العراقيون يهجرون صفحات السياسيين

العراقيون يهجرون صفحات السياسيين على شبكات التواصل

20 فبراير 2019
كان العبادي من الأكثر متابعة خلال ترأسه الحكومة(كارل كورت/Getty)
+ الخط -
لم تعد صفحات ومواقع السياسيين العراقيين والمسؤولين وزعماء الأحزاب والكتل، وحتى الشخصيات الجدلية في البلاد، مزدهرةً بالتفاعل مثلما كان الأمر خلال السنوات الماضية، إذ تتراجع أعداد المعجبين بهذه الشخصيات بشكل مستمر. وبرغم التمويل الذي تستغله إدارات هذه المواقع من أجل رفع الكتابات والبيانات الحزبية والسياسية، إلا أنه لا يفضي لنتيجة إيجابية. ولعل الأمر اتضح جيداً مع نهاية حكومة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي الذي اجتاز غالبية السياسيين على "فيسبوك"، ولكنه عاد إلى مراتب متدنيّة من التواصل مع العراقيين. في حين لا يسيطر حالياً على منصة "تويتر" سوى رئيس حزب "تمدن" فائق الشيخ علي، الذي لا يسلم هو الآخر من حملات الانتقاد جراء لهجته العامّية التي يستخدمها في كثير من الأحيان وتصل إلى حد الابتذال، ما أدى إلى تراجع موقعه أيضاً، خصوصاً مع بدء عمل الحكومة الجديدة، ومديحه المبالغ فيه لرئيس الجمهورية برهم صالح، بحسب مراقبين.

ولا يقتصر الموضوع على صفحات رئيس الجمهورية العراقي، ورئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيسة حركة إرادة حنان الفتلاوي، ونوري المالكي، وسليم الجبوري وأياد علاوي وغيرهم، والتي طاولها استهزاء المواطنين بالطرح السياسي الذي لم يتغير منذ عام 2003، ولغاية الآن. واستغل بعض العاطلين عن العمل من الخريجين، هذه الصفحات، للكتابة بشكل جماعي وموحد، مطالب تتعلق بالتعيينات وتوفير فرص عمل، أو نقل مظالمهم ومواقف تحصل معهم في دوائر بعض الموظفين. ولا يتفاعل غالبية المسؤولين مع هذه التعليقات، إلا أن تعرض أحد المسؤولين لانتقاد لاذع من مواطن، يدفع بالمسؤول أو مدير الصفحة إلى الرد بشكل قاسٍ، وهذا الأمر شاهده العراقيون كثيراً، وتحديداً في صفحة حنان الفتلاوي، التي وصلت إلى حد التنمر على المخالفين لها بالرأي أو المعترضين على قراراتها.

ومما دفع المهتمين بالشأن السياسي وتطوراته إلى مغادرة صفحات المسؤولين على المنصات التفاعلية، هي ظاهرة الابتزاز والفضائح التي طاولت صفحات معينة. إذ شاهد العراقيون كيف تنازعت إدارات الصفحات على كشف هوية مديري بعضها البعض، وتحديداً ما حصل مع صفحة حنان الفتلاوي. إذ كشف ناشطون يعملون في صفحات مسؤولين آخرين، عن هوية "آدمن" الصفحة، وتعرف المتابعون على شخصية إعلامية بارزة تقدم برنامجاً سياسياً في إدارة صفحة الفتلاوي، حتى أجبر في النهاية على الاعتراف عبر حسابه الخاص.

يقول نائب من ائتلاف "النصر" الذي يقوده رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي، إنّ
"الجمهور العراقي تراجع ولو بنسبة قليلة عن التفاعل مع الصفحات الخاصة بالسياسيين على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة منذ انتهاء الانتخابات البرلمانية العام الماضي، والسبب هو استهداف السياسيين لهذه المواقع خلال ترويجهم لمشاريعهم سواء الانتخابية أو الوزارية والنيابية بعد فوزهم وهذا الترويج لم ير الشعب منه شيئاً حقيقياً". ويُبيّن لـ"العربي الجديد" أن "الصفحات التي أنشأتها الأحزاب على موقعي "فيسبوك" و"تويتر" من أجل التواصل والتقارب مع جمهورها بسهولة بدأت تخسر من تابعها، فيما يضغط المواطنون على زر إلغاء الإعجاب بعدما شعروا بإهمال تعليقاتهم على منشورات وصفحات السياسيين والأحزاب وتيّقنهم بأنهم أشبه بمن يطرق باب منزل خالٍ من السكان".
ويتابع أن "الكتل والشخصيات السياسية في كل حملة انتخابية تبحث عن وسيلة لإيصال رسالتها إلى الجمهور وفي كل دورة انتخابية يتخذون وسيلة تختلف عن سابقاتها، وفي هذه الدورة كانت الوسيلة هي مواقع التواصل الاجتماعي، واليوم إذا خسر السياسي جمهور هذه الوسيلة فمن الصعب عليه أن يقنعهم بوسائل أخرى، خاصة أن الجمهور العراقي قد هجر التلفاز وتوجه نحو الإنترنت". ويوضح أن "الجمهور لم يترك التواصل مع السياسي لأنه سياسي، بل لأنه فقد الثقة به، لذلك هناك قلة من السياسيين تمكنوا من زيادة جمهورهم نتيجة التقارب بينهم وتحقيق الإنجازات في عملهم".

من جهته، يُشير الباحث بشؤون الإعلام، علاء الحسناوي، إلى أن "السياسيين لا يعتمدون خطاباً متطوراً في تواصلهم مع جماهيرهم أو العراقيين عموماً، وخطاباتهم ضعيفة، وذلك لأن إنجازاتهم محدودة. فمثلاً ينشر موقع رئاسة مجلس الوزراء منشوراً موجهاً لشعب محرومٍ ويعاني من أوجاع البطالة وقلة الخدمات والحال الأمني المتردي، ويقول إنّه خصص لكل فرد عراقي نصف كيلو من العدس ضمن الحصة التموينية... حتماً مثل هذا الطرح سيُعرض الصفحة في "فيسبوك" إلى إهمال بالإضافة إلى تحملها قدراً كبيراً من السخرية"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن "الشعب العراقي يشعر بملل كبير، مع الإحساس باللاجدوى من الخطابات الحكومية والبيانات الفضفاضة التي تطلق، يقابله استمرار بالإهمال الحكومي".

بدوره، يرى محمد حسين، وهو محرر في صحيفة عراقية محلية، أن "حيدر العبادي كان من أكثر الشخصيات متابعة وتأثيراً خلال أعوام حكمه البلاد، ولو عاد أي متابع لصفحة العبادي إلى منشورات سابقة، سيجد أن التعليقات الداعمة له أكثر من المنتقدة لخطواته، ولكنه مع انتهاء حكمه، وتوجهه إلى تحالفات مع سياسيين متهمين بالفساد، أدرج شعبياً ضمن المنبوذين"، مبيناً لـ"العربي الجديد" أن "تفاقم تجاهل السياسيين من قبل المتابعين، سيُعمق من الفجوة بين مصدر القرار المتمثل بالشعب، ومصدر التنفيذ، وبالتالي سيكون المنفذون بعيدين عن الجماهير بسبب عدم معرفة الآراء الشعبية، وبالعكس، وهذا الأمر يوّلد تدريجياً إهمالاً شعبياً لأي خط سياسي، وبالتالي يكون الشعب في وادٍ والحكومة في وادٍ آخر".

المساهمون