الصحافة الورقية التونسية: أزمة مالية أم ضربة للحريات؟

الصحافة الورقية التونسية: أزمة مالية أم ضربة للحريات؟

09 يناير 2020
تواجه "الصحافة اليوم" أزمة مالية خانقة (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -
تواجه صحيفة "الصحافة اليوم" الرسمية التونسية أزمة مالية حادة، وتحديداً بعد تعطل الإصلاحات التي كان مقرراً إجراؤها لإنقاذها، ما يعني انضمامها إلى قائمة طويلة من المنشورات الورقية التي تحتضر في البلاد، وسط مخاوف من استهداف الحريات الإعلامية بالقضاء على هذه المنصات. وقد دفعت أزمة "الصحافة اليوم"، الصادرة عن دار "سنيب لابراس"، النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين إلى الاجتماع في مقر الصحيفة، الأسبوع الماضي، لمحاولة البحث عن حلول عملية لما تعيشه المؤسسة من صعوبات، ومنها تعطل إطلاق الموقع الإلكتروني والأزمة الحاصلة في التحرير وظروف عمل الصحافيين، وسط غياب رؤية وبرنامج واضح للإصلاح.

وطالب نقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، في الاجتماع بتنفيذ مشروع الانتقال الرقمي لـ"الصحافة اليوم" فوراً، محملاً المسؤولية إلى الإدارة العامة للمؤسسة في التباطؤ وهدر الوقت والفرص لتحقيق عملية الإصلاح. ودعا الصحافيون المجتمعون إلى توضيح العلاقة بين إدارة التحرير والإدارة العامة التي يجب أن تكون في إطار الاحترام والتعاون وتغليب مصلحة المؤسسة والعاملين فيها، بعيداً عن التوترات والأهواء الشخصية. كما دعوا المدير العام لمؤسسة "سنيب لابراس" إلى لقاء عاجل مع الصحافيين لحل المسألة. واقترحوا سد الشغور في التحرير وإصدار تسميات رؤساء المصالح، وعقد اجتماعات دورية بين الإدارة العامة ورئيس التحرير لضبط مسار عملية إعادة الهيكلة والإصلاح في المؤسسة، وخاصة في جزئها المتعلق بـ "الصحافة اليوم".

"الصحافة اليوم" ليست وحدها التي تعاني في تونس. فالصحافة الورقية تعيش أزمة خانقة أدت إلى إغلاق الكثير من الصحف، ليتراجع عدد المنشورات الورقية من 255 عام 2010 إلى 50 عام 2019، نتيجة لارتفاع أسعار الورق 3 مرات، بسبب تدهور قيمة الدينار التونسي، وضعف الإقبال على شراء الصحف في البلاد إذ لا تتجاوز المائة ألف نسخة، يضاف إلى ذلك منافسة المواقع الإلكترونية الإخبارية وركود سوق الإعلانات التجارية التونسية. ودفعت هذه الظروف، منذ عام 2012، إلى إغلاق صحف "التونسية" و"الصريح" و"أخبار الجمهورية".
من جهة ثانية، عزا المدير السابق لـ"الصحافة اليوم" ورئيس تحريرها، هاشمي نويرة، الأزمة إلى اتباع الصحيفة خطاً تحريرياً مستقلاً منذ الثورة التونسية عام 2011، إذ حرصت على أن تكون على مسافة واحدة من كل الأطراف السياسية وهو ما عرضها إلى ضغوطات وتهديدات كبيرة، وفقاً له.

وكتب نويرة، على حسابه في موقع "فيسبوك" يوم الخميس الماضي، نصاً عنوانه "معركة الإعلام العمومي: التحرير المغلول وطريق عودة الاستبداد". وقال إن "الصحافة اليوم" كانت "مثالاً لافتاً على التوجّه الجديد للإعلام العمومي (الرسمي)، وهو ما قد يفسّر الكمّ الهائل من الضغوطات وحتّى التهديدات التي مورست ضدّها وضدّ صحافييها ". وأضاف "لم نلحظ على مدى السنوات أنّ عزيمة أعداء حرّية الصحافة والإعلام فترت، إذ تعدّدت الهجمات وتنوّعت الضربات واشتدّت في بعض الأحيان، ولكنّ الصحيفة صمدت، وذلك إيماناً من صحافييها بثقل المهمّة والمسؤولية المنوطة بهم". ورأى أنه "حان الوقت كي تفهم نقابة الصحافيين التونسيين أنّ كسب الرهان في معركة حرّية الإعلام العمومي واستقلاليته ومهنيته هو المفتاح الحقيقي للرّيادة في معركة الحرّيات عموماً".

رأي نويرة يسانده رئيس "الجمعية الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان والإعلام" في تونس، رضا كرويدة الذي حمّل ضمنيا الحكومة التونسية والفاعلين السياسيين مسؤولية الأزمة التي يعيشها قطاع الصحافة المكتوبة، من خلال عدم دعمهم له وتركه لمصيره الذي لن يكون حتما في ظلّ هذه الأوضاع إلا الاندثار. كرويدة أضاف في تصريح إعلامي، أثناء اجتماع المكتب التنفيذي للجمعية التي يترأسها الأسبوع الماضي في العاصمة التونسية، أن "الضامن الحقيقي لحرية الصحافة في أي مكان في العالم هو الصحافة الورقية بما تقدمه من مضامين للقراء، من خلال التحليل للأحداث بكل مهنية واستقلالية".

في المقابل، قال أحد المسؤولين في مصالح الإعلام والاتصال في رئاسة الحكومة التونسية، لـ"العربي الجديد"، إن الحكومة التونسية وضعت مع "جمعية مديري الصحف" والأطراف النقابية الممثلة للعاملين في قطاع الصحافة (النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة العامة للإعلام) خطة لإنقاذ القطاع من الأزمة المالية التي يعاني منها، وهو ما تمّ من خلال الإعفاءات الضريبية لأصحاب المؤسسات الإعلامية الورقية، ودعم الاشتراكات للمؤسسات الرسمية في الصحف الورقية، بما يوفر لها موارد مالية تساعدها على الصمود أمام هذه الأزمة التي تمرّ بها. وأشار المصدر نفسه الذي رفض الكشف عن اسمه إلى أن رئاسة الحكومة بصدد دراسة ملف الصحافة الورقية، بعد تكليف الإعلامي زياد الهاني برئاسة لجنة إصلاح وإعادة هيكلة مؤسسة "سنيب لابراس" منذ شهر أغسطس/آب عام 2019. زياد الهاني أعلن أخيراً أن اللجنة أنهت أعمالها وستقدمها إلى الحكومة التونسية، لكن لم يصدر إلى الآن أي قرار عن حكومة تسيير الأعمال، وقد تترك الأمر للحكومة المقبلة.

يذكر أن الرئيس التونسي، قيس سعيد، ورئيس الحكومة المكلف، حبيب الجملي، أكدا في أكثر من تصريح إعلامي أنهما سيدعمان حرية الصحافة في تونس، وسيعملان على البحث عن الحلول لمشاكل هذا القطاع العالقة، وتحديداً مشكلة الصحافة الورقية التي تزداد تعقيداً يوما بعد آخر، في ظل حالة الركود التي تعرفها السوق التونسية في مستوى الإعلانات التجارية وغياب توزيع عادل للإعلانات التجارية الرسمية.

المساهمون