الإعلام الفرنسي يدعم "السترات الصفراء" ويحذّر من مخاطر تطرّفها

الإعلام الفرنسي يدعم "السترات الصفراء" ويحذّر من مخاطر تطرّفها

06 ديسمبر 2018
"لوجورنال دو ديمانش" وحيدةً مع ماكرون وحكومته (آلان بيتّو/NurPhoto)
+ الخط -
تابع الإعلام الفرنسي، بتفرعاته المسموعة والمرئية والمكتوبة، ولا يزال، الاحتجاجات المرتبطة بحركة السترات الصفراء، منذ انطلاقتها يوم 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، إذ كانت الحدث الرئيسي الذي يتلقفه المواطنون.

وجاءت حركة السترات الصفراء لتزيد من عدد مشاهدي القنوات الفرنسية وخاصة الإخبارية منها، وهو ما عرفته قناة "بي إف إم تيفي"، و"إل سي أي" و"فرانس أنفو". وحقّقت هذه القنوات الإخبارية أرقاماً كبيرة في عدد المشاهدين يوم السبت الماضي، حين كانت تنقل مشاهد العاصمة باريس والصدامات بين متظاهرين وقوات الشرطة.

ولكن لم يكن مفاجئاً أن تُركّز وسائل الإعلام على هذا الحدث، الذي شغل وسائل الإعلام العالمية وطارد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في بوينس آيرس، وخصوصاً أنّه يتعلق بحراك اجتماعي تدعمه بشكل غير مسبوق أغلبية الفرنسيين. كما أنه تسبب حتى الآن في مقتل 4 أشخاص، وجرح العشرات من المتظاهرين ومن رجال الشرطة، الذين يحظون بشعبية متزايدة من المواطنين، خصوصاً بعد استهدافهم بهجماتٍ إرهابيّة ابتداءً من 2015.

وفي هذا الإطار، لن تجد صحيفة ولا موقعاً إخبارياً إلا ويكرّس صفحاته الأولى أو ملفاته لهذه الاحتجاجات، التي لا تزال تحظى بالدعم الشعبي رغم العنف الذي شاب بعض التظاهرات ورغم وفاة مواطنين ومتظاهرين.


ولا يمكن لأي صحيفة أو موقع أن يغض الطرف عن الشعبية التي تحظى بها مطالب حركة السترات الصفراء، كما أن صمت الرئيس ماكرون المدوّي بعد مرور كثير من الوقت، جعل الكثيرين يحمّلونه المسؤولية عما جرى، ليس فقط بسبب سياساته الضريبية وإصلاحاته العنيفة والمتسارعة، وبل أيضاً بسبب ما رأوا فيه نوعاً من الترفع عمّا يهمّ المواطنين العاديين الذين يكافحون من أجل نهاية الشهر.

ولعلّ انهيار شعبية الرئيس، كما يؤكد آخر استطلاع للرأي نشر اليوم، 23 في المئة، الذي جرف معه شعبية رئيس الحكومة، 26 في المئة من الراضين على سياسته، يمنح بعض الضوء لقراءة مواقف الصحف الفرنسية ووسائل الإعلام الأخرى مما يجري.

وليس مستغرباً أن تنحاز "لوفيغارو" إلى صفّ السترات الصفراء، فهذه الصحيفة يمينية، ولا تخفي توجهاتها، وأي فشل لحكومة ماكرون يصبّ في استراتيجيتها. ولا تتورع الصحيفة عن مقارنة ما يحدث بما حدث في مايو/ أيار 1968، وتنشر مقالات في هذا الصدد، من بينها مقال جاك جوليار يصف ما يحدث بأنه "مايو 68 للطبقات المتوسطة"، أو مقال غيوم تابار: "كانت فرنسا تحسّ بالضجر سنة 1968 وفي 2018 تعبّر السترات الصفراء عن نفاد صبرها".

وينصح كاتب افتتاحياتها أليكسي بريزي، الحكومة: "بالطابع الاستعجالي للحركة. إرساء النظام الجمهوري والتهدئة الاجتماعية والمصالحة الوطنية"، ويمر كل هذا عبر "وضوح يقتلع العين. على ماكرون تأجيل ووقف وإلغاء (لا تهم الكلمة) الرفع من الضرائب التي صبّت الزيت على النار". وتنقل الصحيفة استطلاعاً للرأي بعد "السبت الأسود"، إذ يعلن 72 في المئة دعمهم للحركة، و90 في المئة يرون أن الحكومة لم تكن في مستوى الأحداث.

موقع "أتلانتيكو" المحسوب على اليمين، يتحدث عن "خطأ الرئيس، إذ تخيلت السلطة مَخرجاً على طريقة 1968، بينما هي تواجه تحدّياً على شاكلة 1958". وفي مقال آخر، يتحدث الموقع عن تصدّع تعيشه فرنسا، وخاصة مع تأييد غالبية الفرنسيين للسترات الصفراء. وإذ يؤيد ما يراه عدالة مطالب السترات الصفراء يحذر من المتطرفين العنيفين، الذين يهاجمون قوات الأمن.


