"درون" ضاحية بيروت الجنوبية وما بعدها: السخرية حقيقةً وحيدة

"درون" ضاحية بيروت الجنوبية وما بعدها: السخرية حقيقةً وحيدة

بيروت

دجى داود

avata
دجى داود
26 اغسطس 2019
+ الخط -
لا يُمكن قراءة مواقف اللبنانيين السياسية والأمنية على مواقع التواصل الاجتماعي، خلال المرحلة الحاليّة، من دون اعتبار الحدث سابقةً، كون هذا الطارئ - الخبر، والتعامل معه، يختلفان تماماً عما حدث سابقاً من حالات مماثلة. ذلك أنّ طائرتين مسيّرتين (درون) سقطتا ليل أول من أمس في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، إحداهما انفجرت والثانية سيطر عليها "حزب الله"، فيما قال الأمين العام للحزب، حسن نصرالله، إنّ ذلك أول هجوم إسرائيلي داخل لبنان منذ عدوان 2006 (متوعّداً بالردّ السريع)، في ظلّ عدم إعلان إسرائيل مسؤوليّتها. هذا في شكل "الخبر" المنقول إعلامياً، والذي يفرضه الحدث وتبعاته والتصريحات من بعده، لكن في المعلومة، ليس هناك ما يُذكر. إذ لا يعرف أحدٌ حقيقة ما حصل، رغم الروايات والأقاويل والتحليلات والتهديدات، وذلك، للعارف بطبيعة لبنان، بديهيّ، كون مكان الحدث منطقة يُسيطر عليها "حزب الله"، ولا مجال لانتشار "معلومة"، إلا وفق ما يناسب رواية الحزب. 

في آخر عدوان إسرائيلي، عام 2006 (استمرّ شهراً وراح ضحيّته 1200 في لبنان)، لم تكُن مواقع التواصل الاجتماعي حاضرةً، بعد، في حياة اللبنانيين. كان الإعلام التقليدي هو ناقل الخبر الوحيد (في حالة توفّر التيار الكهربائي أصلاً)، وكان الناس يتسمّرون أمام الشاشات كي يعرفوا التطورات، وكيف سيخرجون من مناطق حوصروا فيها، أو متى قد تنتهي الحرب. بعد 13 عاماً، تغيّر المشهد، فكما دخلت التكنولوجيا في العسكرة، دخلت أيضاً في صلب الحديث عن الحرب، وبات الجميع قادراً على تصدير مواقف لحظويّة حول الأحداث. والأهم، هنا، أنّ مَن كانوا أطفالاً خلال حرب تموز 2006، أصبحوا اليوم شباباً وناشطين على مواقع التواصل.

لكن السنوات الـ13 التي مرت منذ تموز 2006 غيّرت الكثير: من نظرة اللبنانيين إلى دور "حزب الله" في "المقاومة"، وصولاً إلى اجتياحه بيروت عام 2008، ثم دخوله الحرب السوريّة ليقف مع نظامٍ يقتل شعبه ليمنعه من السقوط عام 2013... كلّها أحداث محوريّة جعلت من المواقف السياسية للبنانيين أكثر حدة ووضوحاً، ورفضاً للتمييع والذوبان خلف شعارات كبيرة.

انطلاقاً من كل ما سبق، يختلف اللبنانيون في آرائهم حول الأحداث الأخيرة، لكنّهم يتّفقون على مخرجٍ واحدٍ لها: السخرية. هكذا، بات "فيسبوك" منطلقاً للنقاش والتحليل العسكري - السياسي، فيما "تويتر" (بأغلبه) تُسيطر عليه رواية "حزب الله"، تبعاً لضخامة الماكينة الإعلامية التي يملكها الحزب (وحلفاؤه أو مؤيدوه) على تلك المنصّة، والتي ترتكز أولاً على الذباب الإلكتروني والمال لشراء الترند.

