الرقابة تفرض رجالها على "ماسبيرو" قبيل الانتخابات الرئاسية

الرقابة تفرض رجالها على "ماسبيرو" قبيل الانتخابات الرئاسية

12 يناير 2018
الرقابة الإدارية تتولى إدارة القناة الأولى كمرحلة أولى (Getty)
+ الخط -
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، يصبح الشعار الرسمي للتلفزيون المصري (ماسبيرو) هو "لا تفتح فمك"، الأمر لا ينطبق فقط على المحتوى الذي يخرج على الشاشة فقط، بل أيضًا على العاملين في المبنى الذي بات يخضع تمامًا لسيطرة هيئة "الرقابة الإدارية" التي تراقب المحتوى كما تراقب العاملين. فأصبح على العاملين في المبنى أن "يغضّوا البصر"، ولا يتحدثوا حتى في ما بينهم عما يشهده ماسبيرو من "تجاوزات". كما بات عليهم أن يرضوا بالرواتب القليلة التي يحصلون عليها، وألا يسألوا عن الصحافيين والإعلاميين الذين يأتون من خارج التلفزيون المملوك للدولة ويحصلون على أموال طائلة رغم الادعاء والمزاعم بأن المبنى يعاني من أزمات مالية حادة، وانهيار يضرب كافة إدارته. 
وفي هذا الإطار جاءت حلقة برنامج "من ماسبيرو" والذي يقدمه المذيع التلفزيوني المخضرم عاطف كامل، لتفجّر الموقف داخل المبنى وكأنها القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ استضاف كامل الكاتب والصحافي مفيد فوزي على الهواء. وبدأ مفيد الحلقة موجهًا سؤاله إلى كامل وقال: "وأنا في طريقي لماسبيرو يا عاطف وجدت لافتة كبيرة تحمل اسم إبراهيم حجازي والذي يذيع برنامج بعنوان "دائرة الضوء" على القناة الأولى والفضائية المصرية". واسترسل فوزي: "أنا كمان سمعت يا عاطف أن هناك برنامجا ضخما يجري الاستعداد له وسينطلق من أكبر استوديوهات ماسبيرو وهو استوديو 10 سيقدمه خيري رمضان. ليه يا عاطف مفيش لافتة ودعاية باسم برنامجك أنت وزميلتك أمنية مكرم من ماسبيرو، ولماذا لا يتم الترويج لجهدكم؟ مع تقديري لجهد إبراهيم حجازي، إنكم أيضا تنحتون في الصخر". وشدد مفيد في سؤاله "لماذا يأتي خيري رمضان من الخارج؟".
واستمر مفيد فوزي في إطلاق تصريحاته ضد آليات العمل في ماسبيرو، وتركه المذيع عاطف كامل دون تدخل إلا من خلال جمل قليلة ومقتضبة معلقًا "إن أبناء المبنى يبدو أن هناك رغبة في إطلاق رصاصة الرحمة عليهم ولا أعرف السبب، ولا أعرف من يقوم بدعاية الإعلامي إبراهيم حجازي، المسألة غامضة، وللأسف لا توجد عندنا مشكلة في المنافسة مع أي شخص ولكن أن نتساوى مع من يأتي من الخارج خصوصًا أنه لا توجد عدالة في "الفلوس" والحرية وكل ما يرصد للقادمين من الخارج والوافدين على ماسبيرو". فيما أكد عاطف أنه لا يعرف ماذا يجري في التلفزيون أو الدور الذي تقوم به الهيئة الوطنية للإعلام.
ما حدث في برنامج المذيع عاطف كامل اعتبره رئيس التلفزيون مجدي لاشين تواطؤا من جانب مذيع ماسبيرو. وبعد الحلقة مباشرة أحال رئيس قطاع التلفزيون، المذيعَ عاطف كامل وكل فريق عمل الحلقة (40 فردا) ببرنامج "من ماسبيرو" للتحقيق بمعرفة الشؤون القانونية المركزية عقب إخطاره حسين زين رئيس الهيئة الوطنية بذلك. وجاء قرار لاشين بدعوى خروج كامل عن مقتضيات العمل الإعلامي المهني واستغلاله مساحة الهواء والشاشة لعرض مشكلات داخلية تخص العمل بالمبنى، من دون أية استفادة تعود على المشاهد صاحب الخدمة الأساسية. مشددًا على أن تلك الإجراءات تأتي في إطار ضبْط الشاشة بماسبيرو، وأن هؤلاء قد خرجوا عن مقتضيات العمل الوظيفي، كما تم إرسال جميع الحلقات إلى الشؤون القانونية.
وكان الحوار بين فوزي وعاطف قد جرى حول آليات إدارة العمل داخل تلفزيون الدولة، وهو ما اعتبرته قيادات ماسبيرو خروجاً عن قواعد احترام الشاشة وتخصيصها لتصفية حسابات شخصية.
من جانبه، علق الإعلامي عاطف كامل على قرار وقفه عن العمل، قائلاً: "سأقوم بإرسال حلقة البرنامج إلى رئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، لأننا شهدنا بالحق، ليعلم الجميع ما أواجهه من قيادات الإعلام في ماسبيرو".
وجاءت تلك الحلقة والتصريحات النارية التي انطلقت على الهواء لتضع المسؤولين في ماسبيرو في موقف محرج، خصوصاً أنها تأتي في حين تتأخر الرواتب و"الإضافي" بدعوى عدم وجود سيولة. كما تم إخراج عدد كبير من البرامج التي كانت تبث أو تسجل من استوديو 10، وأصبح العاملون في هذه البرامج يعانون من أجل إيجاد حجز لتصوير برامجهم في أي استوديو آخر.
