وجوه مروان نصار... حين يرسم الألم خرائطه في غزة

26 اغسطس 2025   |  آخر تحديث: 17:09 (توقيت القدس)
من المعرض (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يضم معرض "أن تنجو لتشهد" للفنان مروان نصار حوالي 60 لوحة توثق معاناة الفلسطينيين في غزة، مركّزًا على الحياة اليومية والرموز الثقافية مثل علم فلسطين والبحر والصيادين، مع تسليط الضوء على وجوه الناس ومشاعرهم.
- يعتبر نصار الفن وسيلة للمقاومة والتعبير عن المعاناة، حيث يصف تحوله الفني بأنه "هندسة الموت"، مما يعكس نضجًا بصريًا وفهمًا أعمق لتجربته الفنية.
- واجه نصار تحديات بسبب الحرب، مثل شح الموارد، مما دفعه لاستخدام خامات بسيطة وإعادة تدوير المواد، ونقل لوحاته عبر منصات رقمية لتجاوز الحصار.

"حين يرسم الألم خرائطه"، هكذا وصف الفنان الفلسطيني مروان نصار معرضه "أن تنجو لتشهد" الذي يوثّق معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، وقد افتتح في غاليري باب الدير في رام الله السبت 23 أغسطس/ آب بالشراكة مع المنصة الرقمية المستقلة، آرت زون.

يعرض الغاليري نحو 60 لوحة لنصار من أصل 400 رسمها الفنان بحجم صغير لتسهيل نقلها عند النزوح لتكون شاهدة على جرائم الاحتلال في قطاع غزة منذ العام 2023. فتوثّق اللوحات التقاطات الفنان لمشاهد لأهالي غزة خلال معاناتهم اليومية، كما تحمل في تفاصيلها رموزاً مختلفة من بيئة قطاع غزّة كعلم فلسطين والبحر والقارب والصيادين والدواب التي تستخدم للتنقل. وفي زاوية خاصة يركّز الفنان على وجوه الناس معنوناً اللوحات بـ"ليست وجوه، بل مشاعر".

في حديثه لـ"العربي الجديد"، يؤكد نصار (41 عاماً) أنّ معرضه "أن تنجو لتشهد" ليس مجرد مشروع فني بل امتداد لتجربة حياتية يعيشها بكل تفاصيلها خلال الحرب، معتبراً أن هذا المعرض تجربة منفصلة عن ممارساته الفنية السابقة فرضتها ظروف سياسية واجتماعية قاسية. "أمارس الرسم اليومي كفعل إصرار ونجاة، كمن يطرق الخزان كي لا يختنق بالصمت. أصبح الفن بالنسبة لي أحد أشكال المقاومة والمسؤولية الاجتماعية كوني جزءًا من مجتمع يرزح تحت هذه الظروف"، يضيف نصار.

كما يرى نصار أن هذا المعرض من أهم محطاته الفنيّة لما يحمله من "قصص الوجع المتراكم" الذي سكن داخله بوصفه فنانا وإنسانا تأثرا بمحيطه اليومي. يقول نصار: "المعاناة التي نعيشها ليست حدثًا عابرًا، بل زلزال أعاد تشكيل البنية الاجتماعية والسياسية من جذورها، وغيّر تفاصيل حياتنا اليومية".

"حكايات من الألم والقلق والخوف"

يرى نصار أن مسؤولية الفنان تضاعفت خلال الحرب، "إذ عليه أن يلتقط اللحظة التاريخية ويعيد صياغتها فنيًا بما تحمله من ألم وارتباك ودهشة"، مؤكداً أن الفن ليس ترفاً وأن الفنان "ابن بيئته"، فلا يمكنه الانفصال عما يمر به مجتمعه. نتيجة لذلك، حالت حرب الإبادة دون استكمال مشروع فني خطط له نصار مسبقاً بعنوان "روايات الأمكنة" حول الهوية والذاكرة الجمعية الفلسطينية والمرويات التاريخية التي عرفها الشباب الفلسطيني من خلال كتب التاريخ، فتبدلت أولويات نصار الفنية وصارت الحرب موضوع لوحاته. 

يصف لنا نصار هذا التحول في مسار إنتاجه الفني: "لم تعد التجارب الشكلانية والبحث في تقنيات التعبير غاية بحد ذاتها. وجدت نفسي منصرفًا إلى إعادة سرد ما أراه وأعيشه، متوغّلًا في تفاصيل الألم المحيط بي، أتابع الأخبار والصور، لا بدافع الفضول، بل لأشعر بالوجع وأعيد صياغته بصريًا. لقد أصبحت الحرب مادة دسمة لدراسة البعد الإنساني وتفحّص هموم الناس، الذين تقرأ في عيونهم وحركاتهم العشوائية في الأسواق والشوارع حكايات من الألم والقلق والخوف، فالجميع ينتظر دوره ليكون ضمن قوائم الشهداء".

ومن ناحية أخرى، يصف نصار الرسم اليومي بما هو طقس نجاة شخصي يلتقط فيه اللحظة ويفرغ طاقته بعفوية وصدق. فازدادت كثافة ضربات فرشاته وأصبحت ألوانه أكثر جرأة وفوضى. "لم تعد التكوينات تقليدية، بل انبثقت من اللحظة كصرخة بصرية"، يضيف نصار.

"هندسة الموت"

يعنون نصار التحول في مساره الفني بالتوازي مع تصاعد وتيرة الحرب بـ "هندسة الموت". تلك المرحلة التي تنقل فيها نصار ما بين الرسم السريع بالفرشاة وبين أقلام الفحم التي أنجز بها عشرات الرسومات التي يصفها بـ"خرائط لذاكرة مثقلة" ويؤكد أنها قادته لنضج بصري أعمق وفهم أوضح للمسار الذي تسلكه تجربته، على حد تعبيره. 

لعبت عوامل عدّة أخرى في تغيير المسار الفني لنصار، فالحرب لم تغيّر المفاهيم فحسب، بل دمرت البنية التحتية بالكامل مما أدى إلى شح الموارد الخاصة بالرسم، الأمر الذي دفعه للبحث عن البدائل من خامات بسيطة وإعادة تدوير المواد للاعتماد عليها في إنتاج اللوحات. فاستخدم نصار ما توفر لديه من مطبوعات وأوراق وأبحاث ومواد أرشيفية قديمة فصارت جزءاً من اللوحة وتحولت برأيه إلى "بُعد رمزي يعبّر عن حالة الطمس التي تتعرض لها هوية المكان".

يضيف نصار:"اعتبرتُ كل كلمة مطبوعة على هذه الأوراق بمثابة سردية، تمثل عنصرًا من عناصر غزة التاريخية، وكأنني أُحمّل كل حرف عبئًا ذاكراتيًا وثقافيًا". كما يؤمن نصار أن الممارسة الفنية تشكل فعلًا يؤكد الهوية والوجود، فبرأيه "سواء قُرئ العمل من زاوية فردية مرتبطة بالفنان وحده، أو من زاوية جمعية تعكس صدى بيئته ومجتمعه، يبقى الفن شاهدًا على اللحظة الإنسانية وجسرًا يصل بين الذاتي والجمعي".

بإمكانات محدودة استطاع نصار إنتاج هذه اللوحات وتصويرها بكاميرا هاتفه بأعلى جودة ممكنة لتنقلها منصة آرت زون وغاليري باب الدير للجمهور في الضفة الغربية المحتلة بأفضل تقنيات الطباعة لتكون نسخة متقنة عن الأصل متجاوزين الحصار والحرب وإجراءات الاحتلال التعسفية.

المساهمون