أمل دنقل: ثائر لا يُصالح
كأنّ قصيدة "لا تصالح" قد كُتبت اليوم، لا في سبعينيات القرن الماضي. تغيّرت الأزمنة والسياقات، وهي محتفظة ببريق حاد وغاضب. تتردّد منذ سنوات كشعار مضاد للتطبيع وضدّ عودة الديكتاتوريات في بلدان "الربيع العربي". لكن هذا الحضور الطاغي لقصيدة "لا تصالح"، وربّما لمطلعها فقط، بات يحجب اسم شاعرها، أمل دنقل (1940 - 1983)، الذي نحتفي اليوم بذكرى ميلاده.
تبدو هذه القصيدة التي كُتبت عام 1976 لحظة اكتملت فيها تجربة أمل دنقل، وصبّت فيها كل الروافد التي حفرها بصبر لسنوات. لقد حضرت فيها مكوّنات كثيرة كانت تنضج بهدوء منذ ديوانه الأول "مقتل القمر" مطلع الستينيات، فقد تجاوز اقتراحَ الصور الشعرية المتناثرة إلى بناء فضاء متكامل، كأنه يبني ملحمة، وفيها حضرت رؤيته العميقة للتراث وأسلوبه المبسّط وغنائيته الحزينة، وخصوصاً مواقفه من الواقع.
يمكن أن نبحث عن مكوّنات قصيدة "لا تصالح" في أكثر من نص سابق كانت مثل تمارين تمهيدية لها. فبُعيد هزيمة 1967، استند أمل دنقل إلى التراث العربي القديم أيضاً ليكشف الأسباب العميقة للنكسة في "بكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، ووضع قصيدة جريئة بعنوان "كلمات سبارتاكوس الأخيرة"، وهجا الواقع المصري حين استدعى شخصية المتنبي ليكتب مذكّراته في مصر، كذلك أتى بشخصيات تاريخية أخرى، مثل: أبي نواس، وأبي موسى الأشعري، وصلاح الدين الأيوبي، وعبد الرحمن الداخل، حتى إن ديوان أمل دنقل بات أشبه بقراءة جديدة وجذرية للتاريخ العربي.
سيقلّ البعد التاريخي بعد أعمال مجموعته "أقوال جديدة عن حرب البسوس" (وضمنها قصيدة "لا تصالح"). ففي مجموعته الأخيرة "أوراق الغرفة 8" اتخذ لقصيدته مسارب أخرى. وقتها، كان أمل على فراش المرض منهكاً، فالتقط ما حوله وصاغ به قصائد مثل "زهور"، و"الطيور"، و"لعبة النهاية"، و"ضدّ من"، و"السرير".
يحتفل موقع "العربي الجديد" بأمل دنقل من خلال رسومات خاصة، ومقتطفات من قصائده تضيء ملامح متفرّقة من تجربته الشعرية الفريدة.
رسومات: أسامة الحرك