"ليبراسيون" اليسارية التي لا تؤيد سياسات الحكومة، كرّست كثيراً من صفحاتها الأولى وملفات لهذا الحراك الذي تؤيد كثيراً من مطالبه وإن كانت تخشى عليه من العناصر المتطرفين، ومن الوقوع في شرك العنف ثم فقدان المصداقية، وهو ما تراهن عليه الحكومة، أو الوقوع في أحضان الأحزاب اليمينية المتطرفة. وترى إحدى الافتتاحيات التي وقّعها بول كينيو أن "غضب الفرنسيين، في مواجهة الظلم الاجتماعي للسياسة التي تقودها الحكومة منذ 18 شهراً عميقٌ جداً. وإن على الرئيس أن يتصدى لهذا الغضب".

أما "لومانتيه"، لسان الحزب الشيوعي، فهي تتخذ مواقف مؤيدة للحراك الاجتماعي، وتراها شرعية في مواجهة سياسية ليبرالية، تحابي الأثرياء والشركات المتعددة الجنسيات. ولعل مقال "الجنرال ماكرون يرسل فليب لحراسة القصر"، يكشف طابع ممارسة السلطة "الملكية"، التي يقوم بها رئيس بعيد عن هموم الفرنسيين العاديين، الذين يعانون. أو مقالاً مثل: "السترات الصفراء تطالب بالعدالة الاجتماعية"، والترحيب بكل إنجازات المتظاهرين: "تجميد الضرائب: السترات الصفراء تحصل على أول تراجع حكومي"، وتنقل الصحيفة تصريحاً للأمين العام الجديد فابيان روسيل قوله: "لنمنح الأمل للغضب".

صحيفة "لوموند" التي لا تتوقف عن انتقاد سياسات الرئيس ماكرون، حاولت فهم ظاهرة السترات الصفراء التي تدافع عن مطالب لها شعبية لدى الفرنسيين، ورأت أن ظلم النظام العميق هو ما يمنح القوة لحركة السترات الصفراء.

وكتبت الصحيفة في افتتاحية لجيرار كورتوا، أن "الرئيس ماكرون، وخلافاً لأسلافه الذين كانوا في أكثر اللحظات صعوبة، يتوفرون على حماية معسكرهم، لا يملك شيئاً. الملكُ عار".
واستعاد صحافي "لوموند" انتقادات الصحيفة لهذا الرئيس "الذي خطف السلطة بشكل مفاجئ"، تحت شعار: "لا يمين ولا يسار، أو كلاهما معاً"، وكتب، عن حزب رئاسي غير منغرس في الأرض، وعن منتَخَبين مبتدئين: "الرئيس الحالي ليس هو أول رئيس يتلقى مثل هذا الرفض. الابتهاج بتحطيم تمثال دوغول كان أحد محركات مايو 1968. في 1981، غادر فاليري جيسكار ديستان الإيليزيه تحت وابل من الشتائم، وحتى البصاق. وأثناء أزمة المدرسة الخصوصية سنة 1984، كان فرانسوا ميتران أكثر شخص ممقوت في البلد. هل نسينا الحقد العنيف الذي لاحق نيكولا ساركوزي بسرعة؟ أو العقاب المحتَقِر ضد فرانسوا هولاند؟".

موقع "ميديا بارت" يكرّس تغطية كبيرة للحراك، ولا يخلو الموقع من دعم ظاهر لمطالبه العادلة، ولكنه يحذر من كل الانزلاقات الشعبوية أو العنصرية، التي يمكن أن تقع فيها السترات الصفراء أو بعض مكوّناتها. كما يشدد على الضرر الجانبي الذي تعرضت له كل المعارضات في فرنسا، بسبب تنامي شعبية الحركة، ويكتب: "المعارَضات تبحث عن نفسها".


وجدت معظم وسائل الإعلام نفسها إلى جانب مطالب الحراك، طوعاً أو كرهاً، وهو ما فرض عليها جميعاً استدعاء ممثلين للسترات الصفراء، والاستماع لخطاباتهم البريئة حيناً والحادة أحياناً والغريبة أحياناً أخرى.

ولم يجد ماكرون وحكومته إلا صحيفة "لوجورنال دو ديمانش" تقريباً، لـ"تفهم مواقف الحكومة وصمتها، وخروجها عن الصمت". والمتتبع لصفحات هذه الصحيفة الأسبوعية يمكن أن يقيس هذا الوفاء للرئيس، الذي يخصّها، من حين لآخر بتصريحات يبخل بها على منابر أخرى. وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، أي في اليوم الذي تلى أول الإضرابات عنونت هذه الصحيفة: "السترات الصفراء: ردّ السلطة"، وكانت الردود هي الحفاظ على الضرائب في مواجهة تمرد محدود.

وفي الأسبوع الذي تلاه، نقرأ: "ماكرون سوف يتحرك"، لولا أنه تحرك وتحدث عن نهاية العالم لا عن نهاية الشهر، كما علّق ممثلو السترات الصفراء.

وفي الأسبوع الأخير، أي بعد السبت الأسود، استطاعت صحيفة "لوجونال دو ديمانش" العثور على ممثلي سترات صفراء "معتدلين"، حسب قولها، ونشرت لهم بياناً بعنوان: "نريد أن نكون ناطقين باسم غضب بنّاء". لولا أن هؤلاء الناطقين باسم الحراك تعرضوا للنقد الحادّ أحياناً من رفاقهم فأرغموا على التراجع. وما زالت حكومة إدوار فيليب تبحث عن محاورين من حركة السترات الصفراء. 

المساهمون