وثائقيان في "شاشات الواقع": السينما غير مُكتملةٍ

15 يناير 2025
"داهومي": موضوع مهمّ في قالب بصري عادي (الموقع الإلكتروني لـ"برليناله")
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- فيلم "داهومي" يسلط الضوء على استعادة تماثيل منهوبة من فرنسا إلى بنين، موثقاً تاريخ الصراع بين المستعمِر والمستعمَر، ويبرز تساؤلات حول العلاقة المستمرة مع المستعمِر.
- فيلم "باي باي طبريا" يركز على استعادة تاريخ عائلي من خلال لقاءات مع نساء عائلة فلسطينية، ويهدف لمحاربة النسيان وتأكيد الهوية عبر الأجيال.
- كلا الفيلمين يعكسان محاولات لاستعادة الهوية والتراث، ويبرزان أهمية السرد الشخصي والجماعي في تشكيل الوعي الثقافي والاجتماعي.

 

فيلمان مُنتجان حديثاً يُعرضان في النسخة الـ19 (10 ـ 21 يناير/كانون الثاني 2025) لـ"شاشات الواقع: لقاء بيروت للفيلم الوثائقي".

"داهومي" للسنغالية ماتي دِيوب (يُعرض مساء اليوم) توثيق تسجيلي بالمعنى التقليدي للمفردة، رغم أهمية الحكاية المروية فيه. تقريرٌ تسجيلي، بلقطات تدّعي اشتغالاً سينمائياً، لكنّه متواضع، يُسجِّل تفاصيل حدثٍ مرتبطٍ بتاريخ وذاكرة وصراع، وإنْ يكن خفياً، بين بلدٍ ومستَعْمِره السابق، من خلال متابعة استعادةٍ "مجتزأة" لتماثيل قليلة العدد من البلد المستَعمِر (فرنسا) إلى البلد المستَعمَر سابقاً، أي مملكة داهومي، المعروفة حالياً بـ"جمهورية بينين" (العربي الجديد، 26 فبراير/شباط 2024).

فوزه بالدبّ الذهبي لأفضل فيلم، في مسابقة الدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، مُثير لنقاشٍ مبتور، فنقّاد عديدون غير مكترثين بجوائز، بل بأفلامٍ. المتابعة اليومية لدورة ما في مهرجان ما تستدعي أحياناً كتابةً تُقارن بين أفلامٍ مشاركة في مسابقة/برنامج/قسم، بعد المُشاهدة، ومع إعلان الجوائز. في "برليناله 74"، هناك أفلامٌ مُشاركة في المسابقة نفسها، تُعتَبر نقدياً أهمّ وأجمل وأعمق، لكنّ "داهومي" ينال الجائزة الأولى في المسابقة الأولى.

استعادة جزءٍ بسيط من تراث منهوب فعلٌ سياسي وأخلاقي وثقافي، يعكس اشتغالاً محلياً (جمهورية بنين) لاستعادة حقٍّ يسرقه مُستَعمِر. بداية "داهومي" تشي بمحاولة بصرية موفّقة لماتي دِيوب (تماثيل توضَّب في صناديق، وأحدها يروي الحكاية بنبرةٍ هادئة ومتواضعة، لكنّها تمتلك شيئاً من حماسة وشعور بعظمة الاستعادة/العودة إلى البلد). التفاصيل الأخرى مشغولة بتقنية تلفزيونية، تعكس (رغم هذه التقنية) وقائع حيّة، تبدأ بالاستعادة نفسها، وتنفتح على نقاشاتٍ حاصلة في بلد الكنز المُستعاد. هذا السرد (68 دقيقة) يكشف حيوية شبابية (تحديداً)، مطعّمة بتساؤلات عن تاريخ وراهن وعلاقة بمستعمِر لا يزال يحتفظ بكمٍّ هائل من ذاك الكنز المنهوب. أمّا الجانب الرسمي، فحضوره باهت، ولعلّ دِيوب نفسها تقصد إظهاره بشكله هذا.

 

 

"باي باي طبريا" (2023) للجزائرية الفرنسية لينا سويلم (يُعرض بعد غدٍ الجمعة)، المعروض أولاً في برنامج "أيام فينيسيا"، في الدورة الـ80 (30 أغسطس/آب ـ 9 سبتمبر/أيلول 2023) لـ"مهرجان فينيسيا السينمائي"، مختلف كلّياً، رغم أنّ فيه استعادةً أيضاً، لكنّها معنيّةٌ بتاريخ وحكايات وتفاصيل فردية، ترغب سويلم، ابنة الممثلة والمخرجة الفلسطينية هيام عبّاس، في فهم الحاصل قبل ولادتها، عبر لقاءات لها نساءَ عائلةِ والدتها، التي (الوالدة) تُرافقها في تلك الرحلة، الجغرافية والروحية والاجتماعية.

"بقصصنا، نحارب المَحو. هذه الصُّوَر تُقدّم نفسها دليلاً على وجود يتمّ نكرانه". "القصص التي ترويها هؤلاء النساء، في هذا الفيلم، لن تنتقل فقط من امرأة إلى أخرى، أو من ابنةٍ إلى أمّ، أو من أمّ إلى ابنة. إنها تنقل قصّة أشخاص محرومين من هويّتهم". كلامٌ لسويلم ("لو فيغارو" و"وكالة فرانس برس"، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2023)، تقدّم به "باي باي طبريا"، ثاني وثائقيّ طويل لها بعد "جزائرهم" (2020)، المعنيّ بعائلة والدها زين الدين سويلم، الممثل الجزائري الفرنسي، أي بوالديه/جدّيها المنفصل أحدهما عن الآخر، رغم مرور 60 عاماً على هجرتهما إلى "تيير" في وسط فرنسا (العربي الجديد، 18 ديسمبر/كانون الأول 2023).

القصص ـ الصُّور موجودة، ومن يُدركها واقعياً حيٌّ إلى الآن. الذكريات طاغيةٌ، والحنين إلى ماضٍ، ذاتيّ أولاً، سببٌ لتحويل الموجود (صُور فوتوغرافية، تسجيلات سمعية بصرية، مرويّات شفهية) إلى شريطٍ، يُراد له أنْ يكون وثائقياً سينمائياً، من دون بلوغه تلك المرتبة التي يمتلكها "جزائرهم"، مع أنّ البصريّ فيه يحافظ على سينمائيّةٍ متواضعة ومُحبّبة.

كَمٌّ من الأرشيف البصري محفوظٌ في أمكنةٍ، تتيح لسويلم الحصول عليها. رفقة والدتها، تتجوّل بين صُور وتسجيلات وواقع، وتلتقي أقارب لها من جهة والدتها، وتزور جغرافيا (مدن فلسطينية قليلة، أبرزها الناصرة وطبريا) تعكس شيئاً من تداخل بين اجتماع وعلاقات وأرضٍ وحدود وتاريخ، وتستعيد حكاياتٍ عائلية، وتحاول إعادة تمثيل يومياتٍ، تساهم في تشكيل وعي نسائيّ في أزمنةِ تحوّل، في الجغرافيا والسياسة والمجتمع والعلاقات.

المساهمون