معركة ترامب ضد "تويتر": حرب رمزية؟

معركة ترامب ضد "تويتر": حرب رمزية؟

30 مايو 2020
تظاهرة أمام مقر "تويتر" يوم الخميس (جاستن ساليفان/Getty)
+ الخط -
قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إنه سيستصدر تشريعاً ربما يلغي أو يقوض قانوناً يحمي شركات الإنترنت، بما فيها "تويتر" و"فيسبوك" و"غوغل"، في محاولة غير معتادة لتنظيم قطاع التواصل الاجتماعي الذي تعرض فيه لانتقادات. والتشريع المقترح جزء من أمر تنفيذي وقعه ترامب عصر يوم الخميس

وكان ترامب قد هاجم موقع "تويتر"، لإضافته إخطاراً اتخذ شكل علامة تعجب زرقاء على تغريدات الرئيس عن مزاعم غير مدعومة بحدوث تزوير في اقتراع بالبريد الإلكتروني. وينبه الإخطار القراء إلى ضرورة التحقق من المنشورات.

ويريد ترامب "حذف أو تعديل" مادة في القانون تعرف باسم "المادة 230" التي تحمي شركات التواصل الاجتماعي من المسؤولية عن المحتوى الذي ينشره مستخدموها. وقال ترامب إن وزير العدل وليام بار سيبدأ في صوغ التشريع "فوراً"، لتنظيم عمل شركات التواصل الاجتماعي. 


ما هي "المادة 230"؟ 

إذا وصفك موقع إخباري بـ "الكاذب المحتال" فتستطيع مقاضاة الناشر بتهمة "القذف". لكن إذا نشر شخص ما هذه المزاعم عبر موقع "فيسبوك" فلا تستطيع مقاضاة الشركة، بل الشخص نفسه فقط، وذلك بفضل "المادة 230" التي تنص على أنه "لا يتم التعامل مع أي مزود أو مستخدم لخدمة كمبيوتر تفاعلية على أنه الناشر أو المتحدث لأي معلومات مقدمة من مزود محتوى معلومات آخر". 

هذه العبارة القانونية تحمي الشركات التي تستضيف تريليونات الرسائل من المقاضاة. كما تسمح "المادة 230" لمنصات التواصل الاجتماعي بتعديل خدماتها، عبر حذف المشاركات غير اللائقة أو تلك التي تنتهك معاييرها العامة للاستخدام، طالما أن "النية الحسنة" تؤطر عملها. 

يعود تاريخ المادة إلى الخمسينيات من القرن الماضي، عندما كان مالكو المكتبات مسؤولين عن بيع الكتب التي تحتوي على "الفحش"، وهو سلوك غير محمي بموجب "التعديل الأول". وصلت قضية واحدة في النهاية إلى المحكمة العليا الأميركية التي رأت أنها خلقت "تأثيراً مروعاً" لتحميل شخص ما المسؤولية عن محتوى شخص آخر. 

لاحقاً انطلقت شبكة الإنترنت التجارية، عن طريق خدمات مثل "كومبيوسيرف" CompuServe و"بروديجي" Prodigy اللتين وفرتا منتديات رقمية. وقد اختارت "كومبيوسيرف" عدم الإشراف على مشاركات مستخدمي منتدياتها، على عكس "بروديجي". واجهت "كومبيوسيرف" دعوى قضائية رُفضت، بينما واجهت "بروديجي" أزمة، حين رأى قاض أنها "مارست سيطرة تحريرية، ما يعني أنها أشبه بصحيفة أو كشك للصحف". هذه المسألة لم تناسب السياسيين الذين كانوا قلقين من أن تؤدي النتيجة إلى إحجام شركات الإنترنت الجديدة تماماً عن الإشراف على محتواها، فولدت "المادة 230" عام 1996، كجزء من قانون اسمه "قانون آداب الاتصالات" Communications Decency Act الذي كان يهدف أساساً إلى الحد من المحتوى الإباحي الرقمي، وفق ما تشرح وكالة "أسوشييتد برس"

ألغيت معظم بنود هذا القانون من قبل المحاكم، باعتباره انتهاكاً غير دستوري لحرية التعبير، لكن "المادة 230" لا تزال فعالة. من الناحية العملية، يحمي القانون أي موقع أو خدمة تستضيف محتوى، مثل أقسام التعليقات وخدمات الفيديو كـ "يوتيوب" وخدمات الوسائط الاجتماعية مثل "تويتر" و"فيسبوك"، من الدعاوى القضائية على المحتوى الذي ينشره المستخدمون. 


المادة 230" والتحيز السياسي
 
الرئيس ترامب ومَن هاجموا "المادة 230" يزعمون أنها تمنح شركات الإنترنت العملاقة حيزاً واسعاً من الحماية القانونية، وسمحت لها بالتهرب من مسؤولية أفعالها. وزعم بعض المحافظين، وبينهم الرئيس الأميركي، أنهم يخضعون للرقابة على الإنترنت على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ادعاء نفته الشركات عامة. 
"المادة 230" التي غالباً ما يساء تفسيرها لا تتطلب أن تكون مواقع التواصل الاجتماعي محايدة. يعتقد معظم الخبراء القانونيين أن أي محاولة لطلب الحياد السياسي من قبل منصات التواصل الاجتماعي ستكون انتهاكاً لحماية حرية التعبير المكفولة بموجب "التعديل الأول"، وفق ما تنقل وكالة "رويترز"


هل يستطيع ترامب تعديل المادة؟
 
يستطيع الكونغرس فقط تغيير "المادة 230". عام 2018، عُدلت المادة، ليصبح من الممكن مقاضاة المنصات التي استخدمها تجار الجنس. ومع نمو قوة شركات الإنترنت، دعا البعض في الكونغرس أيضاً إلى إجراء تغييرات، لجعل الشركات مسؤولة عن انتشار المحتوى الذي يحتفي بأعمال الإرهاب على سبيل المثال، أو بعض أنواع خطاب الكراهية. 

