هل تقود السيارات الهجينة والكهربائية مستقبل النقل المستدام؟

16 يناير 2025
شاحنة توصيل كهربائية 100% بانبعاثات صفرية في لندن، 7 فبراير 2023 (مايك كيمب/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أعلنت حكومة حزب العمال البريطاني عن خطة لجعل جميع السيارات الجديدة خالية من الانبعاثات بحلول 2035، مع التركيز على تطوير البنية التحتية لشبكات الشحن وتقنيات البطاريات، وتطبيق تفويض المركبات ذات الانبعاثات الصفرية (ZEV).

- تواجه الخطة تحديات اقتصادية وسياسية، مثل التزامات صارمة على شركات السيارات لتحقيق نسب مبيعات محددة من السيارات الكهربائية، وارتفاع تكاليف المعيشة وغياب الدعم الحكومي الكافي.

- تؤكد وزيرة النقل على أهمية التحول للسيارات الكهربائية، مع وجود 72 ألف نقطة شحن عامة وانخفاض تكاليف الشراء، وتدعم جمعية مصنعي وتجار السيارات (SMMT) هذا التحول.

أعلنت حكومة حزب العمال البريطاني، في خطوة تسلّط الضوء على مستقبل النقل المستدام، عن خطتها لجعل جميع السيارات الجديدة المباعة خالية من الانبعاثات بحلول عام 2035، مع فتح مشاورة موسعة لتحديد أفضل السبل التقنية لتنفيذ هذا التحول. تشمل المبادرة التزامات بتطبيق تفويض المركبات ذات الانبعاثات الصفرية (ZEV) الذي يحدد نسباً متزايدة من السيارات الكهربائية في الأسواق، إلى جانب معايير جديدة لأنواع السيارات الهجينة التي ستبقى متاحة خلال المرحلة الانتقالية. وتسلط الضوء على تحديات البنية التحتية لشبكات الشحن والابتكارات في تقنيات البطاريات، ومستقبل المركبات الهجينة، مثل الهجينة ذاتية الشحن والقابلة للتوصيل بمصدر كهرباء خارجي.

تهدف المشاورة إلى تقديم حلول تقنية للتغلب على العقبات التي تواجه المصنّعين والمستهلكين، ما يسهل اعتماد تقنيات نظيفة تتماشى مع التطورات التكنولوجية في صناعة السيارات.

في تصريح خاص لـ"العربي الجديد"، يشير أستاذ هندسة النظم وأمن أنظمة النقل في جامعة سوانسي، سيراج شيخ، إلى التحديات التقنية التي تجعل السيارات الهجينة غير الموصولة بالكهرباء خياراً أقل توافقاً مع سياسة المركبات الخالية من الانبعاثات المزمع تطبيقها في المملكة المتحدة بعد عام 2030. يقول: "هذا النقاش يتجاوز كونه مجرد مسألة تقنية؛ فهو يتعلق أيضاً بالسياسة والاقتصاد، فضلاً عن مستقبل الصناعة كاملةً. ومع ذلك، فإن النهج الحالي يبدو عدوانياً للغاية.

الحكومة تفرض على شركات السيارات التزامات صارمة، فيُطلب منها تحقيق هدف سنوي يتمثل في بيع حد أدنى من السيارات الكهربائية كنسبة من إجمالي مبيعاتها. وإذا أخفقت الشركات في تحقيق هذه النسبة، فإنها تواجه غرامات عن كل سيارة غير كهربائية تُباع". يؤكد شيخ أن هذه الإجراءات تمثل مرحلة انتقالية ضرورية، لكنها تثير تساؤلات حول إمكانية تحقيق التوازن بين تسريع التحول نحو النقل النظيف ودعم الصناعة في مواجهة هذه القيود الصارمة.

ومن منظور سياسي، يجمع النظام بين الحوافز الاقتصادية والعقوبات الصارمة، ما يخلق توازناً معقداً بين التشجيع والإلزام. اقتصادياً، يظل الطلب في السوق عاملاً حاسماً، إذ يعتمد نجاح الشركات المصنعة على اهتمام المستهلكين بشراء السيارات الكهربائية والهجينة. ومع ذلك، فإن المناخ الاقتصادي الحالي، بما في ذلك ارتفاع تكاليف المعيشة وغياب الدعم الحكومي الكافي، يجعل تحقيق هذا الطلب تحدياً كبيراً.

يذكر شيخ أنه في الماضي كانت الحكومة تقدم منحاً وإعانات سخية لدعم مبادرات مثل تركيب محطات الشحن للسيارات الكهربائية، إلا أن هذه الحوافز تقلصت. حالياً، تقتصر المزايا على بعض الأنظمة مثل إعفاءات رسوم الازدحام والمناطق منخفضة الانبعاثات (ULEZ)، ما يترك فجوة في الدعم اللازم لتشجيع المستهلكين على تبنّي هذه التكنولوجيا.

