إعلام المؤامرة: أن تحرّض أكثر

إعلام المؤامرة: أن تحرّض أكثر

29 أكتوبر 2019
خصص إعلاميون صفحاتهم الإلكترونية للتحريض ضد اللبنانيين (حسين بيضون)
+ الخط -
"أن تُحرّض أكثر"، وفق هذا المعيار يعمل إعلام "الثورة المضادة" وحلفاؤه في لبنان، فيروّج لنظرية المؤامرة، ضدّ المواطنين الذين خرجوا في انتفاضة شعبيّة من شمال البلاد إلى جنوبها في 17 أكتوبر/تشرين الأول. 
الأكيد أنّ الصورة في ساحات الثورة ليست مثالية، والأكيد أيضاً أن الكثير من الأخطاء كان يمكن تفاديها، لكنّ من يستطيع تأطير غضب شعبي عفويّ انفجر في لحظة غير متوقعة والسيطرة عليه؟ ومقابل هذه العفوية بجمالها وأخطائها، مجموعة إعلامية منظّمة، توزّع المهام في ما بينها لشيطنة التظاهرات. خطة واضحة المعالم تقودها أحزاب السلطة. فتقوم الطبقة السياسية بالتحريض على اللبنانيين الثائرين في الساحات، وذلك من خلال أذرعها الإعلامية (صحف وقنوات وذباب إلكتروني)، التي تشكّل وقودها الأساسي. إذ يلعب الإعلام دوراً محورياً في محاولات إشعال النيران بهدف "حرق البلد"، على خطى وخطابات النظام السوري، في ظلّ عمليّات إطفاء حثيثة يقوم بها المواطنون.

لكن مجدداً تبدو تغطية إعلام السلطة للتظاهرات أقرب إلى أفلام الخيال العلمي. هكذا، تقف "أو تي في" (قناة التيار الوطني الحر) خلف حائط الخبث المكوّن من ثلاثي العنصرية والأخبار الكاذبة والتحريض... سألت القناة اللبنانيين "من أين لهم هذا" عندما شاهدت متظاهرين يأكلون ويشربون، فيما رفضت مساءلة وزير الخارجية (رئيس التيار الوطني الحر) جبران باسيل عن ممتلكاته وأمواله. وعلى خطى مراسلة القناة جويل بو يونس التي صرخت في وجه متظاهرين محاولةً تأديبهم لتجرّؤهم على المطالبة باستقالة باسيل، قام إعلاميون آخرون في القناة بالتحريض من خلال التصويب على مشاركة لاجئين سوريين في التظاهرات. هكذا شاهدنا مساء الأحد تقريراً أعدّته مراسلة القناة نانسي صعب بعنوان "حقيقة الثورة - محاولة الانقلاب: تدريب أميركي وتحريض سعودي وانغماس سوري".





وفي إطار توجّهها للشارع المسيحي، قالت القناة إنّ متظاهري الشيفروليه أقاموا قداساً وضعوا فيه صليبا يمثّل "القوات اللبنانية"، ما تبيّن أنّه فبركة من القناة للصورة الأصلية. كما كشف الناشطون على مواقع التواصل فبركة القناة من خلال إجراء مقابلات في الساحات مع مواطنين يوافقونها الخط السياسي، ويشوّهون التظاهرات.



هذه الفبركة استخدمتها قنوات أخرى كـ"المنار" و"الميادين" و"برس تي في". حضرت هذه المحطات إلى ساحة رياض الصلح الأسبوع الماضي مع مجموعة من مناصري "حزب الله" كي يهتفوا تأييداً لأمين عام الحزب حسن نصر الله مهاجمين خصومه، من الذين عمدوا لاحقاً إلى الاعتداء على المتظاهرين في الساحة لتعبيرهم عن رأيهم. وحرّضت "المنار" مثلاً على الجامعة الأميركية في بيروت، وساهمت في التجييش ضد متظاهرين مدنيين إثر حملةٍ إلكترونية اتهمتهم بالعمالة لإسرائيل بعد خطاب نصر الله الأخير يوم الجمعة الماضي.

من جانبها، عرّت صحيفة "الأخبار" التي غالباً ما كانت تخصص صفحات كاملة لكشف الفساد في لبنان نفسها، بعدما جعلت من موقفها السياسي سلاحاً تطلق النار من خلاله على المواطنين. فعنونت ليومين متتاليين غلافها "لبنان ينقسم" (عددا السبت والأحد). وانشغل بعض كتابها بالحديث عن "العملاء" و"التصويب على المقاومة"، متّهمين اللبنانيين بالعمالة للعدو الإسرائيلي والسفارات.

وفي مقالة غير موقّعة، كتبت الصحيفة أنّ هناك "خطفاً للحراك"، معتبرةً قطع الطرقات "شلاً للحياة"، ومتهمة دولاً خليجية بتمويل الثورة، في علك وإعادة استهلاك لخطاب أمين عام "حزب الله"، حسن نصر الله، لكن بعباراتٍ أخرى. وكتبت يوم الإثنين أنّ رئيس مجلس إدارة "أل بي سي آي"، بيار الضاهر، اعترف قبل أيام لرئيس الحكومة سعد الحريري، كيف تلقّى أموالاً من السعودية والإمارات، مع زميليه تحسين الخيّاط (الجديد) وميشال المرّ (MTV)، في جلسة عوّض بها الحريري انقطاعه عن لقاء السفيرين السعودي والإماراتي، على عكس باقي الدول الأخرى، لا سيما الأوروبية منها"، الأمر الذي نفاه مكتب الحريري، وردّت عليه "الجديد" ببيان ناري يدعو الصحيفة إلى الكفّ عن الافتراء والترهيب.




وليست التقارير الإعلاميّة وحدها ساحة المؤامرة، بل تتعدّاها إلى صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، كرّس من خلالها الصحافيون أنفسهم جنوداً للمعركة ضدّ اللبنانيين، ناشرين عباراتٍ محبوكة بالفصحى للتحريض ضدّ مواطنين مدنيين لا يملكون سوى الهتاف. يوزّع هؤلاء الإعلاميون شهادات الوطنية على اللبنانيين، في حين يذهب البعض منهم أبعد من ذلك
مستخدمين التنمّر والذكوريّة، ومهددين من يخالفهم الرأي بشكلٍ مباشر....

هكذا، ينتزع هؤلاء جائزة التحريض من إعلام النظام السوري والمصري، ويرفعون عالياً كأس عداء جزء كبير من الشعب اللبناني.