لكن مسودة الأمر التنفيذي التي وقعها ترامب تطالب "لجنة الاتصالات الفيدرالية" بـ "إلغاء أو تغيير المادة 230". ويقترح الأمر التنفيذي تجريد الشركات من الحماية، بسبب ممارساتها المبهمة أو المخادعة أو غير المتسقة مع شروط الخدمة الخاصة بها. "لجنة الاتصالات الفيدرالية" وكالة مستقلة خارج سيطرة ترامب، وتضم خمسة أعضاء، ثلاثة من الجمهوريين واثنين من الديمقراطيين المعينين. 


خطوة "رمزية"؟
 
اعتبر المحلل أنتوني زوركر أن الغرض الحقيقي من الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب "رمزي". على الأقل، ستراجع منصة "تويتر" نفسها قبل محاولة الإشراف على مشاركاته أو التحقق منها، وفق ما قال لموقع "هيئة الإذاعة البريطانية" (بي بي سي). ولفت زوكر إلى أن الرئيس الأميركي يعتمد على "تويتر" في توجيه رسائله كما هي، والأمر التنفيذي نوع من التهديد بخلخلة حال الشركة إذا فكرت في ممارسة الرقابة عليه.


ترامب المتضرر الأكبر؟
 
في تحليل نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية مساء الخميس، قال بيتر بايكر ودايسكي واكابايلشي إن ترامب تحديداً سيتضرر من الأمر التنفيذي الذي وقعه، ولفتا إلى أن منصات التواصل الاجتماعي قد تلجأ الآن إلى إجراءات أكثر حدة تجاه المستخدمين أمثاله. وفي حديثها للصحيفة نفسها، علقت المستشارة التشريعية في "اتحاد الحريات المدنية" الأميركية، كايت رُواين، أنه "للمفارقة، ترامب المستفيد الأكبر من (المادة 230)"، لأنه "إذا لم تكن المنصات محصنة بموجب المادة فإنها لن تخاطر بالمسؤولية القانونية التي يمكن أن يسببها لها نشر أكاذيب دونالد ترامب وتشهيره بالآخرين وتهديداته". 

ولم يتأخر رد "تويتر" فعلاً، إذ وضع الموقع إشارة "تمجيد للعنف" على تغريدة نشرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن أحداث مينيابوليس، مشيراً إلى أن التغريدة انتهكت قواعده إلا أنه لن يزيلها. وقال الموقع إن "هذه التغريدة انتهكت قواعد (تويتر) بشأن تمجيد العنف. لكن (تويتر) قرر أنه قد يكون من مصلحة الجمهور أن تظل التغريدة متاحة". وأفادت متحدثة باسم شركة "تويتر" بأن الرئيس التنفيذي للموقع، جاك دورسي، علم مسبقاً بقرار العاملين في الشركة بوسم تغريدة ترامب بأنها "تمجد العنف".

جاء في تغريدة ترامب "عندما تبدأ عمليات السطو، يبدأ إطلاق النار. شكراً!"، ويمكن تأويل هذه الرسالة بأنها تحريض لقوات الأمن على استعمال أسلحتها.


ردود الفعل
 
وصفت شركة "تويتر" الأمر التنفيذي بأنه "مقاربة رجعية ومسيّس لقانون مهمّ"، مضيفاً أن "المادة 23" تحمي "الابتكار الأميركي وحرية التعبير والقيم الديمقراطية". واعتبرت شركة "غوغل" التي تمتلك موقع "يوتيوب" أن تغيير المادة "سيضر بالاقتصاد الأميركي وقيادتها العالمية لحرية الإنترنت"، قائلة "لدينا سياسات واضحة للمحتوى، ونطبقها بغض النظر عن وجهة النظر السياسية. لقد عملت منصاتنا على تمكين مجموعة واسعة من الأشخاص والمنظمات من مختلف الأطياف السياسية، ومنحتهم صوتاً وطرقاً جديدة للوصول إلى جماهيرهم"، في بيان وجهته لـ "هيئة الإذاعة البريطانية". 

وفي مقابلة مع شبكة "فوكس نيوز"، وهي المفضلة لدى الرئيس الأميركي، يوم الأربعاء، قال الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك"، مارك زوكربيرغ، إن الرقابة على منصة لوسائل التواصل الاجتماعي لن تكون "رد الفعل الصحيح" لحكومة قلقة بشأن الرقابة. وأضاف زوكربيرغ: "أعتقد أن (فيسبوك) لا ينبغي أن تكون حكماً على كل ما يقوله الناس على الإنترنت".

ونظم ناشطون تظاهرة أمام مقر شركة "تويتر" في سان فرانسيسكو، يوم الخميس، مطالبين إياها بمنع ترامب من استخدام منصتها. كما دشن مغردون وسم #BanTrumpFromTwitter (احظروا ترامب من تويتر) الذي تصدر قائمة الأكثر تداولاً في المملكة المتحدة أمس الجمعة.

المساهمون