مئات الاعتداءات على صحافيي فلسطين

مئات الاعتداءات على صحافيي فلسطين

31 ديسمبر 2016
الاحتلال يطلق الغاز على صحافيين فلسطينيين (عباس موماني/فرانس برس)
+ الخط -
52 منشورًا في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" كانت كافيةً لإدانة الصحافي الفلسطيني سامي الساعي (38 عاماً)، من مدينة طولكرم (شمالي الضفة الغربية)، والذي يعمل مراسلاً ومحرراً في تلفزيون "الفجر الجديد" المحلي بمدينة طولكرم، بتهمة التحريض ضد الاحتلال الإسرائيلي، بعدما تم اعتقاله في شهر مارس/ آذار من العام 2016، وتمت محاكمته بالسجن لمدة 9 أشهر بسبب التهمة ذاتها. 

في التحقيق، طبع المحققون الإسرائيليون للصحافي الساعي تلك المنشورات، فكان الخيار أمامه إمّا الاعتقال الإداري أو الإقرار بأن حساب "فيسبوك" له، ولم يكن يعلم بعد إقراره أن تهماً كهذه سيحاكم عليها بالسجن مدة 9 أشهر، رغم علمه بتهديدات الاحتلال المتعلقة بالاعتقال على خلفية التحريض حينها.
منشورات الساعي على "فيسبوك" كانت في غالبها تتعلق بأخبار الشهداء خلال الانتفاضة الحاليّة. إذ يؤكد في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ ما يجري مؤشر خطير لاستهداف الكثير من الصحافيين الفلسطينيين. فمن الطبيعي أن يتداول الصحافيون الفلسطينيون أخباراً تخص قضيّتهم، كاشفاً أنه "تم التحقيق معه حول أنه يجب أن لا يذكر كلمة شهيد بل قتيل لأنهم (أي الشهداء) يقتلون الإسرائيليين".
16 بنداً كانت لائحة اتهام الساعي، تضمنت 52 منشوراً في "فيسبوك" بالتاريخ والساعة وعدد الإعجابات والتعليقات وإعادة النشر لتلك المنشورات، "حيث يريد الاحتلال معرفة مدى التفاعل على صفحتي، وما لذلك من أثر في تأجيج مشاعر الفلسطينيين"، يقول الساعي.


الاستهداف الإسرائيلي لم يتوقف
رغم أن استهداف الصحافيين في العام 2016، قد قل عن العام 2016، بالاعتداء عليهم وإصابتهم خلال تغطيتهم للمواجهات ضد الاحتلال، إلا أنها لم تتوقف، إذ يروي الصحافي نضال أشتية، من نابلس، وهو مصور لوكالة الأنباء الصينية في شمال الضفة، حادثة إصابته في 2 من سبتمبر/ أيلول من العام 2016، خلال تغطيته لمسيرة سلمية في بلدة كفر قدوم، شرق قلقيلية، فأصيب برأسه بقنبلة غاز صاروخية ممنوع استخدامها في المسيرات السلمية، رغم ابتعاده عن المتظاهرين مسافة 20 مترا وارتدائه ملابسه الصحافية اللازمة.
سقط أشيتة أرضاً ثم فقد وعيه، ونقل بسيارة إسعاف لمستشفى رفيديا بنابلس، وتلقى العلاج، حيث إن هذه الإصابة لم تكن الوحيدة، فقد أصيب برصاصة مطاطية خلال تغطيته لمسيرة سلمية بذكرى النكبة على حاجز حوارة، جنوب نابلس، في العام 2015، وفقد 30% من الرؤية بسبب ذلك وسببت له ارتفاعا مزمنا بضغط الدم، وتوسع بؤبؤ العين، وفق ما يقول لـ"العربي الجديد".
يشير الصحافي أشتية إلى أن اعتداءات الجيش الإسرائيلي بحق الصحافيين الفلسطينيين متواصلة، فما من رادع لهم عن أعمالهم، وهو تصريح غير مباشر لهم باستمرار الاعتداء على الصحافيين، لكن أشتية يؤكد أنه قام برفع قضيتين بشأن هاتين الحادثتين أمام المحاكم الإسرائيلية.
ويؤكد غازي بني عودة، مسؤول وحدة الرصد في المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى)، أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تنعكس إيجابا على حرية الإعلام خلال عام 2016، بل زادت الهجمة على حرية التعبير من خلال توقيف وملاحقة بعض الصحافيين ومئات المواطنين الفلسطينيين على خلفية التعبير عن آرائهم في مواقع التواصل الاجتماعي والذين تم الإفراج عن الكثيرين منهم.
وحذر من أن تنعكس سلباً قضية التفاهمات بين شركة "فيسبوك" والاحتلال، حول المضمون والمحتوى في الموقع، على ما سمي بالتحريض ضد إسرائيل، ما قد يفتح الباب أمام دول أخرى تتخذ إجراء من هذا القبيل.


