طريق الموت... هكذا يجتازه صحافيو العراق

طريق الموت... هكذا يجتازه صحافيو العراق

31 مارس 2017
طريق الصحافيين معبّدةٌ بمخاطر الموت (يونس كيليس/الأناضول)
+ الخط -
رغم تأكيدات ذويها بأن وفاتها نجمت عن حادث عرضي، لا دخل لشخص أو جهة فيه، إلا أن الكثير من الصحافيين لم يتوقفوا عن الشك في وجود جريمة وراء وفاة زميلتهم ريهام العابد.
 
وتوفيت العابد يوم الأربعاء 15 مارس/ آذار، بعد حصول حريق في شقتها الواقعة بحي شعبي وسط بغداد، وأكد والدها أن الحريق ناتج عن ماس كهربائي، وهو ما أكدته الجهات الرسمية المختصة أيضاً، لا سيما أن حوادث الحريق الناجمة عن الماس الكهربائي أمر معتاد في العراق؛ بسبب اعتماد السكان على مولدات أهلية في التزود بالتيار الكهربائي؛ نتيجة الانقطاع المستمر للتيار الحكومي.

وتعود شكوك صحافيين وناشطين إلى أن العابد كانت تفتح باستمرار ملفات خطيرة، بحسب قولهم، منها الفساد الحكومي، وتتهم أشخاصاً وجهات حكومية وسياسية في عمليات فساد، وتنشر مقالات ومقاطع فيديو مصورة على صفحتها الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

تفادي الخطر
تُعيد العابد فتح باب الرعب أمام الصحافيين، إذ أكد كثير منهم أنهم يعملون في حذر شديد، وكلما وقع حادث لصحافي، وإن كان عرضياً، حامت الشكوك حوله أن يكون مدبراً.
وفي هذا الإطار، أكّد الصحافي علاء سلمان إنه لم يعد يتناول السلبيات في عمل الوزارات والمؤسسات الحكومية إلا في حالاتها الدنيا، التي لن تعرضه للخطر، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن الخوف من العواقب هو ما جعله يترك ملاحقة قضايا الفساد. وأضاف: "زملاء لي اعتقلوا وتعرضوا للتعذيب، في أوقات سابقة؛ والسبب أنهم كانوا يتابعون قضايا فساد، ما أملكه من معلومات عن الفساد وتغلغل القتلة بالمؤسسات الحكومية يجعلني أشك في أن تكون وفاة ريهام العابد مجرد حادث طبيعي".

منصات أخرى للنشر
طرق عديدة أصبحت اليوم توفر فرصة لبث المعلومات ونشر الحقائق بعيداً عن الملاحقة والخطر... وذلك ما يلجأ إليه صحافيون عراقيون لضمان عدم تعرضهم للأذى، وهرباً من طريق الموت.
علي اللهيبي، بالرغم من أنه صحافي معروف في الوسط الإعلامي العراقي لكنه لم يعرف بلقبه العائلي، اتخذ من منصات التواصل الاجتماعي مكاناً لنشر الأسرار، دون الكشف عن شخصيته الحقيقية، فهو يعمل وسط مؤسسة حكومية مهمة، ويلتقي وفقاً لطبيعة عمله بأشخاص حكوميين كبار، ما يجعله يطلع على أسرار مهمة، بحسب قوله.
وأوضح اللهيبي لـ"العربي الجديد" إنه يدير عدداً من المواقع على منصات التواصل الاجتماعي، من خلالها يبث أخباراً يحصل عليها من مصادر يصفها بأنها "موثوقة" تعرف عليها من خلال علاقاته المتشعبة داخل مؤسسات الدولة.
وأضاف: "قليل جداً من أصدقائي يعلمون بشأن هذه المنصات، وهم يدعمونني أيضاً بما يتحصلون عليه من معلومات" لافتاً النظر إلى أن "الكثير من الأخبار التي أنشرها على منصاتي الخاصة تجد صداها في الشارع وحتى في الأوساط السياسية والحكومية، وأحياناً تصبح مواضيع برامج تلفزيونية".
وأكد اللهيبي أنه كشف عن ملفات فساد في عقود شراء وتجهيز بوزارات ودوائر حكومية، تبلغ ملايين الدولارات، وقضايا أخرى تتعلق برشاوى لتعيين موظفين، مبيناً أن من يقف وراء تلك العمليات مليشيات وشخصيات سياسية، لافتاً النظر بالقول: "ووفقاً لذلك فأنا الآن في عداد الأموات لو كنت كشفت عن هويتي".



طريق الموت
أما محمد الجواري، فهو صحافي يعمل مراسلاً لصالح موقع إخباري عربي، من بغداد، ويكتب بأسماء مستعارة؛ مؤكداً أنه لو كشف عن شخصيته الحقيقية قد يعتقل في أقل تقدير.
وقال الجواري لـ"العربي الجديد" إن "الكثير منا نحن الصحافيين في العراق سنكون في خطر لو كشفنا عن المؤسسات التي نعمل لصالحها" مبيناً أن "من يعمل لصالح مؤسسات إعلامية إيرانية أو عراقية مؤيدة لإيران يكشف عن هويته بشكل طبيعي ويعامل باحترام، أما نحن خاصة الذين يعملون لصالح مؤسسات إعلامية خليجية فنحرص على إخفاء هوية مؤسساتنا".
الجيد هنا، بحسب الجواري "وجود عدد كبير من المؤسسات الإعلامية التي يمكننا الانتماء إليها من أجل إخفاء الجهات الأصلية التي نعمل لصالحها".
ووصف الجواري الصحافة في العراق بـ"طريق الموت" وهو يقول إن "جميعنا نحن الذين نعمل على الحقائق وكشفها، نسير على طريق الموت؛ هناك مليشيات إجرامية وأحزاب ظالمة وسياسيون جشعون، إنهم لا يتورعون عن قتل أو خطف واعتقال الصحافي إن شعروا بخطره عليهم، إنهم لا يهمهم سوى المزيد من الكسب غير المشروع".

