لماذا يعاقب النظام المصري إعلامييه؟

قبل خيري رمضان... لماذا يعاقب النظام المصري إعلامييه؟

07 مارس 2018
أخلي سبيل خيري رمضان يوم الإثنين بكفالة (تويتر)
+ الخط -
يبدو أنّه لم يعد هناك مجال لأن يجتهد إعلاميو النظام في مصر، للدفاع عن ذلك النظام أو الترويج له بالشكل الذين يرونه مناسبًا ويخدم السلطة. ويؤكد الموقف الأخير الذي تعرض له الإعلامي خيري رمضان، الموالي للسلطة، تلك الفكرة تمامًا. فالمذيع الذي انتقل مؤخرًا للتلفزيون المصري لتقديم برنامج "مصر النهاردة"، عن طريق هيئة الرقابة الإدارية المشرفة على "ماسبيرو"، بتكليف من الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، خضع للتحقيق مساء السبت الماضي أمام نيابة وسط القاهرة، بناءً على بلاغ تقدمت به وزارة الداخلية ضده، تتّهمه فيه بالإساءة إلى ضباط وهيئة الشرطة في إحدى حلقات برنامجه الذي يذاع على شاشة القناة الأولى، ما يفسر المثل الشعبي المصري الشهير "آخر خدمة الغُز علقة".
وجاء استدعاء رمضان إلى النيابة بعد يومين، من تصريحات للرئيس عبد الفتاح السيسي، اعتبر فيها أن الإساءة للجيش أو الشرطة "خيانة عظمى". وقال إن "أي شخص يسيء إلى الجيش أو الشرطة فإنه يسيء إلى كل المصريين، وليست هذه حرية رأي"، بحسب رأيه. واعتبر أنه "على جميع أجهزة الدولة أن تتعاون لمنع أي إساءة للجيش والشرطة"، مشددًا في الوقت ذاته على أنه "لا يمكن أن يسيء أحد للجيش والشرطة وأنا موجود هنا على رأس الدولة".
وكان خيري رمضان قد أذاع خلال برنامجه رسالة من إحدى السيدات - لم يكشف عن هويتها - أكدت خلالها أنها زوجة لضابط شرطة، وأنها تعاني صعوبات الحياة، وهو ما دفع الداخلية لتقديم بلاغ ضد رمضان. وقال رمضان إن الرسالة تحمل معاناة جميع زوجات ضباط الشرطة، وأضاف "ضباط الشرطة يعملون 17 - 18 ساعة يومياً، والسيدة قالت إنها لم تستطع سداد مصاريف المدرسة الخاصة لأولادها، وإن ذلك ليس حال هذا الضابط فقط، إنما حال آخرين، وهو الأمر الذي دفعها للبحث عن وظيفة لدرجة تفكيرها في العمل داخل البيوت من أجل الإنفاق على أولادها".
وبمجرد إذاعة الحلقة أصدرت ما يسمى بـ"جمعية زوجات ضباط الشرطة" بياناً تضمن انتقادا لرمضان، جاء فيه أن "ما قام به خيري رمضان ما هو إلا نوع من أنواع تحقير مهنة من أقدس المهن، مهنة يضحي رجالها بالغالي والنفيس، وما قام به هذا الإعلامي ما هو إلا ضرب في صميم نفسية هؤلاء الأبطال الذين يحاربون بجوار أشقائهم من أبطال القوات المسلحة معركة الشرف". وتابع البيان أن "ما قام به هذا الإعلامي يعتبر نوعاً من أنواع الخيانة (الحرب النفسية) وهي نوع من أنواع حروب الجيل الرابع، لذا يجب علينا مقاطعة هذا البرنامج للإعلامي المذكور والذي يظهر علينا من تليفزيون الدولة لحين اتخاذ ما يناسب مع هذا الإعلامي المذكور من إدارة التليفزيون المصري".
لم يشفع لرمضان أنه انتقل للعمل في التلفزيون المصري، بعد فترة قضاها في العمل ما بين قناتي "سي بي سي" و"النهار"، بمعرفة هيئة الرقابة الإدارية، وهي من أقوى الأجهزة الأمنية في مصر، حيث تعرض للتنكيل به، على الرغم من أنه خرج في اليوم التالي لإذاعة تلك الحلقة، ليعتذر على الهواء مؤكدًا أنه لم يكن يقصد الإساءة. خيري المعروف بعلاقاته بالأمن والمحسوب على "الأجهزة" ينطبق عليه المثل الشعبي الشهير بمصر "جِه يكحّلها عماها" بما يعني أنه حاول استدرار تعاطف المشاهدين مع ضباط الشرطة، في تأكيد على أنهم يعانون في حياتهم الاجتماعية، ولا يحصلون على أموال تكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة، ومع ذلك لا يتأخرون عن نداء الوطن. لكن يبدو أن الموضوع خرج عن السيطرة، وأغضب وزارة الداخلية. وبدلًا من أن ينال خيري رضا الأجهزة، وجد نفسه في مواجهة غضبها، لتُقرّر النيابة حبسه 4 أيام على ذمة التحقيق، يوم الأحد الماضي، قبل أن يُخلى سبيله بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه (الدولار يساوي حوالى 18 جنيهاً) يوم الإثنين الماضي.

