خلاف دستوري بين البرلمان والرئاسة التونسية حول قانون الطوارئ

خلاف دستوري بين البرلمان والرئاسة التونسية حول قانون الطوارئ

07 فبراير 2019
+ الخط -
كشفت جلسات مناقشات قانون الطوارئ المقترح من الرئاسة التونسية، خلافًا عميقًا بين البرلمان المتمسك بحماية الحريات والحقوق الدستورية، والسلطة التنفيذية الساعية لإحكام سيطرتها على النظام العام.

وتمسك البرلمانيون من مختلف الكتل، اليوم الخميس، خلال جلسة الاستماع إلى وزارة الداخلية، برفض بنود وأحكام في قانون الطوارئ الذي اقترحه الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، لتنظيم حالات الطوارىء من خلال ضبط تدخل العسكر في مهمات مدنية وتحديد إجراءات تتعلق بالإقامة الجبرية، وحظر التجول، وسحب جواز السفر، وتعليق نشاط الجمعيات، وغيرها من الحريات الفردية والعامة المكفولة في دستور الثورة.

وعبّر المعارضون ونواب من الائتلاف البرلماني الحاكم، للجلسة الثالثة على التوالي، عن مخاوفهم من "استغلال هذا القانون في المس بالحريات واستعماله لأغراض سياسية لتصفية خصوم ومنافسين سياسيين في ظل غياب رقابة واضحة، أو دور محدد للسلطة البرلمانية في حالات مذكورة في القانون".

كما اعتبر ممثلو الرئاسة أن هذا القانون هو "استجابة لروح الدستور الذي يفرض في بنوده سن قانون يضبط مجالات الحد من الحريات الدستورية"، في وقت يتواصل فيه العمل بالأمر الرئاسي الخاص بإعلان الطوارئ الذي استعمله الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة في 26 يناير/ كانون الثاني 1978، لكسر إضراب الاتحاد العام التونسي للشغل خلال ذلك اليوم الذي عُرف بـ"الخميس الاسود"، وانتهى بمقتل وإصابة متظاهرين، حسب تقارير إعلامية وحقوقية، خلال تدخل القوات العسكرية، وإعلان حظر التجول وإعطاء التعليمات باستعمال السلاح.

ورغم عدم دستورية الأمر الحكومي الخاص بإعلان حالة الطوارئ فإن السلطات التونسية عمدت إلى استعماله بشكل متواصل حتى بعد المصادقة على الدستور الجديد في 2014، وذلك بذريعة وجود دواعٍ أمنية وتهديدات إرهابية، وآخرها التمديد شهرًا إضافيًا ينتهي يوم 6 مارس/ آذار المقبل.

وكان السبسي قد أعلن مرارًا عن رفضه تمديد حالة الطوارئ، واستعمال الأمر غير الدستوري، مشيرًا إلى اضطراره لذلك بطلب من رئيس الحكومة والقوات المسلحة التي تعلمه بمخاطر أمنية.

وأكد مقرر لجنة الحقوق والحريات، والقيادي بحزب "حراك تونس الإرادة"، عماد الدايمي، إن "تغيّب وزير الداخلية والدفاع عن جلسة مناقشة مشروع قانون حالة الطوارئ، وحضور وفد من إطارات الوزارتين لتمثيلهما، ودون دخول في التأويلات، يعطي الانطباع بأن الوزير أراد أن يأخذ مسافة عن مشروع القانون الذي تم إعداده في رئاسة الجمهورية، ويتضمن إجراءات ومقتضيات فيها خرق للدستور ومس بضمانات الحقوق والحريات".

وأضاف الدايمي أن "هناك إشارات متواترة عن وجود خلاف بين رأسَي السلطة التنفيذية حول هذا المشروع، رغم الادعاء بحصول عمل تشاركي لإعداد مشروع القانون المعروض على البرلمان".

وقال: "ربما كان سبب الخلاف تعدد مراكز القرار بخصوص مقتضيات مشروع القانون بشكل يفتح المجال أمام تنازع الصلاحيات في المستقبل"، مشددًا على أنه "بقطع النظر عن مواقف هذا الطرف أو ذاك، سنحرص في اللجنة على أن يصدر قانون طوارئ منسجم مع روح الدستور، ويتضمن كل ضمانات حماية الديمقراطية والحريات، ولن نسمح بمرور قانون غير ديمقراطي"، على حد قوله.

بدوره، أكد القيادي بحزب النهضة ورئيس لجنة الأمن والدفاع، عبد اللطيف المكي، أن مشروع القانون الذي قدمته رئاسة البلاد لمناقشته في البرلمان يحتاج كثيرًا من المراجعة والتحوير والنقاش، مشيرًا إلى أن الأمر يستدعي توسيع الاستشارة والدراسة من خلال تنظيم يوم دراسي بحضور مختلف الأطراف والفاعلين لمناقشته.

ويمنح القانون صلاحيات للسلطات الأمنية في تونس تشمل وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية، وتحجير الاجتماعات، ومنع المظاهرات، وحظر التجوّل، واقتحام المقرات وتفتيش المحلات في الليل والنهار، ومراقبة الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية والعروض المسرحية والسينمائية دون الحصول على إذن من القضاء.

كما يعطي القانون لقوات الجيش الوطني إمكانية التدخل في المناطق المدنية بهدف دعم قوات الأمن الداخلي في حفظ النظام العام، أو إعادة استتباب الأمن من خلال تأمين المقرات السيادية والمنشآت الحساسة والدوريات المشتركة على كامل التراب الوطني أثناء سريان حالة الطوارئ، بإذن من رئيس الجمهورية بعد مداولة مجلس الأمن القومي.