المسرح المغربي... فنّ مجهول على التلفزيون الرسميّ

المسرح المغربي... فنّ مجهول على التلفزيون الرسميّ

18 أكتوبر 2021
ينسحب المسرح من الحياة الفنيّة في المغرب (رومان لافابريغ/فرانس برس)
+ الخط -

يوماً بعد يوم ينسحب المسرح من الحياة الفنيّة في المغرب. ليس من لدن المجتمع فقط، بل حتّى من طرف مسرحيين أنفسهم على خلفية الحظوة المادية التي يحبل بها التلفزيون الرسميّ اليوم. ففي مشهدٍ رومانسيّ يرقب النقاد فيه أهل المسرح وهم يُغيّرون قلاعهم كمُمثلين صوب الإخراج التلفزيوني. وعلى الرغم من أنّ أغلبهم لا يتوافرون على أدنى شروط المعرفية، تجدهم يحتلون أكبر المشاريع التلفزيونية ويستحوذون على أوقات طويلة من العرض مقارنة بآخرين، وذلك بحكم ما راكموه من علاقاتٍ شخصية داخل الوسيط التلفزيوني من طريق مسلسلاتٍ وأفلامٍ وإعلانات. وهي في مُجملها مشاريع مُجهضة ولا تستند إلى أيّ ذرة إبداع أو تجديدٍ أو تحوّل، بل هي فقط تكرار لأفكار سبق تقديمها، ومواضيع لا تقدّم أي جديد على الساحة الفنية المغربية.  

مع ذلك، تحرص الإذاعة الوطنية على تقديمهم بأبهى الصور على خلفية ما يمتلكونه من شعبية في مخيّلة المُشاهد وداخل المجتمع ككلّ.

يكثر التلفزيون الرسميّ من الصور الإعلانية وتغذية وجدان المُشاهد بسيلٍ من الكليشيهات البصريّة القائمة على التنميط والترفيه والاستهلاك كمُحاولة لاستمالة مشاعر الناس وتغيير أذواقهم الفنيّة والذاتية صوب التفاهة والبوز والابتذال. والغريب في الأمر، أنّ أغلب المسرحيين بمجرد معرفتهم بأنّ الدولة قد خصّصت دعماً مادياً للقطاع، يتركون التلفزيون ويتمركزون من جديد على خشبات المسارح. رغم أنّ هذه المَشاهد الساخرة لا تُلخّص إلّا واقع الفنّ المغربي اليوم باعتباره امتداداً عميقاً لانحطاط السياسة وتواطؤ الدولة مع أحوال صناعة مترديّة داخل جمعياتٍ ومسارح. إضافة إلى سوء الأوضاع المادية للفنانين واضطرارهم إلى مجاملة السوق والأفكار السائدة من أجل العيش. 

المسرح المغربي المعاصر يبقى مُغيّباً ومجهولاً داخل التلفزيون الرسميّ

ورغم الاتفاقية التي أبرمها وزير الثقافة السابق عثمان الفردوس قبل تشكيل الحكومة الجديدة قبل أيامٍ، مع المدير العام للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة فيصل العرايشي، وذلك من أجل تعزيز الإنتاج المسرحي ومسايرة تحوّلاته ومواكبة تظاهراته ومهرجاناته، إلا أنّ المسرح المغربي المعاصر (يُمثّله ثلة من المسرحيين الشباب) يبقى مُغيّباً ومجهولاً داخل التلفزيون الرسميّ، مقارنة بسنواتٍ خلت ظلّ فيها المسرح المغربي (والعربي) مُتربعاً على عرش التلفزيون. إذ حرص على بثّ أكبر المسرحيات المغربيّة التي كانت تُعرض آنذاك داخل بعض المدن. خاصّة أنّ أغلب المسارح مُتمركزة في مدن المركز ولا يستقيم عرضها في مدنٍ أخرى، فكان التلفزيون، هو الوسيلة الوحيدة لنا ونحن صغار نحبو على درب المُشاهدة المسرحية لمعرفة المستجدات الفنيّة وما يدور في فلكها من متعةٍ وتجديدٍ وتحوّلاتٍ كانت هائلة ولها وقعٌ خاصّ على قلوبها ونحن صغار.

الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ستعمل على بث 3 عروض مسرحية

لكن خفّ دور التلفزيون عموماً في العرض المسرحي، والأسباب لذلك عديدة لا يجب أيضاً إهمال هيمنة وسائل التواصل وتراجع الدور التقليدي للتلفزيون عموماً بسبب ثورة الرقمنة.

وحسب ما جاء في بلاغ الاتفاقية، فإنّ الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة ستعمل على "بث ثلاثة عروض من الأعمال المسرحية المتبارية على جائزة المهرجان الوطني للمسرح بتطوان، التي تكون قد حظيت بتنويه لجنة التحكيم وتوصيتها بالعرض على شاشة التلفزة". وفي البلاغ نفسه تعهّدت الوزارة بتخصيص غلافٍ مالي لشراء العروض وعرضها حسب ما "توصي لجنة تحكيم المهرجان الوطني للمسرح ببثها على قنوات الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، علاوة على وضع فضاء مسرح محمد الخامس بالرباط ومسرح قصر الفنون بطنجة رهن إشارة الشركة بقصد تصوير العروض المسرحية الموصى ببثها".

الأرشيف
التحديثات الحية

توقف التلفزيون عن عرض المسرحيات أسهم كثيراً في تأزيم الحركة المسرحية المغربيّة وجعلها مُجرّد فولكلور ماضويّ يحنّ إليه الناس من باب النوستالجيا والزمن الجميل. لكنّ المؤسّسة الرسمية الوصية على المسرح، لا تعرف أنّها أجهضت مشاريع مسرحية عدّة بتوقيف عرضها وتهميش الفنّان وتقليص دعم الفرق الشبابية الجديدة. لا أحد كان ينتظر وصول المسرح إلى حضيض الفنّ المغربي بعد الجدل الذي أحدثته مسرحيات مغربيّة داخل مسارح عربيّة منذ السبعينيات. رغم أنّ هذا التحوّل هو في عمقه بنيويّ يشمل باقي الفنون الأخرى، إلا أنّ الوسيط التلفزيوني يبقى يستحوذ على نصيب الأسد من ناحية المَشاريع البصريّة، وذلك على خلفية ما يُضمره في طيّاته من سُلطة أبديّة بوصفه أداة تستهلك حياة الناس، بحيث تستمد شرعية سُلطتها من ذاتها وليس من جسدٍ تنظيميّ آخر. إنّ سلطة التلفزيون الرسميّ أشبه بنبتةٍ تُلقّح نفسها بنفسها وتتزاوج فيما بينها لتصنع أطيافاً وأخطبوطات أخرى تمتد لها في الزمان والمكان. وإلّا فكيف نُفسّر منطلق الصداقة الذي يحكم دواليب تسييره منذ ثمانينيات القرن الماضي؟ وكيف تحوّلت سُلطته التقنية القاهرة عائقاً أمام تقدّم مسلسلاتٍ وأفلام تلفزيونية داخل المغرب؟

المساهمون