل التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر"، كما تمت الكتابة عنها في الصحف "الرسمية" السعودية. وفي بعض الحالات، اتخذت إجراءات حكومية ضد تجاوزات رجال الهيئة، كما حدث في حادثة ضرب امرأة في الشارع، أو ما عُرف إعلامياً بحادثة "فتاة النخيل مول" قبل أشهر.

وهذا لا يعني أن الصورة وردية تمامًا، فقد حدث في بعض الحالات أنه تم منع كتّاب في الصحف الرسمية عن الكتابة بسبب انتقادهم الهيئة، لكن لم تكن هذه الحالات شائعة، بل محدودة، وإلا فالشائع في الإعلام السعودي، وما يفعله السعوديون في وسائل التواصل الاجتماعي، أن انتقاد الهيئة واسع النطاق، ويكاد يفعله الجميع من دون خوف، على عكس ما يحاول الفيلم ترويجه.

يعود الفيلم للحديث عما هو مبتذل في الإعلام الغربي، مثل الحديث عن مسؤولية المناهج الدينية في السعودية عن الإرهاب، ونشرها التطرف والكراهية الدينية. وهو الأمر الذي خضع للنقاش على مدى 15 سنة مضت، ومرة أخرى عبر الصحف الرسمية، ومواقع التواصل الاجتماعي، منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، ووجود 15 سعوديا من بين الـ 19 شخصا المنفذين للهجوم. بل تمت مناقشة علاقة المناهج الدراسية بالتطرف والإرهاب برعاية حكومية، تحت مظلة مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وتم العمل فعلا على إجراء تغييرات على المناهج الدراسية، خاصة الديني منها، وما زال النقاش دائرا حتى اللحظة، باعتبار أن هناك من يرى أن الإجراءات الحكومية المتخذة لا تكفي، وأن المناهج الدينية ما زالت بحاجة إلى تعديلات، لترسخ مبادئ المواطنة والتعايش وتساهم في تعزيز السلم الأهلي.

من أبرز الانتقادات التي وُجّهت إلى الفيلم، ما كتبته الناشطة السعودية، لجين الهذلول، وهي إحدى المشاركات فيه، والتي التقت بمعدّيه، وقاموا بالتصوير معها حول ما تعرضت له من جراء مطالبتها بقيادة المرأة للسيارة. وكتبت لجين في بيانها حول مشاركتها في الفيلم: "قبل بضعة أيام، ظهر فيلم وثائقي يبرز السعودية من منظور متطرف أظهر بعض المقاطع المنتشرة لوقائع متطرفة على أنها جزء من الظروف المعيشية اليومية في المملكة، ناهيك عن لغة الوثائقي الدرامية المبالغ فيها والكذب الواضح في بعض الجزئيات".

ووصفت الهذلول ظهورها في الفيلم بقولها: "الدقائق التي ظهرتُ فيها كانت عن تجربتي الشخصية فقط، لكن تم استغلال الموضوع لتركيبه ضمن وثائقي غير متزن أبدًا".

ليس المطلوب من الفيلم ألا يكون نقدياً، أو أن يقدم صورة دعاية و"بروباغندا" للدولة، أو أن يقدم وجهين أحدهما إيجابي والآخر سلبي، فهذا النوع من "الموضوعية" ليس أمرًا إيجابيًا دائمًا، لكن المطلوب هو ألا يدعي الفيلم القيام بشيء، ثم يقوم بعكسه تمامًا، وألا تطغى أهداف الفيلم على مصداقيته. ففيلم "فرونت لاين" جاء ليظهر جوانب غير مطروحة عن السعودية، لكنه في المقابل، كان يبحث عما يرضي المخيلة الغربية عن السعودية، ولو على حساب مصداقيته، ودقة المعلومات التي يطرحها، أو من جانب آخر، ادعاء إثارة وتشويق ومخاطرة، للوصول إلى معلومات، هي منتشرة ومعروفة أصلاً، وأن تصوير حس المغامرة ما هو إلا طريقة لتسويق الفيلم، لا تعكس مخاطرة حقيقية على أرض الواقع.



 

المساهمون