حرب النظام على الحقيقة: "فيسبوك" سوري الصنع

حرب النظام على الحقيقة: "فيسبوك" سوري الصنع

30 ابريل 2019
استخدم فيسبوك لنقل سوء الأوضاع المعيشية(عمر الحاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -
لم تكن أزمة البنزين الأخيرة في سورية أولى المشاكل المعيشية التي ينتقل صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي. إذ سبقتها أزمة الغاز، وقبلها غلاء أسعار المواد الغذائية، ما أدى إلى انتشار تدوينات لسوريين مؤيدين لنظام بشار الأسد، ينتقدون فيها سوء الأحوال في دمشق تحديداً. وكان "فيسبوك" الموقع الأساسي الذي استخدمه هؤلاء السوريون للتعبير عن غضبهم.

وفي ظلّ تحوّل الموقع الأزرق إلى منصة لكشف المشاكل المعيشية في سورية، أعلن وزير الاتصالات السوري، غسان سابا، عن نية الحكومة "إصدار تطبيق جديد مشابه لفيسبوك، ليكون بديلاً وطنياً عنه يستخدمه الناس في الداخل السوري". وذكر سابا في تصريحٍ لمجلة تدعى "مسارات"، أنّ التطبيق سيكون مخصصاً فقط للسوريين في الداخل، مضيفاً أنّ "الهدف من ذلك هو الحفاظ على سرية المعلومات الشخصية للمواطنين لمنع نشرها والتلاعب بها خارج الحدود السورية". 


وكان إعلام النظام قد مهّد في الآونة الأخيرة لإجراءات رقابية مشدّدة حول الإنترنت. وجاء ذلك تحديداً بعد خطاب رئيس النظام بشار الأسد، (17 فبراير/ شباط 2019)، والذي تحدّث فيه عن "حروب جديدة تقودها حكومته"، من ضمنها حرب الإنترنت التي ساهمت، على حد زعمه، "بتخريب عقول المواطنين وزرع الفتنة ونشر الفوضى". بعدها، بدأت القنوات الفضائية التابعة للنظام السوري باستضافة محللين وخبراء، ليُطالبوا بحجب مواقع التواصل الاجتماعي "للحفاظ على عقول الشباب السوري من أي تحريض خارجي".

ويبدو أن الخطوة الأولى التي يخطط لها نظام الأسد هي حجب "فيسبوك" في سورية. ولعلّ "استبداله ببديل محلي" (لم يُعلَن عن اسمه بعد) هو خطوة أخرى لضمان الرقابة الداخلية على مستخدميه، وذلك للاستفادة من البيانات الشخصية للمستخدمين لبناء قاعدة من المعلومات الشخصية يستخدمها النظام لصالحه، هذا بالإضافة إلى منع فضح الحقائق عن قمع السوريين.
ويأتي ذلك الإجراء ضمن مجموعة اتبعتها الحكومة السورية مع بداية العام لضبط الرقابة الإلكترونية على الأصوات السورية المعارضة في الداخل، ومن ضمنها إصدار قوانين جديدة خاصة بمكافحة جرائم المعلوماتية. تعاقب هذه القوانين كل من يستخدم حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر أخبار كاذبة أو مبالغ فيها أو "تهين من عزيمة الأمة"، كما تغرمه بمبالغ مالية مرتفعة. وتصل تلك العقوبات إلى الحكم بالسجن والأشغال الشاقة المؤقتة أو المؤبدة.

لكن لماذا يريد النظام السوري اليوم، العودة إلى عزلته التي كان يعيشها في الثمانينيات والتسعينيات؟ الحقيقة أن حرب السلطة على مواقع التواصل، بدأت مع انطلاق الثورة في شهر مارس/ آذار 2011، حيث اتهمها النظام وإعلاميوه وجمهوره بتأجيج المشاعر الغاضبة ضد الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد. وها هو الغضب يعود اليوم ليظهر على هذه المواقع لكن بسبب الأوضاع المعيشية. هذا إضافةً إلى أنّ وسائل التواصل كانت الأداة الأكثر نجاعة لتوثيق جرائم النظام السوري وانتهاكاته بحق المدنيين منذ بداية الثورة السورية إلى اليوم، حيث ظهرت العديد من التنسيقيات والمجموعات التي نشرت ورصدت أفعال النظام السوري.

وسبق أن قام النظام السوري بحجب موقع "فيسبوك" عام 2007 في سورية، إلا أن الحجب لم يمنع السوريين في الداخل من إنشاء حسابات شخصية لهم على الموقع الأزرق، من خلال استخدام تطبيقات كسر الحجب (في بي إن). ولكن بعد أشهر من اندلاع الثورة، أصدر النظام قراراً بفكّ حظر بعض المواقع الإلكترونية ومن ضمنها "فيسبوك" في محاولة منه لإرضاء وإسكات بعض الأصوات المعارضة والمتمردة عليه، وفي محاولة منه أيضاً لضبط عمليات تسجيل الدخول وتشديد الرقابة على مستخدمي "فيسبوك" من خلال تشريعه.

يُذكر أنّ سورية ليست الدولة الوحيدة التي تتبع سياسة حجب مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطلق تطبيقات بديلة عنها. فقد قامت حليفة الأسد الأساسية، أي إيران، بعمليات حجب شاملة، طاولت معظم مواقع التواصل. كما أنّ الصين، حليفة النظام أيضاً، وفق دراسة لجامعة "هارفرد"، تحجب أكثر من 18 ألف موقع، ومن ضمنها عدد كبير من التطبيقات الشائعة، منها "فيسبوك"، و"غوغل مابس"، و"تويتر"، و"إنستغرام". وعام 2008 حجبت موقع "يوتيوب" نتيجة الاحتجاجات في التيبيت وطرحت بديلاً اسمه youku وقامت بتشديد الرقابة على محتواه، وكذلك حاولت أن يكون تطبيق "وي تشات" بديلاً عن "فيسبوك" بعد حجبه. كما قامت روسيا بحجب "فيسبوك"، وأطلقت بديلاً له عام 2006 اسمه vk أو "فيكونتاكتي"، وهو مشابه بدرجة كبيرة لـ"فيسبوك" من الناحية البصرية والعملية.

المساهمون