المنظمات العالمية
وجود وسائل إعلامية ومنظمات إنسانية عربية وأجنبية تهتم بنشر الحقائق، ومتابعة الحالات الإنسانية في العراق إحدى الطرق التي يلجأ إليها صحافيون عراقيون، ممن يعملون في الصحافة المحلية.
فاضل الشويلي، وهو ناشط في العمل الإغاثي، سبق أن سرب معلومات ومقاطع مصورة تتعلق بانتهاكات تعرض لها معتقلون ومواطنون. في حديثه لـ"العربي الجديد"، يقول الشويلي إن "نشر المعلومة لم يعد بالإمكان منعه، صار بإمكان أي شخص أن يدير قناة إعلامية؛ الأمر لا يتعدى إنشاء صفحة على منصات التواصل الاجتماعي، ثم يبدأ البث، ذلك ما أفعله أحياناً لكني أفضل أن أرسل المعلومات التي أحصل عليها من انتهاكات وقضايا فساد لأصدقاء لي يعملون مراسلين في وكالات وصحف عربية وأجنبية، إنها تلقى صدى أوسع".



فوضى إعلامية؟
يؤكد مراقبون على أهمية فسح المجال لحرية العمل الصحافي، مشيرين إلى صعوبة ممارسة الصحافيين لدورهم في نقل الحقيقة، في ظل وجود عمليات قتل واعتقالات تطاول من يعمل على كشف الحقائق.
ويعتبر الكاتب الصحافي صهيب الفلاحي، وهو عضو مجلس رابطة الإعلاميين العراقيين في الخارج، أن ظهور وسائل إعلام بكم كبير في العراق بعد غزوه في 2003، فاق الـ100 مؤسسة إعلامية، موزعة بين قناة وصحيفة وموقع وراديو، "كانت أقرب للفوضى الإعلامية منها للمهنية" بحسب تعبيره. 
وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد" أن "السياسات العامة التي كانت تتبع لها هذه المؤسسات الإعلامية تفرض عليها أجندات معينة في غالبها تمثل الأحزاب والجهات التي تمولها، وهذا ما زاد الطين بلة". 
وتابع الفلاحي، أن "ما ساهم في هذه الفوضى هو الطائفية التي كانت تتبناها هذه المؤسسات، وتغذية الإعلام من قبل الحكومات المتعاقبة على العراق بما يحقق مصالحها" مشيراً إلى أن "هذا المشهد هو الذي أسس للإعلام العراقي بعد الاحتلال ورسم صورة قاتمة له".
ويجد الفلاحي أن "استهداف الصحافيين واعتقالهم ومطاردتهم أصبحت ظاهرة في العراق؛ والسبب في ذلك كله هو كشفهم لحقائق تشكل خطورة على جهات كثيرة سواء حكومية أو مليشياوية أو حزبية أو حتى إرهابية كداعش وغيرها".
وتابع: "في أحداث الموصل الأخيرة(معركة الموصل شمالي البلاد) تم توثيق إعدام أكثر من 13 صحافياً واختطاف ما يزيد عن 48 آخرين، في حين تلاحق حكومات محلية في المحافظات صحافيين وناشطين ومدونين؛ بسبب تغطيات صحافية" مستشهداً بأحداث موثقة أعلنتها وسائل الإعلام المحلية، تؤكد حصول اعتداءات من قبل القوات الأمنية على صحافيين في محافظات جنوبي العراق مؤخراً.

الخطف أو القتل
بدوره، يؤكد المستشار الإعلامي واثق عباس، أن الصحافي في العراق معرض إلى خطر داهم قد يصل إلى الخطف أو الموت.
ويلفت عباس الانتباه إلى أن "العراق من أكثر البلدان خطورة في العالم بالنسبة للصحافيين" مستدلاً بإحصاءات تؤكد حالات قتل واختطاف واعتقال واعتداء طاولت العشرات سنوياً.
وأضاف المستشار الإعلامي، في حديث لـ"العربي الجديد": "كان الفراغ السياسي في البلاد وانتشار وباء التنظيمات الإرهابية والجماعات التكفيرية والميليشيات قد أثر في ازدياد الانتهاكات بحق الصحافيين، التي لم تنجح جهة ما في إيقافها أو تحجيم أخطارها المستمرة".
وبالرغم من أن الدستور العراقي كفل حق الوصول إلى المعلومة ونشرها، يقول عباس "لكن ونتيجة عدم وجود جو يسوده الاستقرار والأمن فإن هذا الحق يبقى مهدداً ومهدوراً في ظل فوضى العنف، التي تفرغ كل الحقوق من مضمونها، وتحيلها إلى محض كلمات مطبوعة على صفحات".
وتابع أن ما يلاقيه الصحافيون من تضييق "يرتبط بانتشار الفساد على نطاق واسع، وانعدام الشفافية الضرورية لكل عملية تبادل وحصول على المعلومات" مشيراً إلى أن "تحجج الحكومات بفرض أحكام الطوارئ في أثناء الأزمات، يؤدي إلى إهدار حق الفرد وتعليق حرياته على حائط الانتظار اللانهائي كأنها شعار تزييني فحسب".
وأكد عباس على أهمية الدور الذي تلعبه منظمات عاملة في مجالات إغاثية وصحافية، وقال إنها "نجحت في نقل الحقائق، وتركز وتهتم بوضعية الصحافيين في المناطق المحفوفة بالمخاطر".



المساهمون