خالد العيسى: بدأ من كفرنبل... وإلى كفرنبل عاد

خالد العيسى: بدأ من كفرنبل... وإلى كفرنبل عاد

26 يونيو 2016
+ الخط -
استقبلت أرض كفرنبل، الناشط الإعلامي في الثورة السورية، والمصوّر خالد العيسى، أمس السبت، بعدما فارق الحياة، الجمعة، متأثرا بجراح أصيب بها في السابع عشر من حزيران/ يونيو الحالي، في اعتداء لم تتضح ملابساته بعد، بعبوة ناسفة استهدفت منزلاً كان يقطنه مع زميله الناشط الإعلامي هادي العبدالله في حي الشعار الذي تسيطر عليها المعارضة السورية في شرق مدينة حلب، ما أدى إلى إصابتهما بجراح خطيرة، نقلا بعدها إلى مدينة أنطاكيا، جنوب تركيا، لتلقي العلاج. وتعرض العيسى لإصابة بالغة حيث دخلت شظية من العبوة الناسفة في رأسه، ما أدى إلى دخوله في غيبوبة، في حين تجاوز العبدالله مرحلة الخطر على حياته. 

وهز نبأ وفاة العيسى الأوساط الإعلامية السورية التي كانت نجحت في تأمين تأشيرة دخول له إلى ألمانيا لمتابعة علاجه، ولكن الموت لم يمهله، فانضم إلى العشرات من الصحافيين والناشطين الإعلاميين السوريين الذين قتلوا جراء القصف من قبل طيران النظام ومختلف الأسلحة أثناء أداء عملهم، أو تحت التعذيب في المعتقلات.

يتحدّر العيسى، الذي لم يتجاوز الرابعة والعشرين، من مدينة كفرنبل في ريف إدلب (شمال غرب سورية)، والتي تصدرت المشهد الثوري السوري منذ انطلاق الثورة في عام 2011، من خلال اللافتات الشهيرة التي تعبّر عن قيم الثورة السورية التي تدعو إلى إقامة دولة مدنية تعددية تكرّس قيم المواطنة المتساوية بين مكونات الشعب السوري.
وصدّرت المدينة العديد من الإعلاميين، والكتّاب، والفنانين، والناشطين ــ من بينهم خالد العيسى ــ الذين لعبوا دورا مهمّا في تغطية أحداث الثورة، وتوثيق المجازر التي مارستها - ولا تزال - قوات النظام وحلفاؤه، وخاصة في شمال سورية.
ويعد العيسى من أوائل الناشطين الإعلاميين في مدينته، حيث حمل الكاميرا في وقت مبكر من الثورة، كما عمل في مجال (المونتاج)، قبل أن يعمل مصوراً مع هادي العبدالله، إثر قدوم الأخير من منطقة القلمون إلى شمال سورية العام الفائت، حيث قاما بتغطية معارك قوات المعارضة مع قوات النظام والمليشيات الطائفية، ووثقا العشرات من المجازر التي اقترفها الطيران الروسي ومقاتلات النظام في محافظتي إدلب وحلب.
وتعرض العبدالله والعيسى للإصابة أكثر من مرة أثناء أداء عملهما، إذ كانا يصران على دخول المناطق الأكثر سخونة لتوثيق المجازر التي تُرتكب بحق المدنيين من قبل الطيران الروسي ومقاتلات النظام، غير عابئين بالمخاطر الجمة على حياتهما.

ووصل تأثر هادي العبدالله بوفاة رفيقه حدود الفجيعة، إذ رثاه بكلمات مؤثرة تداولها ناشطو الثورة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكتب على صفحته على موقع "فيسبوك": "ماذا عساي أن أفعل الآن؟.. جسدي الكسير الذي أنهكته العمليات.. أحشائي الممزقة المدماة.. قدماي المكسرة.. روحي التي تحتضر! ماذا عساهم جميعا أن يفعلوا في حضرة الخبر". وأضاف: "أيا خالدي: يا ليتني كنت معك، أو مكانك.. يا ليتك أنت الذي نعيتني ورثيتني.. أيا ليت عبوتهم مزقتني ألف قطعة"، متابعا بالقول: "حقيرة هي تلك الأنقاض التي لم تقتلني.. لا أريد عيشا بعدك يا خالد.. أخبر روحك لتنادي روحي إليها.. أرجوك بحق صحبتنا.. بحق ألمنا، بحق كل ما عشناه معا أخبرها أن تفعل.. هو آخر طلب سأطلبه منك.. أعدك لن أطلب غيره.. هيا يا خالد فروحي تنتظر روحك".