داخلياً.. اعتقالات واستدعاءات ومنع من التغطية
رغم مرور نحو 6 أشهر على الإفراج عنه عقب اعتقاله لمدة 37 يوما من قبل جهاز المخابرات الفلسطيني في مايو/ أيار من العام 2016، إلا أن مراسل قناة الأقصى الفضائية طارق أبو زيد (40 عاما)، لم ينسَ صنوف التعذيب التي تعرض لها والإهانات التي تلقاها خلال فترة التحقيق معه والتي كانت حول طبيعة عمله الصحافي، ويعترف أن اعتقاله وما لاقاه أثّر على نفسيته في العمل.
يروي أبو زيد، الذي اتهم بـ"نشر أخبار كاذبة، والنيل من هيبة السلطة، وإثارة النعرات الطائفية" حينها، لـ"العربي الجديد"، ما جرى معه خلال التحقيق، فقد حُقق معه على خلفية عمله الصحافي حول إعداده تقارير مرئية ومكتوبة عن التعذيب في سجون السلطة الفلسطينية تناول فيها شهادات أناس تعرضوا للتعذيب موثقة بالصوت والصورة، وحقق معه كذلك حول علاقاته الشخصية طيلة عشرين عاما مضت.
بينما يشير إلى أنه ذاق شتى صنوف الإهانة والتعذيب، من بينها الحرمان من النوم والصفع على الوجه ومحاولة كيّه في عينه باستخدام سيجارة مشتعلة، والدوس على مناطق حساسة في منطقة الجهاز التناسلي، علاوة على التعذيب النفسي من خلال التهديد باعتقال زوجته وزميلته بالعمل.
في حين يروي أبو زيد محاولة 5 محققين إجباره تحت التعذيب على أن يُظهِر بشريط فيديو أنه لم يعتقل على خلفية عمله الصحافي، وحينما رفض بعد ساعة كاملة من المحاولات، تم صفعه على وجهه وتهديده بالشبح.
ويتهم مراسل فضائية الأقصى نقابة الصحافيين الفلسطينيين بالتقصير، حيث يقول: "النقابة أصدرت بيانا خجولا جدا بعد أسبوعين من اعتقالي، وكان أشبه بالإدانة لي أكثر من الدفاع عني. إن النقابة تركتني وحيدا ومكشوف الظهر، فهي تتحمل جزءا من المسؤولية لأنني عضوا في النقابة"، ويتهم المؤسسات الحقوقية التي زارته خلال التحقيق معه سواء المحلية منها أو الدولية بأن دورها كان توثيقيا فقط لما جرى معه.

بعد كل هذه الأشهر التي مرت، ينتظر الصحافي أبو زيد المحاكمة بسبب التهمة ذاتها للمرة الثالثة في 4 من فبراير/ شباط المقبل، دون وجود سقف زمني واضح ومحدد لهذه المحاكمات، علما أنه معتقل لدى الأمن الفلسطيني 3 مرات على خلفية عمله الصحافي، وأمضى خلالها أكثر من عام، بينما اعتقل مرتين لدى الاحتلال الإسرائيلي لمدة سنة و3 أشهر، 3 أشهر منها على خلفية عمله الصحافي في العام 2013.
اعتداءات الأمن الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة، وفق بني عودة، تراجعت عن العام 2015، والذي سجل فيه 192 اعتداء، 76 منها في غزة و116 في الضفة.
وعزا بني عودة هذا التراجع لقلة الاحتكاكات مع الأمن، كما ترواحت تلك الاعتداءات والانتهاكات ما بين الاعتقال أو الاستدعاء أو المنع من التغطية.


أكثر من 350 اعتداء على الصحافيين الفلسطينيين
شهد العام 2016 تراجعاً في عدد الانتهاكات بحق الصحافيين الفلسطينيين سواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي أو من قبل الأمن الفلسطيني في الضفة الغربية بما فيها القدس وكذلك قطاع غزة، مقارنة مع العام 2015.
ووفق مركز "مدى"، فقد تم توثيق أكثر من 350 اعتداء ضد الصحافيين الفلسطينيين منذ مطلع العام 2016 وحتى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، والتي تمت من قبل الاحتلال أو الأمن الفلسطيني في الضفة والقدس وغزة، من بينها 225 انتهاكا من قبل الاحتلال والبقية من قبل الأمن الفلسطيني.
وفي العام الماضي، رصد "مدى" حوالي 600 اعتداء بحق الصحافيين الفلسطينيين في القدس والضفة وغزة، وكان سبب زيادتها هو حدة وتيرة الهبّة الجماهيرية الحالية في بداياتها، والتغطية الميدانية من قبل الصحافيين آنذاك.
وتنوعت الاعتداءات الإسرائيلية خلال العام 2016 بحق الصحافيين، ما بين إطلاق الرصاص والاعتداءات الجسدية والإصابة بحالات اختناق بالغاز المسيل للدموع، وعشرات حالات الاعتقال، أفرج عن الكثيرين منهم، ومن بينهم من حوكم بتهم التحريض في مواقع التواصل الاجتماعي، بينما لا يزال أكثر من 20 صحافيا معتقلين داخل سجون الاحتلال، منهم من يقضي أحكاما عالية ومنهم من يقضي أحكاما بالسجن الإداري (بلا تهمة).
كما توزعت الانتهاكات الإسرائيلية بحق الإعلام الفلسطيني والتي تركزت في الضفة الغربية بما فيها القدس، من خلال مصادرة معدات وتخريب معدات لوسائل إعلامية، إضافة للمنع من التغطية والمنع من السفر، وإغلاق 3 مؤسسات إعلامية، واستشهاد طالب الإعلام إياد سجدية، من مخيم قلنديا، شمالي القدس، فيما يشدد بني عودة على أن هذه الوسائل الإسرائيلية تفضي جميعها إلى تغييب وسائل الإعلام الفلسطينية.



المساهمون