Hobby Hustle... الهوس والذاكرة والوهم

18 ابريل 2025
يعجز الوثائقي عن الفكاك من منطق السوق رغم محاولة انتقاده له (IMDb)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "Hobby Hustle" يستعرض ثلاث حكايات متشابكة من سوق التذكارات الرياضية، مسلطاً الضوء على التناقضات في الثقافة الاستهلاكية بين الشغف والهوس، متسائلاً عن القيمة الحقيقية للأشياء.

- الحكايات تتناول قصص كارل كيسنر وعائلته، كليف بانيزيتش، ولوك كوي، حيث تعكس كل قصة جانباً من الثقافة الاستهلاكية وتحويل الذكريات إلى سلع واستثمارات.

- يعكس الفيلم تأثير جائحة كوفيد-19 على سوق التذكارات، حيث ازدهرت السوق الرقمية، ويقدم نقداً لتناقضات السوق بين الاحتفاء والنقد.

بين محاولة فهم الهوس الجَمْعي والانغماس في التباهي بجماليات هذا الهوس، يأتي فيلم المخرج مايكل دولت Hobby Hustle الذي صدر أخيراً. من البيئة التي كبر فيها المخرج وساهمت في تكوينه الفكري، يقدّم عمله الوثائقي عبر ثلاث حكايات متشابكة من سوق التذكارات الرياضية. هذه التذكارات هي بطاقات لاعبي البيسبول وكرة السلة وتواقيع هؤلاء اللاعبين على البطاقات أو الكُرات أو الملابس، لينقب في تناقضات الثقافة الاستهلاكية التي ترفع من شأن التكديس المادي (القهري في مواضع عدة) وتمحي الحدود بين الشغف والهوس والذاكرة والوهم.

يتساءل المخرج، بعد أن تتحول الذكريات إلى سلع واستثمارات: هل نحن من يمنح الأشياء قيمتها أم أن هذه القيمة تسيطر علينا؟ للإجابة، لا يكتفي مايكل دولت (Michael Dault) بعرض تناقضات سوق التذكارات الرياضية والمجتمع الذي يتداول تذكاراته في هذه السوق، بل يحاول أن يقدم أكثر من مجرد قصص وحكايات للتوثيق، لكنه يترنح ويسقط في بعض المشاهد، وفي النهاية يبقى معلّقاً بين الإعلان الترويجي للاحتفاء المقنع بالثقافة الاستهلاكية التي ينتقدها، والسردية النقدية التي يحاول أن يقدمها.

الحكاية الأولى هي عن كارل كيسنر وعائلته، بعد أن وجدوا بطاقة لاعب البيسبول هوناس واغنر في قبو منزل العائلة. تتحوّل هذه اللعنة (التكديس) التي امتدت منذ قرن عبر أجيال العائلة إلى نعمة بملايين الدولارات. مشاهد لافتة يُضَمِّنُها المخرج في العمل تدعم سرديته النقدية، ذلك عبر الموسيقى التصويرية الحالمة، واللقطات الأرشيفية لنجوم الرياضة، ويُظهر كيف يُعاد تدوير الذكريات عبر منصات، كـ"يوتيوب" و"تيك توك"، إذ تُفتح علب البطاقات باحتفالية تشبه طقوس اليانصيب.

الحكاية الثانية عن لاعب البيسبول الفاشل كليف بانيزيتش، الذي احترف تزوير تواقيع الرياضيين وحصَّل ثروة طائلة. يُجادل الوثائقي بأن القيمة مجرد وَهْمٍ، ولكل وهمٍ هاوية، وهذه القيمة تحدّدها العاطفة. يؤكد المخرج هذا الأمر عبر جمالية التصوير في العمل، إذ لقطات الماكرو تلاحق أنامل جامعٍ تُلامس بطاقةً نادرة، مع إضاءة دافئة تُذكّر بِمشاهد الأفلام الرومانسية، تُحوِّل التذكارات إلى أيقونات لها قيمة فقط في السياق الاستهلاكي. حتى مشاهد التزوير تُصوَّر بانبهارٍ تقني، تأكيداً للغواية البصريّة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ينجح لوك كوي في الحكاية الأخيرة من العمل، بتحويل هوايته إلى متجر ناجح وقناة على "يوتيوب". هذه القصة نقيض السابقة، فالتزوير هو انحراف أخلاقي، وتحويل الهواية إلى سلعة هو خطاب نيوليبراليّ يختزل النقد الاجتماعي إلى خيارات فردية، علماً أن القصص الثلاث، ومعها العمل برمته، نتاج طبيعي لثقافة تجعل الربح الاقتصادي معياراً وحيداً للنجاح، والحياد الذي يرتديه المخرج يخفي تحته أيديولوجيا تدين التزوير ولكنها لا تدين النظام الذي يجعل التزوير خياراً جذاباً لتحقيق الهدف الممثل بالربح السريع.

عبر مونتاج مفرط في السلاسة، يسرق العمل من المشاهد حق الارتباك، ذلك عبر هندسة الفوضى في العمل وتغيير مراحل سرد القصة لتناسب الصيغة العامة للسرد في العمل، أي تحويله لقصة من مقدمة وعرض وخاتمة. يلتقط الفيلم لحظة تحوّل جائحة كوفيد-19 إلى فرصة ذهبية للصناعة. العزلة دفعت كثيرين إلى البحث عن السلوى في المقتنيات والذكريات، بينما استغل بعضهم الآخر، مثل بانيزيتش، ازدهار السوق الرقمية لبيع التزوير عبر منصات مثل إيباي، ما عكس تحولاً جذرياً في مفهوم الجمع، من فعل حميمي فيزيائي إلى معاملات رقمية عبر الشاشات.

إن إشكالية العلاقة مع الماضي والهشاشة الإنسانية هي المحاور الأساسية للوثائقي. نجح دولت بإدخالنا إلى هذا العالم ببراعة، التصوير الديناميكي واللقطات الوثائقية والغرافيك الحيوي السريع، جميعها أدوات استثمرها ببراعة ليعكس تناقضات السوق. ربما يكمن النقد الحقيقي في هذا التناقُض نفسه، فالفيلم عَجْزَ عن الفكاك من منطق السوق وعكس ثقافة مُرتَعِشَة ومُتصدِّعة عبر مرآة تكمن مهمّة السينما في كسرها وليس تلميعها.

المساهمون