الإعلان والنضال: شركة "نايكي" تتحدّى ترامب

شركة "نايكي" تتحدّى ترامب بإعلان كولن كابرنيك... هذه القصة الكاملة

06 سبتمبر 2018
كولن كابرنيك راكعاً خلال النشيد الأميركي عام 2016 (Getty)
+ الخط -
عام 2016 كان يفترض أن تكون حياة لاعب كرة القدم الأميركية كولن كابرنيك، قد انتهت. حياته المهنية طبعاً. في تلك السنة، وبينما كان فريق كابرنيك San Francisco 49ers، يستعدّ لخوض إحدى مبارياته، رفض اللاعب صاحب البشرة السوداء، الوقوف أثناء النشيد الوطني الأميركي، وفضّل عوضاً عن ذلك الركوع على ركبة واحدة، كشكل من أشكال الاحتجاج على الانتهاكات العرقية التي يتعرّض لها الأميركيون السود. انتهى الموسم، ولم يرض أي فريق التوقيع مع كابرنيك، فبات خارج الدوري الممتاز لكرة القدم الأميركية، وهي اللعبة الأشهر في البلاد. 

بعد عامين، وبمناسبة احتفال شركة "نايكي" للأحذية والملابس الرياضية بالذكرى الثلاثين، لانطلاق حملتها الشهيرة Just Do It، عاد كابرنيك مجدداً إلى الظهور وهذه المرة كواحد من الوجوه الإعلانية للحملة. فانتشرت صورة لوجهه باللونين الأبيض والأسود، مع عبارة: "آمن بشيء/فكرة، حتى لو عنى ذلك أن تخسر كل شيء".




الإعلان
يوم الإثنين الماضي ظهرت إعلانات "نايكي"، ضمن الحملة التي تضمّ أيضاً لاعبة كرة المضرب سيرينا ويليامز، ولاعب كرة السلة ليبرون جيمس وغيرهما... وبسرعة توالت ردود الفعل، السلبية منها طبعاً في البداية: الرئيس الأميركي دونالد ترامب اعتبر أن الشركة توجّه رسالة "مريعة" إلى المجتمع الأميركي. وسرعان ما انطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث قام أميركيون محافظون ومناصرون لدونالد ترامب، بحرق أحذية "نايكي" التي يملكونها، ورفعوا الصور والفيديوهات على مواقع التواصل، في إشارة إلى تعمدهم إلحاق الخسارة الاقتصادية بالشركة ومقاطعتها، علماً طبعاً أن إحراق أحذية سبق أن دُفعت أثمانها إلى الشركة، لن يؤثر على مداخيلها.

لكن هل أخطأت الشركة باختيار كابرنيك ليكون أحد وجوه حملتها الإعلانية الجديدة؟ وهل يعتبر هذا الاختيار من الشركة تبنياً لتصرفات وخطاب كابرنيك السياسي؟ الأكيد أنه رغم خسارة "نايكي" المادية، والتي أدت صباح أمس إلى انخفاض قيمة أسهمها وفق تقارير محلية، فإن الشركة تراهن على سوق أكبر، ومستهلكين أكثر عدداً من خلال حملتها: المستهلكون الأميركيون من أصحاب البشرة السوداء. فالشركة كانت بلا شكّ، تدرك ردة الفعل التي سيثيرها إعلانها. لكن إطلاق حملة تتضمّن 3 ناشطين مدنيين من المشاهير الأميركيين السود أي سيرينا ويليامز وليبرون جيمس، وكولن كابرنيك، ستجلب لها حتماً التعاطف الكبير من قبل الأميركيين من أصول أفريقية.



في حديث مع مسؤول شركة إعلانية سبق أن عملت مع "نايكي"، يكشف موقع "فايس" أنه على الأرجح لا مشكلة عند الشركة الشهيرة في خسارة بعض الزبائن البيض وتحديداً هؤلاء الذين يناصرون ترامب، مقابل الفوز بشريحة كبيرة من الجمهور الأسود الشاب. وهو ما يبدو صحيحاً. فالشركة تعطي بعداً وطنيا/حقوقياً لحملتها، تبدو في موقف المناصر لحقوق السود في مواجهة عنصرية ترامب ومناصريه. إذاً الشريحة الأكثر شباباً والأكثر استهلاكاً لمنتجات نايكي هي المكسب الحقيقي للشركة، مقابل خسارة الرجال والنساء البيض، وأغلبهم في العقد الرابع أو الخامس من العمر (وفق الإحصائيات المختلفة حول الشريحة العمرية لمناصري ترامب).




حملة حقوقية؟
مبدئياً إذاً تكسب الشركة هذه المعركة. لكن لنتوقف قليلاً عند الأبعاد التي أعطيت للحملة الدعائية. صحيح أن اختيار كابرنيك فيه مخاطرة كبيرة، لكنه في الحقيقة لا يؤثّر على سير عمل واحدة من أهم مصنعي الملابس والأحذية الرياضية حول العالم. فالشركة وقعت قبل أشهر فقط عقداً بملايين الدولارات مع دوري كرة القدم الأميركية لرعاية المواسم المتتالية. كما أنّ تصنيفها في موقع تقدمي وحيوي مبالغ فيه إلى حدّ كبير. فالشركة تواجه اتهامات كثيرة في أميركا وخارجها تتمحور حول ثلاثة عناصر: عدم التوازن بين موظفيها النساء والرجال، أفضلية توظيف البيض على حساب الإثنيات الأخرى، وأخيراً هي الاتهامات التي واجهت مصانعها في الصين وتايوان وكوريا الجنوبية بعدم توفير ظروف إنسانية للعاملين فيها، ما يعرّض صحة هؤلاء إلى خطر دائم.
لم تكن الشركة هي الأولى التي تختار وجوهاً حقوقية في حملاتها الإعلانية، بل مثلاً سبقتها شركة آبل التي وضعت وجه مارتن لوثر كينغ جونيور في إحدى حملاتها الإعلانية مطلع الألفية، مع شعار الشركة "فكّر بشكل مختلف". كما أن شركات أميركية عدة بدأت مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بإرسال رسائل سياسية في إعلاناتها.


الرابحان 
غالباً سينتهي الجدل حول الإعلان بعد أيام بفائزين اثنين: شركة "نايكي" التي تدخل سوقاً جديداً لشريحة جديدة من المستهكلين. وطبعاً كولن كابرنيك الذي رغم خسارته مسيرته المهنية كلاعب كرة قدم أميركية قبل عامين نتيجة موقفه السياسي، لا يزال قادراً نتيجة هذا الموقع على جني ملايين الدولارات سواء كوجه إعلاني لشركة "نايكي" أو كوجه لحملات مدنية وحقوقية عدة أدت إلى فوزه بعدد من الجوائز في أميركا منذ عامين حتى اليوم، أبرزها تلك التي استلمها قبل أشهر من منظمة العفو الدولية بعد اختياره سفيراً للضمير الحي. 




المساهمون