حرب إعلامية فلسطينية على رواية الاحتلال

"الهروب الكبير"... حرب إعلامية فلسطينية على رواية الاحتلال

16 سبتمبر 2021
صحافيون يصورون "نفق الحرية" من سجن جلبوع (فرانس برس)
+ الخط -

هناك مثلٌ يقول: "لا تصدقوا حكايات الصيادين ما دام الأسود لا يستطيعون الكلام". في الحالة الفلسطينية، وتحديداً منذ الهروب الكبير عبر نفق الحريّة أو "نفق جلبوع"، حين تمكّن ستة أسرى فلسطينيون من الهروب بقوة زنازينهم في السادس من الشهر الجاري، يمتلك الصياد، أي المحتل الإسرائيلي، ماكينةً منظمة لبثّ روايته بأذرع إعلامية قويّة وبكل اللغات، فيما يمتلك الأسود، الفلسطينيون في هذه الحالة، حقيقةً واحدة وهي قوة الحريّة والحق.

رواية لضرب نجاح "الهروب الكبير"

منذ "الهروب الكبير" والمستويات الأمنية والسياسية والإعلامية الإسرائيلية تواصل عملها في بث روايتها حول الأسرى ونجاحهم في الهروب من أكثر معتقلات الاحتلال الإسرائيلي وحشية وتحصناً "سجن جلبوع"، والذي أطلقوا عليه اسم "الخزنة" لشدة تحصينه. وبعد اعتقال أربعة من "محرري جلبوع"، ضاعفت ماكينة الاحتلال من بث رواياتها لضرب النجاح الأسطوري للأسرى بالهروب من المعتقل. إعادة اعتقال أولئك الأسرى، لن يغير نجاحهم في هزيمة واحد من أقوى جيوش العالم ومنظومته الأمنية والاستخباراتية الأكبر، في حيز مكاني هو الأصغر، لكنه يزدحم بكل أجهزة التجسس الإلكترونية والأقمار الصناعية والمخبرين على الأرض. عبر مختلف أنواع وسائل الإعلام ومنصات السوشيال ميديا، بث الاحتلال رواياته بأن الأسرى مسلحون، ولاحقاً أنهم كانوا متعبين وجائعين وهزيلين، وصولاً إلى رواية أن فلسطينيين من مدينة الناصرة في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، هم من قاموا بتسليمهم للاحتلال.

 

أسرى محررون يواجهون رواية الاحتلال

في ظلّ عدم وجود رواية للمؤسسة الفلسطينية الرسمية التي اختارت الصمت أو التجاهل، انبرى العشرات من الأسرى المحررين الخبراء في الإعلام الإسرائيلي ومنظومته الأمنية إلى جانب الناشطين والصحافيين، لدحض روايات الاحتلال الإسرائيلي بقوة المنطق والحجة، فرغم أن أربعة من الأسود يقبعون في الزنازين واثنين آخرين ما زالا يناضلان للوصول إلى بر الأمان، إلا أن هناك من أخذ على عاتقه أن يكون جندياً في الحرب الإعلامية ضد الاحتلال.

في السياق، يقول المختص بالشؤون الإسرائيلية ياسر مناع لـ"العربي الجديد": "هناك دور بالغ الأهمية يمكن أن يلعبه الأسرى المحررون من سجون الاحتلال، خاصة أولئك الذين يجيدون اللغة العبرية إجادة تامة، وقد نالوا شهادات علمية في الشؤون الإسرائيلية، نظراً لكونهم أكثر اطلاعاً على المضامين التي يرمي لها إعلام الاحتلال". مناع، وهو أسير محرر من سجون الاحتلال الإسرائيلي، يوضح: "نحن نملك قناعة راسخة مبنية على أسس علمية وعملية أن إعلام الاحتلال هو أحد أذرع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في حال الحرب والمواجهة، وأداة أساسية في معركة الوعي التي يديرها الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين".

 

غياب المؤسسة الرسمية الفلسطينية عن المواجهة

تحولت صفحات التواصل الاجتماعي للأسرى المحررين، منهم الأسير المحرر ياسر مناع والأسير المحرر المبعد إلى قطاع غزة سعيد بشارات والأسير المحرر عصمت منصور، على سبيل المثال، إلى منصات لدحض الرواية الإسرائيلية بالمنطق والحجة، في الوقت الذي لم تبادر به المؤسسة الإعلامية الرسمية التي تضم مئات الإعلاميين إلى التصدي لرواية الاحتلال.

