هكذا قرأ الإعلام الفرنسي تظاهرات "السترات الصفراء"

تظاهرات "السترات الصفراء" بالإعلام الفرنسي: بين التنديد بالعنف وتفهُّم المطالب وانتظار الحكومة

25 نوفمبر 2018
دعوات التظاهر مستمرة (برتراند غواي/فرانس برس)
+ الخط -
استولت احتجاجات "السترات الصفراء" على المشهد الإعلامي الفرنسي، وشكلت حدَثَه الرئيسي. فكرّست له كل وسائل الإعلام، مرئية ومسموعة ومكتوبة، تغطية غير مسبوقة، طول النهار والليل. ومن السهولة اكتشاف البون الشاسع بين تعامل وسائل الإعلام مع التظاهرات التي تقوم بها نقابات وأحزاب وجمعيات، والتي غالباً ما تكون تغطيتها قصيرة ومتحيزة، وتنشر على الفور استطلاعات للرأي تبيّن عدم شعبيتها لدى الرأي العام، كما كان حال إضرابات بعض النقابات العمالية، خلال أشهر، ضد قانون إصلاح المكتب الوطني لسكك الحديد، وبين هذه التظاهرات التي يقوم بها ما يطلق عليهم "السترات الصفراء"، والتي فرضت نفسها على كل وسائل الإعلام.

وغالباً ما تستحضر وسائل الإعلام الشعبية الطاغية التي تحظى بها "السترات الصفراء" لدى الشعب، والتي تتجاوز سبعين في المائة. ولعلّ هذه الشعبية هي ما دفعت الكثير من السياسيين، خاصة في المعارضة، يميناً ويساراً، إلى تقديم دعم فعّال لها، دون استغلال سياسي واضح ومعلن، ولكن إلى درجة مشاركة بعض قيادييها في التظاهرات، مثل "التجمع الوطني" و"انهضي، فرنسا" و"فرنسا غير الخاضغة" والحزب الجديد المناهض للرأسمالية، أو التعبير عن الدعم لمطالبها المشروعة، مع التنديد بالعناصر الفوضوية المندسّة التي تحاول تشويه عدالة هذه المطالب، كما هو شأن الحزب الشيوعي والاشتراكي، وحتى بعض المسؤولين والنواب البرلمانيين من حزب "الجمهورية إلى الأمام".

القنوات الإخبارية تواصل منذ 17 نوفمبر/تشرين الثاني تغطية أنشطة السترات الصفراء وتتابع كل حركاتها الميدانية وأيضا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وآخر هذه الأنشطة في "فيسبوك"، الدعوة لما يسمى "المشهد الثالث"، والذي حظي، لحد الساعة، بموافقة أكثر من عشرة آلاف شخص، والذي يستهدف تنظيم تظاهرة يوم السبت القادم في جادة الشانزيليزيه، للمطالبة باستقالة رئيس الجمهورية إيمانويل ماكرون.



ولأنّ موضوع التظاهرات متشعّب، فهو يتضمن تنظيم تظاهرات ونقاطاً لمحاصرة محال سوبرماركت ومحطات بنزين وطرق سيّارة، وأيضاً الاقتراب ومساءلة النواب البرلمانيين، خصوصاً من حزب الرئيس "الجمهورية إلى الأمام"، كما يتضمن ردود الفعل الحكومية، وخاصة موقف الرئيس ماكرون.

وللإشارة فقد اكتفى الرئيس ماكرون بنشر تغريدة يتيمة يشكر فيها قوات الأمن على شجاعتها ومهنيّتها، ويعيب فيها على من اعتدى عليها وعلى من عنّف مواطنين آخَرين وصحافيين، كما يعيب على من حاول تهديد نوّاب منتخبين، وأنهاها بأنه "لا مكان لهذه الأشكال العنفية في الجمهورية"، في حين أن وزير الداخلية في ندوته الصحافية ركز كل حديثه على العنف متّهما أقصى اليمين ومنتقدا تصريحات لمارين لوبان رأى فيها صبّا للزيت على النار، ومُشيداً بشجاعة ومهنية الشرطة.



ولم تغب هذه الانتقادات عن تحريك جدال إعلامي واسع بين مارين لوبان وكريستوف كاستانير، وزير الداخلية.

وكرّست صحيفة "ليبراسيون" غلافها يومي السبت والأحد، وتضمّن ست صفحات، للسترات الصفراء، متسائلة "عمّن يدفع كلفة هذا التصدع"، متحدّثة عن "حركة تتجذّر" و"أغلبية منقسمة" و"حكومة تبدو مترددة، أكثر فأكثر"، "حيث الحكومة تتذمر من غياب دعم من نوابها البرلمانيين، فيما يذكّر بعض هؤلاء النواب بأنهم أنذروا الحكومة من مخاطر نفاد صبر معمَّم في البلد".