واقعة خيري رمضان لم تكن هي الدليل الأول على أن النظام في مصر لا يتورّع عن عقاب حتى رجاله. فهناك أيضًا الصحافي والمذيع إبراهيم عيسى، والذي على الرغم من كونه أحد عرّابي انقلاب الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، وأحد أشد المؤيدين والداعمين للمشير، آنذاك، السيسي لكي يصبح رئيسًا لمصر، إلا أنه تم عقابه والتنكيل به لفترة تجاوزت السنة. إذ قررت الأجهزة الأمنية وقْف برنامجه على قناة "القاهرة والناس" بعد عدة حلقات هاجم فيها اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي بموجبها تنازلت مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير.
وقال عيسى في أحد حواراته الصحافية بعد وقف برنامجه إن "هناك جهات في الدولة توافقت على إغلاق برنامجه، وإن السلطة ترى الإعلاميين سَحَرة فرعون، وتعتبر برنامجه "حيّة موسى". غير أن عيسى عاد مرة أخرى على شاشة "أون" التابعة للمخابرات العامة، ولكن بشروط خاصة، على رأسها عدم تناول موضوع الجزر مرة أخرى، وعدم تناول موضوعات ضد سياسة النظام بشكل عام، والالتزام بتناول موضوعات اجتماعية وفنية فقط.

لم يسلم الصحافي والإعلامي محمود سعد، وهو أيضًا أحد رجال النظام، من بطش الأجهزة الأمنية. فقد تم منعه هو الآخر من الظهور على قناة "النهار" لفترة طويلة قاربت عامين، وذلك بسبب انتقاده لبعض سياسات النظام.
وقالت مصادر إن السبب وراء منع محمود سعد، هو استضافته للخبيرة النفسية منال عمر، والتي تحدثت عن النكسة، وقارنتها بالأحداث الإرهابية التي تشهدها مصر. وكان سعد قد نشر صورة لشباب "ثورة يناير" مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، وعلق عليها قائلاً "أين هؤلاء الآن، شباب الثورة في الصورة منهم أحمد ماهر المعتقل، وأسماء محفوظ التي مُنعت من السفر، ومنهم من هاجر أو اعتزل السياسة".
وعلّق سعد على عدم ظهوره على شاشات الفضائيات قائلًا إن "جميع المشاهدين يعلمون تمامًا الأسباب الحقيقية وراء عدم ظهوره على شاشات الفضائيات". وأضاف في مقطع فيديو نشره على صفحته الخاصة على "فيسبوك" أنه "لن يعلق على الأحداث الجارية على الساحة السياسية"، مؤكدًا أنه لا يرغب في الظهور مرة أخرى على شاشات الفضائيات، ولن يظهر في أي برنامج من برامج التوك شو. غير أنه عاد مرة أخرى في الأيام الأخيرة ضمن نفس الصفقة التي عاد بها عيسى. وكانت مصادر قد أكدت لـ"العربي الجديد" أن عودة الرجلين جاءت في إطار خطة إعلامية مرتبطة بفترة انتخابات رئاسة الجمهورية، لا سيما مع خلو الساحة من أية وجوه إعلامية مقبولة لدى الجمهور.

