أوروبا بمواجهة التضليل الإعلامي: معركة الديمقراطية

أوروبا بمواجهة التضليل الإعلامي: معركة الديمقراطية

09 ديسمبر 2018
انتخابات البرلمان الأوروبي في مايو المقبل (دورسون آيديمير/الأناضول)
+ الخط -
من أجل حماية أنظمته الديمقراطية، وبالنظر إلى الانتخابات الأوروبية التي ستجرى خلال عام 2019 ومجموعة من الانتخابات الوطنية والمحلية التي ستقام في الدول الأعضاء بحلول عام 2020، قدم الاتحاد الأوروبي يوم الأربعاء الماضي خطة العمل من أجل تكثيف الجهود، لمواجهة التضليل الإعلامي والأخبار المزيفة في أوروبا وخارجها.

خطة جديدة
بعد تقييم التقدم الذي تحقق بالفعل في مواجهة التضليل الإعلامي، بعد دعوة القادة الأوروبيين في يونيو/ حزيران 2018 لحماية الأنظمة الديمقراطية للاتحاد، قدمت المفوضية الأوروبية ومنسقة السياسة الخارجية واﻷمنية الأوروبية، فيديريكا موغيريني، إجراءات ملموسة لمكافحة هذا النوع من التضليل، من خلال إنشاء نظام للإنذار المبكر وعن طريق المراقبة عن كثب لتنفيذ مدونة الممارسات التي وقّعتها منصات الإنترنت.
كما تنصّ خطة العمل على زيادة الموارد المخصصة لهذا الملف. وقالت فيديريكا موغيريني، في بيان، مباشرة بعد إعلان الخطة "إن الديمقراطية السليمة تقوم على مناقشة مفتوحة وحرة ونزيهة. من واجبنا حماية مساحة التعبير هذه وعدم السماح لأي شخص أن يزرع التضليل، الذي يغذي الكراهية والانقسام والريبة من الديمقراطية. كمسؤولين في الاتحاد الأوروبي، قررنا العمل معاً وتكثيف جهودنا وتعزيز مبادئنا سواء داخل حدودنا أو في جوارنا. فهذه هي الطريقة الأوروبية الحقيقية لمواجهة أحد التحديات الرئيسية في عصرنا".
بينما صرّح المفوض الأوروبي المكلف بالسوق الرقمية الموحدة، أندروس أنسيب، خلال الندوة الصحافية لتقديم الخطة بأنه "يجب أن نكون متحدين وأن نوحد قوانا لحماية ديمقراطياتنا من التضليل. لقد شهدنا محاولات للتدخل في الانتخابات والاستفتاءات، وتشير الأدلة إلى أن روسيا هي المصدر الرئيسي لهذه الحملات. وللرد على هذه التهديدات، نقترح تحسين التنسيق مع الدول الأعضاء من خلال نظام إنذار مبكر، وتقوية فرقنا للتنديد بالمعلومات المضللة، وزيادة الدعم للإعلام والباحثين، وحث منصات الإنترنت على تنفيذ التزاماتها. مكافحة التضليل تتطلب جهداً جماعياً".



تعزيز الكشف عن التضليل والرد والتوعية
وتركز خطة العمل، التي وضعت بالتعاون الوثيق مع عدة جهات من بينها فيرا جوروفا، المفوضة الأوروبية لشؤون العدل والمستهلكين والمساواة بين الجنسين، وجوليان كنغ المفوض الأوروبي للشؤون الأمنية، وماريا غابريال المفوضة الأوروبية لملف الاقتصاد والمجتمع الرقميين، على أربعة مجالات رئيسية بهدف تعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي بشكل فعال وتعزيز التعاون بين الدول الأعضاء والاتحاد.
يتعلق الأول بتعزيز الكشف عن التضليل، وذلك من خلال "فرق عمل تضم العديد من الموظفين المتخصصين وأدوات جديدة لتحليل البيانات"، كما يفسر لـ "العربي الجديد" نيكولا غرو فيرهايد، الخبير في الشؤون الأمنية. أما المجال الثاني فيخص الرد بطريقة منسقة، إذ "سيتم إنشاء نظام إنذار مبكر محدد بين مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء لتسهيل تبادل البيانات وتحليل حملات التضليل، والإبلاغ عن التهديدات التضليلية في الوقت الحقيقي. وستعمل مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء أيضاً بشكل استباقي وموضوعي للتعريف بقيم وعمل الاتحاد"، يقول نيكولا غرو فيرهايد.
وتستهدف الخطة أيضاً المنصات الإلكترونية وقطاع الخدمات عبر الإنترنت. "ينبغي للموقعين على مدونة الممارسات الجيدة أن ينفذوا بسرعة وفعالية الالتزامات التي تم التعهد بها، مع إعطاء الأولوية للتدابير العاجلة في أفق إجراء الانتخابات الأوروبية عام 2019. ويتعلق الأمر بشفافية الإعلانات ذات الطبيعة السياسية، وتكثيف الجهود لإغلاق الحسابات الزائفة التي لا تزال نشطة، والإبلاغ عن التفاعلات غير البشرية الخاصة ببث الرسائل تلقائياً بواسطة روبوتات الكمبيوتر، والتعاون مع الباحثين والجامعات للكشف عن حملات التضليل ونشر المحتوى المتحقق منه"، كما يقول غرو فيرهايد. مشيراً أيضاً إلى أن "المفوضية الأوروبية ستراقب عن كثب، بمساعدة مجموعة من الهيئات التنظيمية الأوروبية، الخدمات الإعلامية السمعية البصرية بشأن تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها".
وتعمل الخطة الأوروبية كذلك على توعية المواطنين. "بالتوازي مع تنظيم حملات توعية مستهدفة، ستقوم مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء بتعزيز محو الأمية الإعلامية من خلال برامج محددة. كما سيتم تقديم الدعم للفرق الوطنية المتعددة التخصصات من المدققين والباحثين المستقلين، للكشف عن الحملات الخطأ على الشبكات الاجتماعية"، يفسر غرو فيرهايد.



