صفقة "ماسبيرو"... تطوير التلفزيون المصري أم خصخصته؟

صفقة "ماسبيرو"... تطوير التلفزيون المصري أم خصخصته؟

24 فبراير 2020
أمام التلفزيون المصري عام 2013 (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -
قبل فترة، وقّعت الهيئة الوطنية للإعلام (مؤسسة حكومية مصرية) ومجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية برئاسة تامر مرسي (تابعة لجهة سيادية مصرية) عدة بروتوكولات مدتها خمس سنوات "بهدف تقديم محتوى أفضل ومتطور على شاشات التلفزيون المصري"، وذلك بتعاون الخبرات الموجودة في كل من التلفزيون المصري ومجموعة إعلام المصريين والمتحدة للخدمات الإعلامية.

يقضي البروتوكول الموقع بين الهيئة الوطنية للإعلام والمجموعة المتحدة بإتاحة محتوى التلفزيون على المنصة الرقمية الجديدة Watch iT حصريًا، والتي أطلقتها المجموعة المتحدة للخدمات الرقمية شهر رمضان الماضي، بعد أن حصلت على الحقوق الرقمية للمحتوى الدرامي والبرامجي المميز على شاشات القنوات المختلفة، لتتيح للمستخدم مشاهدة الأعمال ومتابعتها من خلال المنصة وبصورة حصرية.
وبذلك فإن المجموعة المتحدة التي تملك أغلب الصحف الخاصة والقنوات الفضائية المصرية الخاصة، أصبحت تمتلك التلفزيون المصري الحكومي أيضًا لتسيطر على ما يقرب من 90% من الإعلام المصري.

توالت البيانات الصادرة عن المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية بشأن عملية التطوير والتغيرات التي ستُدخلها على المنظومة اعتبارًا من 22 فبراير/شباط الجاري. وبذلك، فإن السبت الماضي كان بمثابة اليوم الفارق في كيان مبنى الإذاعة والتلفزيون المصري العملاق "ماسبيرو"، وسيشهد تحولًا فارقًا، ومحطة قد لا تعود بعدها ملكًا للمصريين، بعدما قررت الهيئة الوطنية للإعلام المسؤولة عن ماسبيرو بالأمر المباشر إسناد هذا الكيان العملاق لشركة قطاع خاص مملوكة بالكامل لجهاز المخابرات العامة المصرية.

اعتبارًا من ذلك اليوم، انطلق برنامج "صباح الخير يا مصر" بطاقم عمل جديد اختارته المجموعة المملوكة للمخابرات العامة المصرية، وسيعرض بالتوازي مع قناة "أون تي في" الخاصة التابعة لنفس الجهاز السيادي. فيما استضاف الإعلامي وائل الإبراشي الفنان المصري محمد رمضان، في أولى حلقات التاسعة مساءً على التلفزيون المصري، ما خلّف حملة مقاطعة على مواقع التواصل الاجتماعي، وحملةً شعبيّة غاضبة.


مساعي تطوير ماسبيرو كشف عنها عدد من العاملين في التلفزيون المصري، واشتكوا منها مرارًا، وكانت آخرهم الإعلامية هالة أبو علم، التي كشفت عبر حسابها الخاص على موقع التواصل الاجتماعي عن نتيجة هذا التطوير، فكتبت: "بمناسبة إذاعة برومو برنامج التاسعة الذي سيقدمه وائل الإبراشي ومعه مذيعة (لا أعرف اسمها) بيقولوا فيه (إحنا التلفزيون المصري) ومع احترامي لزملائي المشاركين.. جيتوا تأخذوا فرص آخرين كانوا بيشتغلوا في نفس التوقيت وقلنا طيب. اتلغت نشرة ٩ وهي النشرة الرئيسية في التلفزيون المصري على مدار سنوات طويلة ويتابعها الجمهور في مصر والعالم وارتبط بها المشاهدون من صغرهم ولغاية دلوقت.. وقلنا طيب.. وفّرتوا كل الإمكانيات المادية والبشرية للبرنامج، ولم توفروها لأصحاب البيت الأصليين.. وقلنا طيب.. قلتوا على التلفزيون المصري إنه فاشل وعلى من يشتغلوا فيه فشلة ومنعتوا ضخ أي دماء جديدة فيه ووقفتوا التعيين؛ لأن فيه عمالة زيادة وكمالة عدد وتوصل لستين ألف عامل (وطبعا كلها إشاعات) وقلنا طيب. اخترتم مجموعة تشتغل ومجموعة لم ينالها حظ أو شرف الاختيار وأصابها ما أصابها من إحباط.. وقلنا طيب.. لكن تتمسّحوا في التلفزيون المصري وتطلعوا دون ذرة من خجل تقولوا: إحنا التلفزيون المصري.. يبقي لأ ألف لأ".

