"واتساب" كسلاحٍ في الانتخابات البرازيليّة

"واتساب" كسلاحٍ في الانتخابات البرازيليّة

30 أكتوبر 2018
مؤيدة لبولسونارو تحتفل بعد فوزه (فيل كلارك هيل/In Pictures)
+ الخط -
تبدو القصّة نفسها مع كلّ انتخابات رئاسيّة حول العالم. يتكرّر السيناريو، من دون أن يتشكّل رأي عام حقيقي، بالرغم من كلّ التغطية الإخباريّة العالمية حول الموضوع، والإصلاحات التي تقوم بها شركات التكنولوجيا، والتصريحات التي يخرج بها السياسيون للنفي أو التأكيد. هكذا، باتت منصّات التواصل الاجتماعي ساحةً أكيدةً للتضليل السياسي، من دون حلّ واضح لهذه الأزمة بعد.

يوم الأحد الماضي، انتخب البرازيليّون اليميني المتطرّف جايير بولسونارو رئيساً بأكثر من 55 بالمئة من الأصوات، مقابل اليساري فرناندو حداد. لم يكترث الناخبون لتأييد بولسونارو للتعذيب أو تقليله من شأن المرأة، ومهاجمته المثليين واعتبارهم مؤامرة ومقارنتهم بالمتحرشين بالأطفال، ولا بعنصريّته ضدّ السود. كلّ تلك كانت أخباراً حقيقيّة، إلا أنّ البلد الغارق بالفساد وذا الاقتصاد المتعثّر، فضّل العسكري السابق الذي يعتبر نفسه "رجل القبضة الحديدية الذي تحتاجه البرازيل".

ليس مبالغاً القول إنّ فوز بولسونارو جاء بدعم كبير من "واتساب". ليس الشركة، بل مستخدمو التطبيق في البلاد، والذين يفوق عددهم 120 مليوناً، في بلدٍ يصل عدد سكانه إلى 210 ملايين تقريباً، ما يعني أنّه أكثر قدرةً على التأثير من شركته الأمّ، "فيسبوك". فقد كان "واتساب" ساحةً للمعركة السياسية في البلاد أثناء الفترة السابقة للانتخابات، وكانت الأخبار الكاذبة أحد الأسلحة التي اتُّهم بولسونارو والمستثمرون المؤيدون له باستخدامها ضدّ فرناندو حداد.

وبحسب وكالة "رويترز"، كان بولسونارو لا يملك سوى القليل من التمويل للحملات العامة أو الإعلانات التلفزيونية، لكن حملته الشعبية ووجوده الكبير على وسائل التواصل الاجتماعي ساعداه على الفوز بنسبة 46 في المئة من الأصوات في الجولة الأولى من الانتخابات. ووجدت شركة الاقتراع "داتافولها" أنّ ثلثي الناخبين البرازيليين يستخدمون "واتساب"، في حين أنّ 61 بالمئة من مؤيدي بولسونارو كانوا يتابعون الأخبار السياسية عليه، مقارنةً بـ38 بالمئة من ناخبي حداد.



ويسمح "واتساب" بالتشفير من النهاية إلى النهاية (من الطرف إلى الطرف)، ما يعني أنّ كل الرسائل لا يمكن قراءتها إلا من المرسِل والمتلقّي، ما يجعل جميع البروباغندا المنتشرة عليه غير عرضةٍ للمراقبة أو الانتباه. فيمكن بهذه الحالة أن تنتشر شائعة، من دون القدرة على إيقافها، بعكس "فيسبوك"، والذي إن تحرّكت الشركة لإيقاف الأخبار الكاذبة، تستطيع إلغاءها من الموقع، أو إرسال تنبيه حولها، أو حتى إغلاق الصفحة المضلّلة نفسها.

وخلال الحملة الانتخابيّة، صوّر ناشرو الأخبار الكاذبة، حداد، كشيوعي يريد مع حزب العمال، تحويل البرازيل إلى كوبا أخرى، و"الأطفال إلى مثليين" عبر المدارس، بالإضافة إلى اتهامه بمحاولة التلاعب بالأصوات، ونشر شائعات كامتلاكه سيارات فارهة. كما انتشرت نظريّة تقول إنّ بولسونارو خطّط لمحاولة اغتياله طعناً خلال مسيرة حاشدة قبل شهر.

وبحسب مقالة كتبتها مجموعة من الصحافيين والباحثين البرازيليين في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، هذا الشهر، فإنّهم دققوا في أكثر من مائة ألف صورة سياسية تم تداولها في 347 مجموعة عامة تناقش السياسة البرازيلية على "واتساب"، خلال أسبوع، ومن إجمالي المشاركات الـ50 الأكثر انتشاراً، خلصت المجموعة إلى أن 4 منها فقط كانت "صادقة تماماً". إذ في بعض الرسائل، كانت الصور حقيقية ولكن "استُخدمت خارج سياقها الأصلي أو ذات صلة بالبيانات المشوهة".

وقالت صحيفة "فولها دي ساو باولو" البرازيليّة إنّ مستثمرين مؤيدين لبولسونارو دفعوا مبالغ مالية ضخمة تصل إلى أكثر من 3 ملايين دولار لنشر عشرات الآلاف من الإعلانات التي تهاجم حداد، وهو ما قال حداد إنّ لديه شهوداً عليه، بينما نفاه بولسونارو، وحملته الانتخابية، بوصفها "أكاذيب تعكس اليأس لدى حزب العمال". واعتمدت الخطة، بحسب الصحيفة، على إغراق التطبيق بملايين الرسائل في وقت واحد، تستخدم في بعض الأوقات أرقاماً خارجيّة للالتفاف على عناصر التحكم في الرسائل غير المرغوب فيها، في ممارسة غير قانونيّة، كونها تعتبر تبرّعات غير معلنة.

كلّ ذلك قاد المحكمة الانتخابية في البرازيل إلى فتح تحقيق في المزاعم التي سُمّيت بـ"WhatsAppgate" أو "فضيحة واتساب".



كما حاولت شركة "واتساب" التدخّل للحدّ من تأثير حملة التضليل تلك، فأرسلت تنبيهات للمستخدمين، كما نشرت إعلانات حول كيفيّة اكتشاف الأخبار المزيّفة، وحجبت مئات الآلاف من الحسابات، كان بينها حساب نجل بولسونارو نفسه، بحسب صحيفة "ذا غارديان" البريطانيّة، بالإضافة إلى حذف حسابات آلية. كما دعا فيسبوك إلى بذل جهود لقمع معلومات مضللة على موقعه الرئيسي. إلا أنّ هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها "واتساب" سبباً في نزاعٍ سياسي في البرازيل، ما دفع السلطات مراراً إلى التهديد بمنع التطبيق، وهو ما حصل لأيام عام 2016، إثر رفض الشركة تسليم الشرطة معلوماتٍ ضمن تحقيقاتٍ كانت تجريها حينها.

ليست البرازيل البلد الأول الذي يُستخدم فيه "واتساب" كآلةٍ للتضليل. فهو استغلّ لتلك الغاية في الهند هذا العام، ما تسبّب بموجة عنف في البلاد، قامت على إثرها الشركة بحملة توعية في الصحف الهندية للحد من انتشار المعلومات الكاذبة. وفي نفس الإطار، أصدرت "واتساب" تحديثاً جعل المستخدمين قادرين على التمييز بين المحتوى الأصلي الذي يتلقّونه، والمحتوى المحوّل (forwarded).

المساهمون