استمع إلى الملخص
- بدأت كيتون مسيرتها السينمائية عام 1970 وشاركت في أفلام بارزة مثل "العرّاب" و"آني هول"، ورُشحت لثلاث جوائز أوسكار أخرى.
- رغم تجاوزها السبعين، استمرت في التمثيل بأفلام مثل "بوك كلوب" و"بومز"، وأكدت أنها لا تفكر في الاعتزال، معبرة عن رضاها عن حياتها الشخصية والمهنية.
رحلت الممثلة الأميركية ديان كيتون (1946 ــ 2025)، إحدى أبرز وجوه السينما الحديثة، عن عمر ناهز التاسعة والسبعين في كاليفورنيا، كما أكّدت مجلة People. لم تُعلَن تفاصيل إضافية عن الوفاة، لكنّ مقربين منها أشاروا إلى تدهور مفاجئ في صحتها خلال الأشهر الأخيرة. برحيلها، تفقد هوليوود واحدة من أكثر ممثلاتها تفرّداً، وأكثرهن تأثيراً في أسلوب الأداء والموضة على السواء.
وُلدت ديان هول في لوس أنجليس عام 1946، ونشأت في أسرة متوسطة تؤمن بقيمة الخيال والعمل. بدأت مشوارها الفني في المسرح المدرسي، حيث أدّت دور بلانش دوبوا في عربة اسمها الرغبة. بعد انتقالها إلى نيويورك ودراسة التمثيل في مدرسة Neighborhood Playhouse، انضمت إلى فريق مسرحية Hair عام 1968، ثم لفتت الأنظار في المسرحية الكوميدية Play It Again, Sam إلى جانب وودي آلن، لتحصل على ترشيح لجائزة "توني". ذلك اللقاء مع آلن سيكون بداية علاقة مركّبة، فنية وعاطفية، ستحدد ملامح حقبة كاملة في السينما الأميركية.
كانت انطلاقتها السينمائية الحقيقية عام 1972 مع العرّاب فرانسيس فورد كوبولا بدور كاي آدامز، زوجة مايكل كورليوني (آل باتشينو). جسّدت كيتون التناقض بين البراءة الأولى والانكسار اللاحق، لتصبح شخصية كاي رمزاً للمرأة التي تكتشف الوجه المظلم للقوة الذكورية. هذا الأداء الدقيق جعل كوبولا يقول عنها لاحقاً: "اخترتها لأنّ وراء ملامحها الهادئة شيئاً أعمق وأذكى وأكثر غرابة مما يبدو".
لكن العالم سيعرف ديان كيتون حقاً في عام 1977، عندما أطلّت بدور آني هول في الفيلم الذي كتبه وأخرجه وودي آلن. كانت "آني" فتاة عادية ظاهرياً، لكنها بكامل تفردها: ترتدي قبعة واسعة وربطة عنق فوق قميص رجالي وسترة فضفاضة، وتتمتم عبارتها الشهيرة La-di-da، La-di-da، كأنها تعلن حريةً جديدة للمرأة في السينما. ذلك المشهد البسيط تحوّل إلى لحظة ثورية في ثقافة الصورة والتمثيل.
قالت كيتون في مذكّراتها Then Again: "فعلت ما قاله وودي، ارتديت ما أريد، أو بالأحرى سرقت ما أريد من النساء الرائعات في شوارع نيويورك". فملابسها لم تكن مصادفة أو زينة، بل كانت امتداداً لروح الشخصية. القبعة كانت خجلاً، والسترة درعاً، وربطة العنق إعلان استقلال. حين تغني Seems Like Old Times وهي تختبئ داخل معطفها، تشي الحركة بكل هشاشتها وصدقها.
تحولت "أناقة كيتون" إلى ظاهرة. صارت رمزاً لحرية النساء في ارتداء ما يشأن، وتحدي الصور النمطية للجمال الأنثوي. كانت ترتدي سراويل واسعة وقمصاناً رجالية من دون أي محاولة لإرضاء الكاميرا، لكنها بدت دوماً آسرة. وكما كتب أحد النقاد: "ما كان يبدو على الأخريات زياً متصنعاً، كان على كيتون أسلوب حياة".