كما رثت والدة العيسى، غالية الرحال، ابنها بكلمات موجعة: "شهيد يا عمري؟ صار اسمك شهيد.. الله يهنيك يا أمي باسمك الجديد.. صار اسمك شهيد.. أمّنتلي الجنة قبل ما موت.. داير بالك عليي بالدنيا والآخرة.. ارتحت هلق يا عمري؟ الله يهنيك.. الله يرضى عليك برضاي عليك.. ربينا سوا أنا وأنت.. كنت أقرب من روحي إلي.. تم قريب مني.. خلّي روحك معي.. بتكفيني روحك الطاهرة تزورني.. وتحسسني بوجودك.. أنت ما عدت جسد واللحم.. أنت روح.. ورح تضل روح".

وصدمت وفاة خالد العيسى إعلاميي وناشطي الثورة السورية، وخاصة أولئك الذين زاملوه، وعرفوه عن قرب، حيث أشار الصحافي أحمد مراد، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن الراحل كان "هادئا، لا تغيب ضحكته حتى أثناء القصف الجوي على المدينة، وكان محبوبا ومقربا من الجميع"، موضحا أن الثورة "خسرت شابا متحمسا وشجاعا، وصادقا".
من جهته، كتب الناشط الإعلامي المعروف رائد فارس الذي ظل العيسى لسنوات مرافقا له في المركز الإعلامي بمدينة كفر نبل: كتبك الله من الخالدين، اصطفاك حياً لا تموت. وحده يعلم كم تستحقها يا بني، وحده يعلم نقاءك يا قرة عيني.
وأضاف فارس في منشور على صفحته على موقع التواصل (فيسبوك): "اليوم أنت حرٌ.. تحررت من قيد أجمل جسد، وانطلقت نفسك الصادقة في فضاءات الكون، تختار طيب ما تشاء لأنك تستحقها. يا مهجة الروح أنت.. سأشتاقك ما حييت، وسأبكي فراقك بقية عمري. يا قلبي وألمي ووجعي لن يكون أحد مكانك يا بني.. يا فراقك سيكويني، ويحرقني، وكيف تجف دمعتي، وأنت بعيد".

ونعى المكتب الإعلامي في الائتلاف الوطني السوري الناشط الإعلامي خالد العيسى، مشيرا في بيان صدر السبت، إلى أنه تلقى "ببالغ الأسى والحزن، نبأ استشهاد الزميل الصحافي المصور خالد العيسى، متأثراً بإصابة تعرّض لها إثر تفجير استهدفه مع الناشط الإعلامي هادي العبد الله"، لافتا إلى أن الفقيد "ترك وراءه مسيرة صحافية وثّق خلالها جوانب من إجرام نظام الأسد بحق الشعب السوري، وساهم في نقل الحقيقة وتقديمها للعالم". وأشار المركز السوري للحريات الصحافية في رابطة الصحافيين السوريين الإعلامي، في بيان نعيه خالد العيسى، إلى أن الراحل "انضم إلى قافلة طويلة من ضحايا الإعلام في سورية، أخذت على نفسها عهداً على نقل الحقيقة"، موضحا أن هناك "انتهاكات شبه يومية تقترفها مختلف الأطراف بحق الإعلام في سورية، وعلى رأسها النظام".
ولم تتوقف ردود الأفعال على وفاة خالد العيسى عند الإعلاميين السوريين، فقد وصل صدى وفاته إلى إعلاميين عرب، حيث اعتبره الإعلامي المعروف في قناة الجزيرة ماجد عبد الهادي "شهيد الصورة"، و"صورة الشهيد"، مضيفا بمنشور على صفحته على "فيسبوك": كان خالد العيسى يوثق ما شاءت له جرأته من صور المذبحة التي يتعرض لها الشعب السوري، وإذ تخلص منه القتلة وحولوه إلى شهيد، صار صورة جميلة تحكي شناعة ما يرتكبون، وتشع بوعيد ملاحقتهم يوما، مهما طال زمن التواطؤ والخذلان. له الرحمة، ولوالدته وذويه، ورفيق دربه وجرحه هادي العبد الله كل دعوات الصبر حتى الانتصار.