حول ذلك، يقول الأسير المحرر عصمت منصور، الخبير في الشؤون الإسرائيلية، لـ"العربي الجديد": "للأسف ما نراه أن السلطة الفلسطينية، سواء عبر مؤسساتها التي لها علاقة بالأسرى أو عبر ناطقيها الرسميين، لم تملك أية معلومة، ولم تجتهد لتحصل على معلومة حتى ترد بها على رواية الاحتلال". ويوضح منصور، الذي أمضى عشرين عاماً في المعتقلات الإسرائيلية، ويعمل في حقل الصحافة والترجمة العبرية حالياً: "رغم أننا كصحافيين وناشطين لا نملك معلومة من داخل منظومة الاحتلال، إلا أننا تصدينا لرواية الاحتلال بما نملكه من ثقافة ووعي وطني ومعرفة بأساليب الاحتلال، لكن السلطة الفلسطينية التي تملك الطواقم والمحامين والسفارات والدبلوماسيين ولجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي التي مهمتها التواصل مع إسرائيل، وكذلك هيئة الشؤون المدنية، وأيضًا التنسيق الأمني وغيره، لم تستطع أن تقدم لنا رواية حول ما حصل مع الأسرى تطمئن به الشارع الفلسطيني أو تدحض به أكاذيب الرواية الإسرائيلية". 

ورغم أن منصور يقول "إن السلطة الفلسطينية لا تتعمد ذلك"، لكنه يرى أن "هذا هو نهج السلطة الفلسطينية، لأنها لا تعتقد أن الدعاية الإسرائيلية مهمة وكيف يجب أن نرد عليها، للأسف من الواضح أن السلطة تعتبر أن كل الرواية الإسرائيلية ضرر جانبي، ولا تقيم لها وزناً". ويؤكد أن "استخفاف المستوى الرسمي الفلسطيني بالرواية الإسرائيلية قصة تحتاج إلى بحث حقيقي، وإثارتها من قبل الصحافيين والمختصين أمام الرأي العام الفلسطيني".

منصات وصحافيون في ميدان المواجهة

إضافة للصحافيين والناشطين، اجتهدت منصة "تيقن" والتي يقوم عليها عدد من الصحافيين والصحافيات الشباب الذين تخصصوا في التأكد من صحة الأخبار وتصحيحها للجمهور الفلسطيني في الحرب الإعلامية. 

يقول أنس حواري، أحد القائمين على مبادرة منصة "تيقن"، في حديث لـ"العربي الجديد": "وجدنا في حادثة (نفق جلبوع) أننا أمام معركة ما بين الرواية الحقيقية ورواية الاحتلال الملفقة لأهداف سياسية واضحة بأنها موجهة من أطراف سياسية وأمنية إسرائيلية لوسائل إعلام لبث رسائل معينة، تم العمل عليها بشكل منظم". وبحسب حواري "فقد أثبتت منصة (تيقن) أن هناك رواية إسرائيلية كاذبة منظمة بشكل خطير، وكأنها معركة إعلامية تم تسخير كل الأجهزة الأمنية والسياسية في هذه المعركة، وعملت على توجيه الإعلام تبعاً للأهداف التي يريدها أمن الاحتلال".

رواية كاذبة وخطيرة

هناك شواهد كبيرة ومخيفة لكذب الرواية الإسرائيلية بشكل منظم وخطير، ومنها على سبيل المثال؛ الإيحاء من خلال الإعلام العبري أن الأسرى كانوا في وضع منهك جداً ويرثى له، وكانوا يبحثون عن قمامة عن طعام. ووفق حواري، فإن "الأسرى لم يكونوا منهكين ومتعبين وجائعين، لأنهم في صور الاعتقال كانوا حليقي الوجه والشعر وبملابس نظيفة، ما يعني دحض الرواية الإسرائيلية عن وضعهم، ولعل أكثر ما استفز الإعلام الإسرائيلي الذي يلعب دوراً أمنياً، قيام الناشطين الفلسطينيين بنشر صور الأسرى الأربعة الذين أعيد اعتقالهم وهم يبتسمون، الأمر الذي جعل كبار الصحافيين الإٍسرائيليين يوضحون لجمهورهم الغاضب أن هذه الصور قدمها لفلسطينيين لدحض روايتنا عن الأسرى، ما أدخلهم في حالة من الحيرة والغضب". 

وبحسب حواري، فإنه "ليس شرطًا أن هذه الروايات خرجت من إعلام رسمي إسرائيلي، لكن من الواضح أن هناك توجها لبث هذه الروايات، وعندما ينشر الإعلام العبري الرسمي روايته حول الأسرى المنهكين فهو بالتالي يضم كل الروايات الأخرى الكاذبة".

في المقابل، يؤكد حواري، "لا توجد أية رواية رسمية فلسطينية يمكن الاعتماد عليها، بسبب تعقيدات الظروف السياسية والجغرافية، ما جعل المسؤولية كبيرة على منصة (تيقن)، حيث لا توجد رواية فلسطينية، بل هناك رواية إسرائيلية كاملة، وانقياد من قبل بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية للرواية الإسرائيلية". ويقول: "ليست المشكلة في عرض الرواية الإسرائيلية من قبل بعض وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية، ولكن يعيبهم أنهم يعرضون الرواية الإٍسرائيلية على أنها الحقيقة المطلقة، وهنا تكمن المشكلة".

المساهمون