ومن أبرز مقدمي النشرة وفقًا للتطوير، أميمة تمام، سحر ناجي، نهى توفيق، دينا عصمت، رغدة أبو ليلة، ريهام الديب، ريهام النمر، آية كافوري، مصطفى ميراز، أحمد عبد الصمد، ويوسف عابدين. كما أن النشرة تستمر من التاسعة وحتى العاشرة مساء، لتبدأ فترة جديدة تمتد حتى منتصف الليل ويقدمها الإعلاميان وائل الإبراشي وناردين فرج.

وفسرت أبو علم حديثها: "لأنكم مش منه.. وعمركم ما حتكونوا منه.. تعرفوا إيه أنتم عنه؟ تعرفوا بين الدور والدور كام سِلمة؟ حطيتوا إيديكم على حيطانه تتسندوا في الطلعة والنزلة عشرة عشرين سنة؟ تعرفوا الإذاعة الدور الكام؟ تعرفوا الطرقة بتاعتها مفتوحة ولا مقفولة؟ اشتغلتوا وقبضتوا ملاليم متفتحش بيوت بس كنت بتروحوا مبسوطين إن ربنا ساترها معاكم وتبوسوا إيدكم وش وظهر؟ تعرفوا عم عريان أو ناصر؟ اتجمعتوا بعد (صباح الخير يا مصر) في استوديو 16 مذيعين ومخرجين ومعدّين وفنيين تفطروا فول وطعمية سخنة وعيش بلدي لسه طالع من الفرن من جنب المبنى؟ جربت تصحى 3 و4 الفجر وتمشي والناس لسه نايمة علشان عندك شيفت إذاعة تقدم فيه (عالم الصباح) وتذيع لهم (يا صباح الخير ياللي معانا)؟ سافرتوا تعملوا إذاعة خارجية في شرق العوينات وأنتم راكبين عربية دوبل كابينة يعني نص نقل".

واستطردت في كتابتها الحزينة على ذكرياتها في ماسبيرو وإقصاء عدد كبير من العاملين فيه بدواعي التطوير: "تقدر تقولي مين الأساتذة اللي قابلتهم واتعلمت على أيديهم.. صبري سلامة ولا محمد سناء ولا عواطف البدري ولا أحمد رضوان ولا زكريا عشوش ولا هالة الحديدي ولا أمنية عزمي ولا سناء منصور ولا إيناس جوهر ولا حكمت الشربيني ولا إبراهيم صبري ولا عمر بطيشة ولا وجدي الحكيم ولا نادية صالح ولا عبد الوهاب قتاية ولا فاروق شوشة ولا أمين بسيوني"، وجميعهم أسماء إعلاميين وإذاعيين مخضرمين كانوا أساتذة لمئات العاملين في مجالي الإذاعة والتلفزيون في مصر والعالم العربي. وتابعت أبو علم: "اشتغلتم أثناء فرض حظر التجوال ومكنش حد بيشتغل أو يمشي في الشارع غيركم؟ اشتغلتم والحصار مفروض على مبنى ماسبيرو وقوات الجيش والشرطة حواليه والمتظاهرين رأسهم وألف سيف ميتظاهروش إلا قدّامه ومع ذلك نزلت من البيت ودخلت المبنى بأعجوبة علشان بعد كدة تطلع تأدي واجبك كما هو مطلوب وبلا تقصير؟ نفذت شيفتاتك في رمضان والناس كلها قاعدة مع عيلتها تفطر وأنت متقدرش تاكل إلا بعد الشغل ما يخلص وتروّح؟ عشت أيام مصر الهامة وأنت زي الجندي اللي على خط النار جاهز للنزول والشغل في الشارع وجوة الاستوديو وقت ميطلبوك ساعة الفجر أو عز الليل؟ نمت على كرسي جوة الاستراحة علشان تقوم تقول موجز 3 و5 صباحًا والناس في بيتها متغطية في عز التلج والبرد؟ أنا متأكدة إن الإجابة معروفة.. يبقى أنتم مش التلفزيون المصري.. ولا عمركم حتكونوا التلفزيون المصري.. عارفين ليه؟ لأن الجمهور ذكي وعارف أنتم مين".