والحقيقة، أنّ أغلب ما كُتب وسيُنشر على مواقع التواصل، من مواقف مواطنين وسياسيين وإعلاميين وفنانين، هو نقاشٌ مفتوح ومشروع وسيناريوهاته قابلة للتحقّق، فيما تبقى طبيعة الخبر المُبهم نسبياً أبرز ما يُشرّع الأبواب أمام كلّ تلك النظريات. لكنّ ما يجمع هذا وذاك، هو السخرية. وبينما يسخر مؤيّدو الحزب من المسؤولين الإسرائيليين بشكلٍ أساسي، يسخر لبنانيون آخرون من الرواية الرسمية (الصادرة أصلاً من حزب الله)، فيطرحون أسئلة حول: إسقاط الطائرتين المسيّرتين، انفجار إحداها، وتخبّط الرواية الإعلاميّة منذ فجر الأحد وحتى ظهر الإثنين، وغياب الدولة اللبنانيّة وحرجها (رغم إشراكها في التحقيق والتصريحات)، والمعرفة التقنية التي تُحدد للجمهور تفاصيل الطائرتين، واحتمال اندلاع الحرب ورفضها، وتصريحات نصرالله ومعانيها، وصولاً إلى قطعة الأحجية التي تصل الاعتداءات الإسرائيليّة في سورية والعراق بما حصل في الضاحية الجنوبية والغارة على الجبهة الشعبية في البقاع. وكلّها، بالمناسبة، تبقى بلا جوابٍ أكيد.

يُستقى كُلّ ذلك من منشورات لبنانيين يتفاوت موقفهم من "حزب الله" بين مؤيّد تام ومناصر ومتّفق في ملفّ "المقاومة" ومعارض مطلق، وبينهم صحافيون محسوبون على الحزب نفسه (منها مضمّن أدناه). ما يبقى أكيداً، حقيقتان: هذا بلدٌ منقسم عمودياً وإعلامه لا يقوم بدوره في نقل خبرٍ يتضمّن معلوماتٍ وأجوبة (عن قصد أو من دون). وهذا بلدٌ بات مواطنوه يسخرون من الحرب مع إسرائيل وفكرتها وروايتها، ويجاهرون برفضها، بعدما كان ذلك أقرب إلى "التابو" كون صاحب هكذا رأي يُخوّن بتهم معلّبة تتّهمه بعدم الوطنية وبالتساهل في ملف الاعتداء على لبنان، أو حتى بالعمالة لإسرائيل.

ذات صلة

الصورة
مشهد لموقع مجمع الشفاء الطبي في غزة في 1 إبريل 2024 (محمد الحجار)

مجتمع

كشف فلسطينيون كانوا في مجمع الشفاء الطبي ومحيطه في شمال قطاع غزة عن فظائع ارتكبتها القوات الإسرائيلية في خلال اقتحامها المستشفى قبل انسحابها منه كلياً.
الصورة
فلسطينيون والمقر الرئيسي لوكالة أونروا في قطاع غزة وسط الحرب (فرانس برس)

سياسة

قالت صحيفة "ذا غارديان" إن إسرائيل قدمت للأمم المتحدة مقترحاً لتفكيك وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، ونقل موظفيها إلى وكالة أخرى.
الصورة
الأستاذة الجامعية الهولندية ثيا هيلهورست التي تخوض إضراباً عن الطعام دعماً لقطاع غزة (إكس)

مجتمع

تنفّذ الأستاذة الجامعية الهولندية ثيا هيلهورست إضراباً عن الطعام أمام برلمان بلادها، من أجل لفت الانتباه إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة والجوع فيه.
الصورة
بيان أبو سلطان (إكس)

منوعات

أعلنت الصحافية الفلسطينية بيان أبو سلطان "نجاتها"، بعدما اعتقلها جيش الاحتلال الإسرائيلي في مستشفى الشفاء، غربي غزة، وانقطعت أخبارها منذ 19 مارس/آذار الحالي.