وتسبّبت حلقة من برنامج "العاشرة مساء" للمذيع وائل الإبراشي والمعروف بصلاته الوثيقة بالأجهزة الأمنية، أذيعت خلالها مكالمة مع الفريق أحمد شفيق، المرشح السابق لانتخابات الرئاسة، وآخر رئيس وزراء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، والتي أقرّ خلالها شفيق بمصرية جزيرتي تيران وصنافير، باستدعائه وتوبيخه من قبل الأجهزة الأمنية. كما تسببت في منعه من الظهور على الهواء لمدة تجاوزت شهرين، وذلك على الرغم من نفيه وقف البرنامج وتأكيده أنه في إجازة لمدة يومين فقط، لكنها استمرت 70 يومًا، عاد بعدها بتغييرات في محتوى البرنامج ومدة عرضه، وأيضًا بتعديلات في فريق التحرير. كما تم تقليص أيام عرضه من 6 أيام أسبوعيًا إلى 4 أيام فقط.



أما المذيعة والصحافية رانيا بدوي، والمعروفة أيضًا بعلاقاتها مع الأجهزة الأمنية، فاختفت تمامًا من على الساحة بسبب حلقة وحيدة شاركت فيها المذيع عمرو أديب في برنامج "كل يوم". إذ أعلنت قناة "أون" على أثر تلك الحلقة فسخ التعاقد مع بدوي، وذلك بعدما وجهت انتقادًا لوزيرة الاستثمار آنذاك داليا خورشيد، واصفةً إياها بـ"أسوأ وزيرة استثمار شهدتها مصر"، بسبب أدائها المتخبط. ويبدو أن رانيا بدوي لم تعلم في ذلك الوقت أن الوزيرة هي إحدى الشخصيات المقربة من جهاز المخابرات العامة، وهي تشغل الآن منصب رئيس مجلس إدارة شركة "إيجيبت إيجل كابيتل" التابعة للاستخبارات والتي استحوذت مؤخرًا على مجموعة "إعلام المصريين" التي تمتلك "أون" ومجموعة صحف أخرى.


أما القصة الأشهر فكان بطلها المذيع توفيق عكاشة والذي كان أحد أهم الأصوات التي دعت للنزول في مظاهرات 30 يونيو/حزيران. إذ تم عقابه بأكثر من وسيلة، كان أولها أن أصدرت هيئة الاستثمار قرارًا بوقف برنامجه على قناة "الفراعين"، قبل أن تغلق القناة بأكملها. ثم قرر بعد ذلك مجلس النواب فصله من عضوية المجلس على خلفية استقباله السفير الإسرائيلي ديفيد غوفرين في منزله. وكان السبب وراء ذلك كله هو هجوم عكاشة على مدير مكتب الرئيس عبد الفتاح السيسي، اللواء عباس كامل، حين اتهمه بإدارة الحياة السياسية في البلاد. كما اتهم المخابرات العامة بأنها كانت وراء استبعاده في بداية انتخابات مجلس النواب، وقال إنه تقدم بطلب اللجوء السياسي للسفارة الألمانية لأنه يمتلك منزلاً هناك، مشيرًا إلى أنه لن يعود إلى مصر إلا بعد تغيير فكر إدارة الدولة.

المساهمون