وترى الصحيفة اليسارية الفرنسية أن ما حدث يوم السبت "ليس سوى بداية التمرد"، وتنقل مشاهد عن متظاهرين يصورون أنفسهم باعتزاز خلف العَلَم الفرنسي، وأمام دراجة نارية تحترق. والكثير منهم يعبرون عن كراهية للرئيس ماكرون، وتنقل ما تقوله إحدى المتظاهرات: "مع كل انتخاب في فرنسا، نتصور أن يكون المستقبل أسوأ، ولكن ماكرون حطّم كل الأرقام القياسية"، وتضيف: "ماكرون معجبٌ بنفسه، ولا يعرف ما الذي تعنيه نهاية شهر صعبة، ومع ذلك يتجرأ على الحطّ من كرامتنا بوصفنا بالكسالى".



صحيفة "لو جورنال دي ديمانش"، المقربة من الإيليزيه، تبشر قراءها، في عدد الأحد بأنّ "ماكرون سوف يتحرك". وإذ تشدد على أنه ليس في وارد الرئيس وحكومته التخلي عن الضرائب على المحروقات، أي أنه "لن يتنازل"، إلاّ أنه، أي الرئيس، سوف يُشرك، معه الكثير من "القوى الحية"، ومنها النقابات وجمعيات الدفاع عن البيئة والنقابات الفلاحية وممثلي المجتمع المدني، وبعض السترات الصفراء، في البحث عن الحلول. وسيعلن الرئيس، يوم الثلاثاء القادم، عن "إنشاء المجلس الأعلى للمناخ".

وتتحدث الصحيفة عن مخاطر استمرار تظاهرات السترات البيضاء، التي لا يعرف قادتها ومسؤولوها، وتحذّر من تشظّيها، مع كل ما تحمل من تعدد المبادرات الفردية.


من جانبها، تحدثت صحيفة "لوموند" بشكل واسع عن هذه التظاهرات، التي "تحدّت المنع وتظاهرت في جادة الشانزيليزيه. ولكن رغم تأكيدها على سلمية حركاتها، إلا أن المواجهة مع الشرطة انتهت بالتصادم". وفي تحقيق لها مع السترات الصفراء في مدينة ""بوم-لي-دام"، تحدثت عن التصدع ما بين النخب وبين هؤلاء المواطنين الذين يعيشون ظروفا صعبة، وتنقل تصريح أحد هؤلاء "النُّخَب تتحدث عن نهاية العالم، في حين أننا نتحدّث عن نهاية الشهر".
وحاولت صحيفة لوباريزيان أن تقدم حصيلة لتظاهرة الأمس، فكتبت: "حين ينتصر العنف"، في إشارة إلى أحداث الشانزيليزيه، حيث تنقل عن سيدة تقطُن في الحيّ قولها: "إنها الحرب الأهلية"، حين شاهدت عملية إحراق شاحنة، ترافقها شعارات تطالب باستقالة الرئيس ماكرون واستقالة وزير داخليته.


ولم تغفل الصحف الفرنسية، ولا القنوات التلفزيونية مشاهد العنف والحرائق التي شابت التظاهرات، خاصة الباريسية، وكتبت "ويست فرانس"، عن "العنف والفوضى في الشانزيليزيه".

أمّا صحيفة لوفيغارو، اليمينية، فقد كرست مقالات عديدة للتظاهرات، ورأت أن "السلطة مستعدّةٌ لتغيير نسختها في مواجهة الشارع"، وهو ما يعني "تحوّلاً في سياسة الحكومة بخصوص الضريبة الإيكولوجية".
ونقلت الصحيفة قراءة الفيلسوف جان بيير لوغوف لظاهرة السترات الصفراء، باعتبارها: "نوعا من انتقام الذين نُظِرَ إليهم باعتبارهم "أغبياء وسذجا""، ورأى أن هذه الظاهرة "تلفت النظر إلى تحولات المجتمع الفرنسي"، و"رفض أربعة عقود من الليبرالية ومن "التأقلم" الاقتصادي المفروض من النُّخَب".



حديث الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي ظل صامتاً، لحد الآن، والمنتظر يوم الثلاثاء القادم، وتسريبات لوجورنال دي ديمانش عن "إنشاء المجلس الأعلى للمناخ"، يوم السبت القادم، شكّل مادة إضافية إلى الحراك الاجتماعي، المستمر، ولو أن كثيرًا من المضربين لم يعودوا يثقون في الرئيس ماكرون.