50 سنة على رحيل كوكو شانيل... عطر العطور ومزيج العادي والأنيق

50 سنة على رحيل كوكو شانيل... عطر العطور ومزيج العادي والأنيق

08 يناير 2021
لا تزال رؤية شانيل المتمثلة في الأناقة المريحة حاضرةً في طلّة المرأة العصرية (Getty)
+ الخط -

تحلُّ بعد غد الأحد الذكرى الخمسون لوفاة رائدة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل التي أحدثت ثورة في الموضة النسائية في القرن العشرين، ولا تزال رؤيتها المتمثلة في الأناقة المريحة حاضرةً في طلّة المرأة العصرية.

ويشكّل الفستان الأسود والفم المرسوم بأحمر الشفاه رمزاً لأناقة لا تفنى، بينما لا يزال "الرقم 5" الذي طرحته عام 1921 سيّد العطور.

واختصرت كوكو شانيل، واسمها الأصلي غابرييل شانيل، ثورتها في عالم الموضة بقولها "ثمّة عالم كان ينتهي، وآخر كان سيولد (...). كنا بحاجة إلى البساطة والراحة والوضوح. لقد قدمت إلى العالم كل هذا".

منذ بداياتها في العقد الأول من القرن العشرين كانت شانيل تسير في الاتجاه المعاكس لأزياء عصرها. كانت ترتدي بنفسها الملابس التي تصممها بينما كان زملاء المهنة الرجال يصممون أزياء لأنوثة مثالية.

تميزت أزياء "كوكو" بكونها توفر المرونة، كونها مستوحاة من الملابس الرياضية وتستعير بعض خصائص ملابس الرجال الأنيقة. ولجأت المصممة إلى التريكو والجيرسيه والتويد لابتكار ملابس تتسم بالأناقة من دون أن تبدو رسمية.

ولاحظت مؤرخة الفن والأستاذة في "سنترال سانت مارتينز" في لندن كارولين إيفانز أن الصور التي تعود إلى العشرية الأولى من القرن العشرين "تُظهر إتقان "شانيل" اللامبالاة التي يتصف بها الذكور، بحسب ما يتضح من وضعها يديها في عمق جيبيها".

لايف ستايل
التحديثات الحية

 

لم تكن هذه الوقفة مألوفة في ذلك العصر، إلا أن المصممة جعلت عارضاتها يعتمدنها أيضاً، وأرادتهن نسخاً تشبهها، أي نحيفات، مسطّحات الصدر، مستقيمات الجسم.

وقالت مديرة متحف "قصر غالييرا" المخصص للأزياء في باريس ميرين أرزالوز لوكالة فرانس برس إن "بول بواريه حرّر النساء من مشدّات الخصر أو الكورسيه، لكنّ شانيل هي التي ركّزت ابتكارها على المرأة، ومفهومها للأناقة مرتبط بعفوية المظهر وحرية الحركة".

"زي المرأة النشيطة"

وتتيح زيارة المعرض الاستعادي المخصص لشانيل في غالييرا والذي افتُتح في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت قبل الإغلاق العام الثاني، ملاحظة الدرجة القصوى من الحداثة في تصاميمها عشية ذكرى نصف قرن على وفاتها في 10 يناير/ كانون الثاني 1971.

فجّرت غابرييل شانيل غرابة تصاميمها في المجوهرات، من الأسلوب البيزنطي إلى الباروكي، مروراً بالنمط المصري، معيدة من خلالها النظر في معايير الفئات المجتمعية.

 

وأوضحت مديرة المجموعات في غالييرا فيرونيك بيلوار لوكالة فرانس برس أنها "جاءت برؤية جديدة للأناقة الأنثوية، مختلفة جذرياً" عما كان سائداً، إذ هي "بلا قيود(...) ولا تستسلم إطلاقاً لموضة ذلك الزمن".

وشددت الخبيرة على أن "ما طرحته "شانيل" في عصرها كان طليعياً جداً، فهذه هي الأمور التي تفعلها جميع النساء اليوم (...) وهي المزج بين العادي والأنيق، بين المجوهرات التقليدية وتلك الغريبة بأشكالها والمواد المستخدمة فيها، بين المذكر والمؤنث".

صحيح أن الفستان الأسود لم تخترعه شانيل، لكنه مثال يعبّر عن أسلوبها. وكتب مؤرخ الموضة أوليفييه سايار أن "الفستان الأسود هو شكل تجريدي من اللباس الذي ترتديه جميع النساء (...) لكن شانيل لم تتوقف عند هذا الحدـ بل إنها، إضافة إلى إطفائها الألوان (...) تقطع رؤوس الفساتين، وتزيل ياقاتها، وتخلع منها الدعامات الزخرفية وتزيلها وتمحوها".