تنفيذ الخطة
ستقوم المفوضية الأوروبية ومكتب منسقة السياسة الخارجية واﻷمنية الأوروبية، بتنفيذ التدابير المنصوص عليها في خطة العمل، بالتعاون الوثيق مع الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي. ففي الفترة التي تسبق الانتخابات الأوروبية، سيتم إنشاء نظام الإنذار المبكر بحلول مارس/ آذار 2019. كما سيتعين على الموقعين على مدونة الممارسات الجيدة، في قطاع المنصات الإلكترونية، تزويد المفوضية قبل نهاية العام بالتقييم الأول لتنفيذ هذا القانون. وستقوم المفوضية بنشر هذا التقرير في يناير/كانون الثاني 2019.
وسيكون على هذه المنصات إرسال تقرير شهري إلى المفوضية بين يناير/ كانون الثاني ومايو/ أيار. كما ستقوم المفوضية الأوروبية أيضاً بإجراء تقييم شامل للمدونة، في نهاية فترة التنفيذ الأولى التي تبلغ مدتها 12 شهراً. وإذا كان تنفيذ مدونة الممارسات وتأثيرها غير مرض، يمكن للمفوضية اقتراح تدابير جديدة، بما في ذلك تدابير قانونية.
ويعمل الاتحاد الأوروبي بنشاط ضد المعلومات الخطأ منذ عام 2015. فبعد قرار من المجلس الأوروبي في مارس/ آذار 2015، تم إنشاء فرقة عمل "للرد على حملات التضليل التي تنفذها حالياً روسيا"، كما جاء في وثيقة إنشاء الفرقة. وعام 2016، تم تبني الإطار المشترك لمكافحة التهديدات المضللة، وتلته في عام 2018 مذكرة "زيادة القدرة على الصمود وتعزيز القدرات لمواجهة التهديدات الهجينة".
وفي هذا السياق أعلنت المفوضية الأوروبية، كجهاز تنفيذي للاتحاد الأوروبي، في نيسان/ إبريل 2018، عن إرساء نهج أوروبي وإجراءات خاصة، بما في ذلك مدوّنة للممارسات الجيدة ضد المعلومات المضللة المطبقة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي، لمكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت، ودعم شبكة مستقلة من المحققين لتشجيع الصحافة الجيدة. وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول، تم توقيع مدونة الممارسات الجيدة من قبل "فيسبوك" و"غوغل" و"تويتر" و"موزيلا"، بالإضافة إلى الاتحاد المهني الذي يمثل منصات الإنترنت والجمعيات المهنية لقطاع الإعلان والمعلنين.
"في خطابه عن حالة الاتحاد عام 2018، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود جونكر، أيضاً حزمة محددة من التدابير لضمان أن تكون انتخابات البرلمان الأوروبي لعام 2019 حرة ونزيهة وآمنة. وتشمل هذه التدابير زيادة الشفافية في الإعلانات السياسية عبر الإنترنت، وإمكانية فرض عقوبات على الاستخدام غير القانوني للبيانات الشخصية للتأثير عمداً على نتائج الانتخابات الأوروبية"، يذكر نيكولا غرو فرهايد.