الصورة كاملة: ليليان داود اختارت مصر.. ورحلت عنها مرغمة

الصورة كاملة: ليليان داود اختارت مصر.. ورحلت عنها مرغمة

29 يونيو 2016
لم تكن داود من إعلاميي السلطة (Getty)
+ الخط -
غادرت الإعلامية اللبنانية ليليان داود، الأراضي المصرية، ليل الاثنين، مرغمةً على الرحيل، تاركةً خلفها جمهورًا وأصدقاء يتمنون لها التوفيق والعودة إلى مصر التي تستحقها، وابنةً شهدت لحظات اقتحام المنزل من قبل أجهزة الأمن المصرية، لتنفيذ قرار ترحيل والدتها. 
فور انتهاء تعاقد داود مع قناة "أون تي في"، اقتحمت قوات الأمن المصرية، منزلها وخطفتها أمام ابنتها بزعم ترحيلها، حتى تبيّن بالفعل وجودها في مطار القاهرة، متجهة إلى بيروت. وداود كانت تتعرض لحملة من قبل إعلاميين وناشطين على مواقع التواصل من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، تطالب بترحيلها.

على "تويتر"، شرحت داود ما حصل معها في سلسلة تغريدات ليل الثلاثاء، فقالت: "انا مواطنة بريطانية/لبنانية، أعيش واعمل في مصر منذ خمس سنوات. يوم الاثنين 27 يونيو انهيت تعاقدي بشكل رسمي وودي مع إدارة Ontv، بعدها في تمام الساعة السادسة الا ربعاً (بعد حوالي ساعة على إعلاني إنهاء التعاقد)، حضرت دورية من ثمانية أشخاص لم يظهروا اي أوراق رسمية وطلبوا جواز سفري البريطاني وتعاملوا بطريقة فظة أمام ابنتي ووالدها".
وأضافت: "طلبتُ الاتصال بسفارتي ومحاميّ لكنهم رفضوا بعد أن صادروا هاتفي مني. طلبت منهم إذن النيابة، وقلت إن لي حقوق الحاضنة لطفلة مصرية، وإن لي حقوق كدافعة ضرائب وكمواطنة بريطانية.. طبعا ولا الهوى. تحول المشهد الى صراخ وتهديد من الشخص الذي كان يكلمني بانه قد يأخذني بالقوة بإرادتي أو دونها...".
وقالت ليليان: "حين شعرت أن الموقف يتصاعد نحو العنف قررت النزول معهم الى وجهة كانت لا تزال مجهولة، كما هوياتهم. كان شَرطي أن اركب عربية "ملاكي" وليس "البوكس".. وافقوا معي على وعد ان لا يتعرضوا لابنتي ووالدها ووعدوني بذلك، لكني لم أتأكد أنّ هذا حدث بالفعل إلا بعد خمس ساعات وأنا على متن الطائرة المتوجهة الى بيروت، لكي تظل الريح قريبة!"، مضيفةً: "في المطار سألت مرة أخرى عن حقي بالحديث لسفارتي أو محامي أو أسرتي قوبلت أسئلتي بالتجاهل. التعامل اختلف بعد أن نزلت معهم واعتذروا عن الانفعال كما اعتذرت أنا بدوري مشددة على مطالبتي بحقوقي، كان الرد عندنا أوامر جهات سيادية واحنا بنفذ ولا عندنا خلفية عن الموضوع غير ان إقامتك خلصت ولازم تترحلي".

وتابعت: "في المطار وفي غرف الأمن، انتظرت دهرا بدا كأنه لا ينتهي. اخذوا الفيزا كارت والكوود الخاص ليدفعوا ثمن تذكرة ترحيلي. كانوا لطفاء وعاملوني  باحترام شديد، لكن عذرا الاحترام الحقيقي كان سيكون باحترام حقي بالاطمئنان على ابنتي او اطمئنها علي... الحمدلله انا في بيروت مع اسرتي". وختمت بالتأكيد على أنّها "لن تتوانى عن اي مسعى قانوني او دبلوماسي كي تعود الى مصر".

لم تدرس ليليان الإعلام، فهي حاصلة على دبلوم دراسات عليا في الأنثروبولوجيا، وكانت بدايتها الإعلامية وهي في سن الـ13 من خلال إذاعات مدرسية وجامعية. وعملت في الصحافة المكتوبة مع صحف عربية، منها "الشرق الأوسط"، و"النهار" اللبنانية. وقضت داود 12 عامًا في لندن، وكانت بداياتها عام 1999، حيث عملت معدة ومراسلة ثم مذيعة في قناتين في لندن، ثم في وكالة "أسوشييتد برس"، والتحقت عام 2005 للعمل كمذيعة في القسم العربي بقناة هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" BBC لمدة 6 أعوام.

داود، التي أطلّت على فضائية "ONTV" المصرية الخاصة، بعد اندلاع ثورة يناير، من خلال برنامج "الصورة الكاملة"، كانت قد اتخذت قرارها بعد انطلاق ثورات الربيع العربي، بالعمل في إحدى الدول العربية، واختارت مصر. وعند سؤالها عن سبب اختيارها مصر وقناة ONTV تحديدًا، قالت داود في مقابلة سابقة: "عقب أحداث تونس، ثم مصر، واليمن، أردت التواجد في الوطن العربي لمساندة هذه الشعوب، وتابعت العديد من القنوات، فوجدت أن قناة ONTV لها توجه سياسي واضح وصريح، وكانت المحطة الأولى التي انحازت إلى الثوار، وجازفت بشكل كامل، ما جعلني أقرر الانضمام إلى هذه القناة، لأنني مع الخط الثوري وأرفض الديكتاتورية". 