وأوضح مصدر مطلع من داخل المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية لـ"العربي الجديد" أن رئيس قناة "أون" السابق ألبرت شفيق هو الذي يدير خطة التطوير المزعومة بالتلفزيون المصري، وإنه يوجد في ماسبيرو منذ فترة طويلة، وهو صاحب الأمر والنهي في كل ما يتعلق بالنشرات والبرامج الجديدة. وأضاف المصدر، الذي فضل عدم نشر اسمه، أن شفيق اتصل بصحافيين ومعدين وفنيين من الذين تم تسريحهم قبل فترة من قنوات "أون" و"دي إم سي" و"الحياة" التابعة لإعلام المصريين بعد تصفية معظمها، وطلبهم للعمل معه مرة أخرى ولكن هذه المرة في "ماسبيرو".

وقال المصدر إن العاملين الجدد الذين تم توظيفهم في التلفزيون المصري بعقود مؤقتة مدتها عام، وبينهم معدو برامج وفنيو "مونتاج" و"غرافيك" وما إلى ذلك من المهن الداعمة للعمل التلفزيوني، هم المسؤولون مسؤولية تامة عن "صباح الخير يا مصر" ونشرة التاسعة والبرنامج المسائي الذي يليها ويقدمه الإبراشي. ولفت إلى أن الطاقم الجديد هو الذي أصبح مسيطراً الآن داخل ماسبيرو ويعمل من "استوديو 11" الذي كان مخصصًا لنشرة التاسعة، مضيفًا أن الطاقم القديم من المذيعين والمخرجين والفنيين من أبناء التلفزيون غادروا الاستوديو تماماً، وتم نقلهم إلى أحد استوديوهات الإذاعة بطابق آخر من طوابق المبنى.

إلى ذلك، قال أحد العاملين القدامى بـ"ماسبيرو" لـ"العربي الجديد" إن إدارة المبنى أبلغتهم أنه بداية من الأول من شهر مارس/آذار المقبل لن يكون باستطاعتهم ركن سياراتهم في الموقف الخاص بالتلفزيون والذي يقع خلف المبنى لكنه ملحق به؛ لأنه سيهدم ويدخل ضمن مشروع "مثلث ماسبيرو". ولفت المصدر إلى أن الموقف لن يكون المبنى الوحيد الذي "سيخصم من مبنى ماسبيرو العريق، لكنَّ هناك مبنى ملحقًا آخر يقع في الجهة الشمالية للمبنى سيتم هدمه أيضًا وبيع أرضه لمشروع تطوير مثلث ماسبيرو".

وقال المصدر إنه "مع إسناد البرامج في التلفزيون المصري لشركة خاصة بطاقم عاملين من الخارج، إضافة إلى التنازل عن أصول مملوكة لماسبيرو ستكون الخطوة الأولى في خطة خصخصة التلفزيون المصري بالكامل، وبيع أصوله تدريجيًّا قد أنجزت".

المساهمون