بعد فوزها بجائزة الأوسكار عن Annie Hall، وسّعت كيتون اختياراتها بين الكوميديا والدراما. أدّت دور الصحافية الراديكالية لويز براينت في Reds (1981) بإحساس بطولي ناعم، واستحقت عنه ترشيحها الثاني للأوسكار. ثم جاءت مرحلة الثمانينيات والتسعينيات لتجسد فيها الأم العاملة المنهكة (Baby Boom)، والزوجة المتمردة (The First Wives Club)، والكاتبة التي تقع في حب رجل أكبر منها سناً (Something’s Gotta Give). في هذا الأخير، بقمصانها العالية وياقاتها البيضاء، صنعت من "التورتل نِك" (الياقة العالية) علامة سينمائية بحد ذاتها.
كانت ديان كيتون تعرف كيف توازن بين الضعف والقوة، وبين الهشاشة والدهاء. في كل دور، كانت تضيف لمسة من ذاتها، حتى وهي تختفي داخل الشخصية. "أنا ببساطة فتاة التورتل نِك"، تقول ساخرة، لكنها في العمق كانت تصوغ تعريفاً جديداً للمرأة الناضجة في السينما، امرأة تعرف ما تريد، وتعرف أن السخرية سلاح نبيل ضد الخوف.
لم تكن كيتون ممثلة فقط، بل فنانة متعددة الوجوه. أخرجت أفلاماً مثل Heaven (1987) وHanging Up (2000)، وأخرجت أيضاً فيديوهات موسيقية شهيرة منها أغنية Heaven Is a Place on Earth لبليندا كارلايل. خلف الكاميرا كما أمامها، كانت تفضّل الأسلوب الصادق وغير المتكلّف، قائلة إن "العيب أجمل من الكمال".
كما اشتهرت بهوسها بالتصوير المعماري وتوثيق الأبنية القديمة. أصدرت كتباً مصوّرة عن البيوت والأبواب في المدن الأميركية، مبرّرة شغفها بقولها: "الحياة مسكونة بالأشباح الجميلة للأشياء التي كانت موجودة، الأبواب المغلقة تحكي القصص أكثر من المفتوحة".
على الرغم من شهرتها، ظلّت كيتون متحفظة في حياتها الخاصة. لم تتزوج قط، رغم علاقاتها العلنية مع وارن بيتي وآل باتشينو ووودي آلن. تبنّت ابنتها ديكستر عام 1996 وابنها ديوك عام 2001، وقالت عن الأمومة إنها "التجربة التي علّمتني التواضع، وذكّرتني بأن النجومية لا تعني شيئاً أمام الحب". كما سخَّرت سنوات طويلة للعناية بوالدتها المصابة بألزهايمر، ثم بأخيها الذي عانى اضطرابات نفسية حتى رحيله عام 2021.
في عام 2017، كرّمها معهد الفيلم الأميركي بجائزة الإنجاز مدى الحياة. قدّمها وودي آلن بنفسه، ساخراً من قبعتها الأيقونية، فيما ردّت عليه كيتون بغناء Seems Like Old Times، الأغنية التي غنّتها في Annie Hall. كان ذلك وداعاً ناعماً بين شريكين فنيين أثارا جدلاً، لكن لا يمكن إنكار ما قدماه للسينما من شغف واختلاف.
قبل وفاتها بعام، قدّمت أغنيتها الأولى First Christmas، وواصلت نشاطها عبر إنستغرام حيث كانت تشارك صوراً لكلبها المفضل "ريجي"، وملاحظاتها اليومية بروح طفلة لم تكبر. آخر ما نشرته كان في إبريل/نيسان 2025 احتفالاً بـ"يوم الحيوانات الأليفة"، صورة بابتسامة واسعة تختصر مسيرتها كلها: براءة وعناد ودفء.