ورغم معارضتها الدائمة لتورط الإعلاميين في العمل السياسي، كان لداود مواقف سياسية واضحة وصريحة في أحداث بعينها، مثل أحداث ماسبيرو، في أكتوبر/تشرين الأول 2011. ويأخذ عليها البعض موقفها حول الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي، حيث خرجت على الشاشة تغني رائعة شادية، "يا حبيبتي يا مصر" وبكت قائلة: "كانت هذه هي المرة الثانية التي أكون فيها على الهواء لإعلان سقوط ديكتاتور عربي بعد مبارك" في حلقة برنامجها.
لم تكن داود يومًا من إعلاميي السلطة في مصر، وربما ذلك ما يبرر ترحيلها بهذا المنطق بعد ساعات قليلة من فسخ تعاقدها مع قناة أون تي في، فقد عارضت طريقة فض اعتصام رابعة العدوية، وقتل 37 متهمًا في سيارة الترحيلات أثناء ترحيلهم لسجن أبو زعبل، في إحدى حلقات برنامجها. كما عارضت أيضًا التعامل الأمني للنظام وعنف الشرطة مع الناشطين السياسيين بعد انقلاب 3 يوليو/تموز، وحملة تكميم الأفواه والقمع، وتأييد حرية الرأي والتعبير، في مقدمة برنامجها. ومع ذلك، كانت من مؤيدي ترشح عبدالفتاح السيسي، في الانتخابات الرئاسية، وقالت في حوار لها مع صحيفة "الشروق" المصرية، إنه "إذا جاء غيره، لا يمكن أن يُبقي عليه وزيرًا للدفاع، لأنه لا يصح أن يكون رئيسًا منتخبًا وهناك رجل ثانٍ في الدولة أقوى منه"، ما يعتبره البعض هفوةً سقطت فيها.
وفور وصولها بيروت، تواصلت داود مع محاميها الناشط السياسي والحقوقي، زياد العليمي، وطالبته باتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة لإعادتها مرة أخرى إلى مصر، حتى تتمكن من رؤية ابنتها التي تعيش في القاهرة.
وكان العليمي أول من أعلن أن قوات الأمن ألقت القبض على داود من منزلها عقب عودتها من قناة "أون تي في" التي أخطرتها بإنهاء التعاقد معها، مشيرا إلى أن قوات الشرطة داهمت منزلها وطالبها أفراد الأمن في البداية بإبراز جواز السفر ثم اصطحبوها إلى مصلحة الجوازات، ورفضوا طلبها بإجراء مكالمات تليفونية بعد التحفّظ على هاتفها، وأوضح أنهم عللوا ذلك بوجود مشاكل في الإقامة.


أما الكاتب خالد البري، زوجها السابق الذي شهد واقعة اقتحام منزلها وترحيلها مصادفة، فقد نشر على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تفاصيل ما حدث، قائلاً "من حوالي ساعة ونص شرطة الجوازات رَحّلت المذيعة ليليان داود.. ليليان مضت النهارده على إنهاء التعاقد مع قناة أون تي في واللي كانت بموجبه حاصلة على الإقامة".
وأضاف "بعدها بنص ساعة بالضبط هجم على بيتها.. طبعا ليليان من حقها الإقامة قانونا لأنها زوجتي السابقة، يعني متزوجة مصري لمدة 6 سنين وعندها بنت مصرية، لكن حسب ما قالوا الأوامر جايه من مكتب السيسي شخصيًا.. فاضي الله يعينه". وتابع البري "ادّوها بالضبط 5 دقائق.. رفضوا إنها تاخد معاها غير محفظتها وكمان رفضوا يخلونا نتصل بمحامي وبالسفارة بتاعتها".
وقال البري "بالصدفة النهارده عيد ميلادي فكنت معدّي آخد بنتي نفطر سوا، وحصل الموضوع كله قدامي، البنت طبعا مرعوبة إنما هي دلوقتي كويسة وموجودة معايا.. شكرًا يا مصر لحد كده!".

وعلى لسان أحد معدّي برنامج "الصورة الكاملة"، فقد تم "إبلاغهم رسميًا الاثنين بوقف البرنامج، وإبلاغ داود بإنهاء تعاقدها مع القناة.. وللأسف فإن السلطات تقوم الآن بإجراءات ترحيل ليليان داود رغم أن ابنتها مصرية وتدرس في مصر، أو بالأصح لا أحد يعلم مكانها الآن، بعد أن تم اقتيادها من رجال الأمن. ليليان التي شرفت بالعمل معها، أشهد أنها من أفضل من عملت معهم خلال رحلتي حتى الآن.. تنتصر للمهنية، ورغم اختلافها مع من يخالفونها إلا أنها كانت تسير على طريق المهنية بعيدا عن الانحياز"، وفقا لشهادته.


المساهمون