صحافيون ضحايا المافيا والعصابات

صحافيون ضحايا المافيا والعصابات

04 ديسمبر 2018
دافني غاليزيا صحافية اغتيلت العام الماضي (تولغا أكمن/فرانس برس)
+ الخط -
لا يتوقّف استهداف الصحافيين على الانتهاكات اليوميّة التي يتسبّب فيها عادةً رجال الأمن والمواطنون العاديون، ما يمنعهم من التغطية. لكنّ الانتهاكات تذهب بعيداً، وتتضمّن الخطف والاعتقال والمصادرة، وصولاً إلى التعذيب والقتل. والصحافيون ليسوا أهدافاً للأنظمة الديكتاتوريّة فحسب، بل هم أيضاً ضحايا العصابات والمافيا حول العالم، والتي ترفض أن تُكشَف جرائمها، وهو ما يحاول الصحافيون فعله. ويبدو أنّ تلك العصابات ترفع من وتيرة استهدافها للصحافيين. فبحسب تقرير عن أوضاع الصحافيين صادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود"، فإن العامين الأخيرين، منذ 2016، شهدا قتل نحو 30 صحافيا وصحافية على يد عصابات إجرامية وأعضاء في المافيا حول العالم. 

ويقول تقرير المنظمة إنّه "من بكين إلى موسكو، من تيخوانا (المكسيك) إلى بوغوتا، ومن مالطا إلى سلوفاكيا، استُهدف صحافيو التحقيقات بأعمال إجرامية أدت إلى قتلهم، كأعمال انتقامية غاضبة من عملهم الصحافي".

أكثر الصحافيين استهدافاً على يد تلك المجموعات الإجرامية، وبينها المافيا، كانت بحق صحافيين وصحافيات عملوا على نبش قضايا الفساد. وإذا كانت بعض سلطات الدول تستهدف الصحافيين مباشرة وبشكل واضح، اتهاماً بالعمالة وملاحقة معنوية وسجنا وإعداما واغتيالا بشعا، كما في قضية جمال خاشقجي وعشرات الصحافيين في سورية ومصر واليمن وغيرها من الدول، فإن التقرير الصادر يلحظ أن الشبكات الإجرامية تعاونت مع سلطات دول مختلفة لاغتيال الصحافيين الذين عملوا على كشف قضايا الفساد.

ومن بين ما يشير إليه تقرير "صحافيون بلا حدود" أن 9 من 14 صحافيا استُهدفوا في 2017 جرى قتلهم في المكسيك، ويضاف إليهم منذ ذلك العام اغتيال 8 آخرين في البلد. ويمضي أحد معدّي التقرير متسائلاً عن الحالة المكسيكية بالقول "كيف يمكن لعصابات المخدرات في المكسيك أن تنتشر بهذا الشكل إن لم يكن لديها دعم من الحكومة؟"، بحسب الصحافي الفرنسي فردريك بلوكان.

ومنذ 2016، قُتل 3 صحافيين في دول أميركا اللاتينية، وصحافي في الهند، كانوا يسعون للتحقيق في أعمال المافيا في دولهم. ويلحظ التقرير كيف تم قتل الصحافي الهندي دهساً بسيارة شحن.

ولم تخلُ أوروبا من استهداف الصحافيين، خلال العامين الماضيين، خصوصاً بسبب عملهم على قضايا تتعلق بالفساد والمافيا. ولعل أشهر هؤلاء الذين استُهدفوا وأثاروا ضجة كبيرة في جنوب القارة الأوروبية، الصحافية المالطية دافني كاروانا غاليزيا التي قُتلت، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، أثناء عملها على كشف قضايا فساد وارتباط سياسيين بالمافيا وتلاعب بأموال الاتحاد الأوروبي. وغير بعيد عن عمل غاليزيا، جاء قتل الصحافي السلوفاكي يان كوسياك بإطلاق النار عليه، وأدى مقتله إلى ضجة سياسية أطاحت بوزير داخلية بلده، ولم يكشف النقاب بعد عن المجرمين الذين يعتقد أنهم على ارتباط بساسة محليين خشوا من أن تفضحهم التقارير الاستقصائية للصحافيين.



هذه الأجواء أودت، أخيراً، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بالضحية الأوروبية الثالثة، الصحافية البلغارية فيكتوريا مارينوفا، وهو ما أشاع خوفاً بين عديد الصحافيين الأوروبيين. وقد عبّرت الرابطة الأوروبية للصحافيين عن مخاوفها من إنهاء التحقيق في قضايا مقتل الصحافيين، مثل قضية مارينوفا، إثر اعتقال شاب عشريني، وإغلاق القضايا من دون تقديم الجناة الحقيقيين للعدالة. وكانت مارينوفا تعمل على قضية فساد في منح تراخيص السلطات بناء لمشاريع مدعومة بالملايين من الاتحاد الأوروبي. وتشير الرابطة الأوروبية إلى خشية من أن الشرطة لم تقم بما ينبغي في التحقيق في قضية اغتيال مارينوفا، وطالبت المنظمة بتحقيق مستقل في قضية قتلها. 

استهداف الصحافيين من قبل شبكات إجرامية، وبينهم رجال أعمال وساسة محليون يستأجرون قتلة مأجورين، وفقا لتقارير صحافية أوروبية من زملاء المغدورين، الذين أصروا على مواصلة تحقيقات زملائهم، تؤدي أحيانا بصحافيين أوروبيين آخرين إلى العيش والعمل بطريقة معقدة. فنحو 196 صحافيا وصحافية في إيطاليا يعيشون تحت الحماية اللصيقة يوميا، بسبب تهديدات المجرمين وعصابات المافيا، وبين هؤلاء وأشهرهم روبرتو سافيانو الذي أماط اللثام عن عمل المافيا في نابولي، في أعمال صحافية شاملة عُدّت الأكثر رصانة وانتشارا في المجال. ووفقا للجنة حماية الصحافيين CPJ، فإنه منذ عام 1992 قتل 1200 صحافي وصحافية حول العالم، وبينهم مئات الصحافيين في المنطقة العربية وحدها.

المساهمون