وعندما عادت شانيل إلى المهنة عام 1954 (بعد مرحلة من التعاون مع الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية أعقبها المنفى في سويسرا)، كانت حقبة الـ"نيولوك" من كريستيان ديور، والشكل الذي يمجّد معايير الأنوثة القديمة، لكّن غابرييل شانيل التي كانت في الواحدة والسبعين، تموضعت مجدداً بعكس التيار.

 

فبزَّتها النسائية التي تتميز ببساطة قصّاتها، تعرضت بدايةً للانتقاد بسبب افتقارها إلى الحداثة، قبل أن تصبح لعقود قطعة أيقونية وزي المرأة النشيطة.

وأشار أوليفييه سايار إلى أن شانيل "ابتعدت عن أسلوب الخمسينيات المنمّق وأصبحت مرشدةً روحيةً للشباب. فأسلوبها المنظم الأقرب إلى الزي الرسمي الموحّد منه إلى عدم الاستقرار في الملابس، فرض نمطاً سلوكياً على جيل ستينيات القرن العشرين".

"المرأة الصبيانية"

أما الأكسسوارات، فعبّرت هي الأخرى عن سعي شانيل إلى الطابع العملي، ومنها الأحذية ذات اللونين - التي يوحي البيج فيها بأن الساق أطول، وتخفي البقع بطرفها الأسود - أو الحقيبة المبطنة التي توضع على الكتف لأن شانيل "تعبت من حمل الحقائب بيدها وإضاعتها".

وبدت حقيبة شانيل هذه منظمة بطريقة مدروسة من الداخل، يتوافر فيها عدد من الجيوب، أحدها مخصص لأحمر الشفاه. فنمط شانيل يحدد الماكياج أيضاً.

وشرحت المسؤولة عن التراث في شانيل جولي ديدييه أن "المرأة الصبيانية تعيد رسم وجهها من خلال إبراز نظرتها وتلوين شفتيها بالأحمر، في حين أن الماكياج الكثيف كان في السابق حكراً على الممثلات وسيدات المجتمع".

 

وفجّرت غابرييل شانيل غرابة تصاميمها في المجوهرات، من الأسلوب البيزنطي إلى الباروكي، مروراً بالنمط المصري، معيدة من خلالها النظر في معايير الفئات المجتمعية.

وأسلوب شانيل الذي "لا توجد من دونه (...) امرأة جميلة الملابس"، وفقاً لمجلة "فوغ فرانس" عام 1927، لا يزال هو نفسه، في عروض شانيل اليوم كما في الأمس.

عطر العطور

عندما سئلت مارلين مونرو "ماذا ترتدين في السرير؟"، أجابت "فقط شانيل الرقم 5"، هذا العطر الذي ابتُكِر قبل مائة عام، وخلّدته نجمات السينما ككاترين دونوف ونيكول كيدمان بصورهنّ في إعلاناته، مما ساهم في جعله الأكثر شهرة والأكثر مبيعاً في العالم.

كان هذا العطر متوافقاً بطابعه الثوري مع أسلوب شانيل في كسر قواعد الموضة النسائية. وقالت مديرة التراث في "شانيل" جولي ديدييه إن "اسم هذا العطر ورائحته، معطوفَين على شكل زجاجته"، عوامل "ساهمت في جعله رمزاً لما يعرف بالسنوات المجنونة"، أي عشرينيات القرن العشرين.

وأضافت "بهذا الرقم البسيط الذي يحدد رقم العينة المختارة، ابتعدت شانيل عن الاتجاهات السائدة ودخلت في التجريد".

 

شاءت المصممة أن تميّز نفسها عن العطور التقليدية التي كانت تطغى في القرن التاسع عشر، وتقوم على روائح الطبيعة والأزهار، وأن تصمم هذا العطر "برائحة المرأة" كما لو كان فستان "هوت كوتور" راقياً.

ووصفته بأنه "عطر اصطناعي، اصطناعي كالفستان، أي تم تصنيعه. أنا حرفية خياطة. لا أريد الورود، ولا زنبق الوادي، بل أريد عطراً يكون مركّباً".

أُسندت هذه المهمة إلى صانع العطور إرنست بو الذي ابتكر تركيبة لا تعيد إنتاج أي رائحة موجودة في الطبيعة.

وكما يُقرأ المكتوب من عنوانه، كذلك يمكن القول إن أسلوب شانيل "يُشمّ" من عطرها. ويمكن التعرف إلى هذا العطر فوراً من رائحته غير المألوفة والعائدة إلى جرعة زائدة من الجزيئات الاصطناعية ومركّبات الألدهيدات التي تضفي نضارة على نفحات الأزهار وتضفي عليها طابعها "التجريدي".

كذلك فإن بساطة شكل الزجاجة ذات اللونين الأسود والعاجي، والتي شهدت تعديلات طفيفة على مر السنوات لكنها حافظت على بساطتها، كانت تتناقض مع الزجاجات الفخمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت. وعن ذلك، قالت شانيل "سأضع كل شيء في العطر، لا شيء في الشكل".

(فرانس برس)

المساهمون