وقبل يومين من وفاة خالد العيسى أطلق ناشطون وصحافيون سوريون حملة إلكترونية طالبوا فيها بمنحه تأشيرة ألمانية بهدف تلقيه العلاج في ألمانيا. وكان رائد الفارس مدير المكتب الإعلامي لهادي العبدلله قد كتب على صفحته الشخصية اليوم إن "الخط الفاصل بين حياة خالد وموته فيزا. إن كنت صحافياً تشارك العالم ما يجري في سورية، وأنت على الخطوط الأمامية للموت، النظام قد يحاول تفجيرك، والناس قد تحاول اغتيالك، من أجل إسكات وقتل الحقيقة. فالمجرم سيقتل من يظهر جريمته للعالم". وأضاف "لكن ما لا نستطيع أن نفهمه هو كيف يمكن للبلدان التي تقدم نفسها كأصدقاء لنا، والتي تعتبر أنها تدعم حرية الصحافة والديمقراطية، أن تقف في وجه حياة شخص كخالد وتسمح بأن يموت، بسبب عدم منحه تأشيرة للعلاج، خالد العيسى بحاجة إلى تأشيرة دخول إلى ألمانيا". وأردف "خالد عيسى، الصحافي السوري الذي كان يشارك في رصد الواقع من داخل حلب، والتي تفضح جرائم الأسد وداعش، والدول التي تدعي أنها أصدقاء الشعب السوري ترفض نقل أصوات الحق لتلقي العلاج الطبي في أراضيها". وضم مئات السوريين أصواتهم إلى صوت رائد، منادين بمنح خالد فرصة للعلاج والحياة ووسموا تغريداتهم بـ #VisaForKhaledIssa. لكن الموت سبق السفر، ورحل خالد العيسى في تركيا. 

وقتل على مدى سنوات الثورة المئات من الصحافيين والناشطين الإعلاميين، حيث تحولت سورية إلى أخطر مكان في العالم يعمل به الصحافيون، وفق منظمات متخصصة، منها معهد السلامة الإخبارية الدولي، ولجنة حماية الصحافيين المعنية بحماية حرية الصحافة حول العالم، ومقرها نيويورك. ووثقت منظمات حقوقية، أبرزها الشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل وإصابة واعتقال المئات من الصحافيين والناشطين الإعلاميين من قبل أجهزة النظام الأمنية التي دأبت على استهدافهم منذ الأيام الأولى للثورة، حيث نجحوا في نقل ما يجري في سورية من قمع وفتك بالمتظاهرين السلميين لوسائل الإعلام العربية والدولية، وهو ما أدى إلى تعرية النظام وفضح ممارساته أمام الرأي العام العالمي.
وفي أحدث تقرير لها، أفادت الشبكة بأن شهر مايو/ أيار الفائت شهد مقتل 10 إعلاميين، واعتقال وخطف سبعة، وإصابة ثمانية آخرين، مشيرة إلى أن أطراف الصراع في سورية مشتركون في الانتهاكات التي تطاول الصحافيين، موضحة أن النظام وتنظيم الدولة الإسلامية في مقدمة هذه الأطراف.

ذات صلة

الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.
الصورة
عاشت حلب 1980 اقسى ايام حياتها.

سياسة

يتابع النقابي والسجين السياسي السوري غسان النجار رواية فصول من قتل المجتمع في سورية، حيث يكشف أنه وزملاؤه لم يحاكموا طلية السنوات التي قضاها في السجن.
الصورة
يوسف سلامة (1946-2024)

ثقافة

رحل أستاذ الفلسفة المعاصرة والباحث الفلسطيني السوري يوسف سلامة (1946 – 2024)، أمس الاثنين، في مدينة مالمو السويدية.
الصورة
غازي عنتاب ورشة حقوقية (العربي الجديد)

سياسة

المساءلة وعدم إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب، وتوثيق تلك الانتهاكات في سورية، ملفات رئيسية بالنسبة لمعظم منظمات حقوق الإنسان السورية

المساهمون