وبحسب مصادر من داخل "ماسبيرو" فقد تم هدم ديكور جديد كان يتم تحضيره لبرنامج كان من المقرر انطلاقه على القناة الثانية وبلغت كلفته 750 ألف جنيه (42 ألف دولار تقريباً) وهو ما يمثل هدرًا للمال العام، وكل ذلك من أجل تجهيز الاستوديو لصالح برنامج خيري رمضان الجديد، وبرنامج ديني من المقرر أن يقدمه الداعية الحبيب علي الجفري، وهو البرنامج الذي اشترط رمضان على قيادات ماسبيرو تنفيذه إضافة إلى برنامجه، بحسب المصادر.
وأكد مصدر من الهيئة الوطنية للإعلام، أن برنامج "التوك شو" الذي سيقدمه رمضان من المقرر أن يظهر للنور في شهر فبراير/ شباط المقبل على أقصى تقدير. وكان رئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين قد قال في تصريحات صحافية إن خيري رمضان يعد إضافة قوية للتلفزيون المصري، و"يأتي تعاقدنا معه في إطار خطة ماسبيرو للتطوير ولتقديم أفضل خدمة لمشاهديه". والمفارقة أن تصريحات زين تأتي في الوقت الذي تراجعت فيه أسهم خيري رمضان بشدة؛ حيث إن برنامجه "ممكن" والذي كان يقدمه على شاشة "النهار" لم يحقق أي نجاح يذكر وتدنّت نسب مشاهدته كثيرًا. ويستعد خيري لتقديم برنامجه الذي يحمل اسم "مصر النهاردة" على شاشة التلفزيون المصري، وهو الاسم نفسه الذي استخدمه برنامج مشابه كان يقدَّم على شاشة التلفزيون المصري أواخر عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك حيث يقدم فقرات سياسية وإخبارية وفنية ورياضية.
وفي سياق متصل، علم "العربي الجديد" من مصادر داخل "ماسبيرو" أن مؤسسة "أخبار اليوم" التي يرأسها الصحافي ياسر رزق المعروف بقربه من القوات المسلحة والرئيس عبد الفتاح السيسي، أبرمت اتفاقًا مع هيئة الرقابة الإدارية يسمح لها بإنتاج برنامج يقدم على شاشة القناة الأولى. وبالفعل بدأت الدعاية الخاصة به عن طريق وكالتها الإعلانية.
وأكدت المصادر -التي رفضت ذكر أسمائها- أن رئيس التلفزيون مجدي لاشين لا يعلم شيئًا عن تفاصيل ذلك الاتفاق، وأن مؤسسة "أخبار اليوم" تعاملت بشكل مباشر مع الرقابة الإدارية والأجهزة الأمنية الأخرى، ورئيس الهيئة الوطنية للإعلام حسين زين.
وكان "العربي الجديد" قد انفرد سابقًا بنشر تفاصيل خطة الرقابة الإدارية للسيطرة على "ماسبيرو". حيث قالت مصادر داخل التلفزيون المصري ومصادر أخرى داخل هيئة الرقابة الإدارية أن ضباطاً وموظفين من الرقابة الإدارية يتواجدون بشكل مكثف داخل مبنى التلفزيون المصري "ماسبيرو" يراقبون عن كثب كل ما يحدث داخل المبنى، وذلك بحجة أن المبنى يضم أعضاء في جماعة "الإخوان المسلمين".
وأكدت المصادر من داخل "ماسبيرو" أن هناك خطة من هيئة الرقابة الإدارية لتصفية اتحاد الإذاعة والتلفزيون "المملوك للدولة" بطريقة تدريجية. وأوضحت المصادر أن هيئة الرقابة الإدارية ستقوم بتولِّي إدارة القناة الأولى كمرحلة أولى من الخطة، على أن تستبعد بعض العاملين فيها بحجة انتمائهم السياسي. وأكدت مصادر من داخل هيئة الرقابة الإدارية لـ"العربي الجديد" أن الهيئة تخطط لنقل القناة الأولى خارج مبنى ماسبيرو، وتشغيلها من مدينة الإنتاج الإعلامي، على أن يتم التعاقد مع مذيعين جدد من خارج "ماسبيرو"، وهو الأمر الذي أثبتت الأيام صحته.
وأكد مصدر من اتحاد الإذاعة والتلفزيون لـ"العربي الجديد" أن خطة تصفية التلفزيون بدأت مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى الحكم، لا سيما بعد الأزمات المتوالية التي شهدها "ماسبيرو" بدءًا من انتقاد الرئيس السيسي، وتراكم المديونيات على القطاع والتي وصلت لنحو 23 مليار جنيه وصولًا لإذاعة مسؤولي قطاع الأخبار حوارا قديما للسيسي منذ عام مع محطة أمريكية على أنه حوار حديث.
وقال المصدر إن هناك اعتراضات واسعة داخل "ماسبيرو" على الخطة الجديدة، وإن العديد من الأصوات داخل القطاع وخارجه، تؤكد ضرورة إعادة هيكلة ماسبيرو من دون الاستغناء عن العاملين بالقطاع الذي تم تشييده في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وأضاف أن "الحديث عن إمكانية الاستغناء عن ماسبيرو أمر غير منطقي على الإطلاق"، موضحًا أن اتحاد الإذاعة والتليفزيون هو الجهة الوحيدة التي يمكن أن تعتمد عليها الدولة في توصيل أي رسالة لأنه يعتمد قطاعاً عاماً ويقدم خدمة عامة، وهو ما يقوم به التلفزيون المصري.