أما بالنسبة للسيارات الهجينة، فإن التحدي الرئيسي يكمن في معارضة المدافعين عن تحقيق صافي انبعاثات صفرية، الذين يؤكدون أن التكنولوجيا الهجينة ليست حلاً مستداماً؛ إذ يعتمد هذا النوع من المركبات جزئياً على الوقود الأحفوري، ما يتعارض مع الهدف الأوسع للقضاء التام على هذا النوع من الوقود. ويدعو أنصار النقل النظيف إلى التركيز على حلول خالية تماماً من الانبعاثات لضمان تحقيق الاستدامة طويلة الأمد، بعيداً عن الاعتماد على التقنيات الهجينة.

تقتصر المزايا على بعض الأنظمة مثل إعفاءات رسوم الازدحام (Getty)

يلفت شيخ إلى أنّ التكنولوجيا الحديثة تركّز كثيراً على تسريع الانتقال إلى المركبات الكهربائية بالكامل، ما يجعل السيارات الهجينة، سواء العاملة بالكهرباء أو التقليدية، أقل ملاءمة مع مرور الوقت. وتُعد الصين في طليعة الدول التي تقود الابتكار في تقنيات البطاريات وخلايا الوقود، فتركز جهودها على تطوير بطاريات أكثر كفاءة وخفة وزن، باستخدام خلايا وقود أصغر وأكثر عدداً لتحسين الأداء والنطاق الذي يمكن للسيارات الكهربائية قطعه. هذه الابتكارات تجعل السيارات الكهربائية خياراً أكثر جاذبية مقارنة بالسيارات الهجينة، التي باتت أقل أهمية تدريجياً.

تمثل المركبات الكهربائية المزودة بهذه التقنيات المتقدمة قمة الابتكار في قطاع النقل. يتجه الاهتمام العالمي إلى تحسين مدى السيارات الكهربائية وتعزيز كفاءتها، ما يجعل التقنيات القديمة، بما في ذلك الهجينة، أقل أهمية.

أمّا من منظور الصناعة، فيقول شيخ إنّ التحوّل إلى السيارات الكهربائية بالكامل يتطلّب استثمارات ضخمة في عمليات التصنيع. تشهد الصناعة انقساماً استراتيجياً؛ فبعض الشركات، مثل "تويوتا"، تستمر في الاستثمار في التكنولوجيا الهجينة، بينما تركّز شركات أخرى على تطوير المركبات الكهربائية فقط، متجاهلة تماماً الحلول الهجينة.

يعكس هذا التباين اختلاف الرؤى التجارية والاستراتيجية، إضافة إلى دور جماعات الضغط التي تؤثر على مسار الصناعة نحو دعم السيارات الكهربائية كخيار مستقبلي وحيد. تُعتبر السيارات الهجينة خياراً انتقالياً مفيداً نحو مستقبل أكثر استدامة، بيد أنّ أنصار صافي الانبعاثات الصفرية يشدّدون على أن السيارات الكهربائية بالكامل هي الحل الوحيد لتحقيق الأهداف البيئية الطموحة.

وفي المقابل، تشعر بعض الشركات التي لا تستثمر في تكنولوجيا السيارات الهجينة بالتمييز مقارنة بمصنعين كبار مثل "تويوتا" التي تمتلك خبرة طويلة في هذا السوق، ممّا يزيد من تعقيد التحديات التي تواجه الصناعة.

يتمثّل التحدي الأكبر في قدرة الحكومة على إقناع جميع الأطراف، من شركات ومصنّعين إلى مستهلكين، بجدوى الاستثمار في البنية التحتية للشحن واعتماد المركبات الكهربائية. لذلك، يواجه هذا المسعى عقبات متعدّدة، فلا تزال الشركات غير محفزة بما يكفي بسبب غياب الدعم الحكومي، وارتفاع تكاليف الكهرباء، ونقص البنية التحتية الكافية لشحن السيارات الكهربائية.

بالنسبة للمستهلكين، تتمثل الفائدة الأساسية في خفض تكاليف التشغيل من خلال تعرفة الكهرباء الذكية التي تقدمها بعض الشركات، ولكن هذا يتطلب تركيب نقاط شحن منزلية، ما يعتبره كثيرون مكلفاً ومعقداً. علاوة على ذلك، تعيق الضغوط الاقتصادية المزدوجة، المتمثلة في ارتفاع التكاليف المعيشية وضرورة تحمل تكاليف أولية مرتفعة قدرة العديد من الأفراد على شراء مركبات كهربائية، ما يبطئ من وتيرة التحوّل نحو النقل النظيف.

شحن السيارات الكهربائية في لندن (getty)
من التحديات نقص البنية التحتية الكافية لشحن السيارات الكهربائية (Getty)

في هذا الإطار، تؤكّد وزيرة النقل، هايدي ألكسندر، أهمية التحول إلى السيارات الكهربائية كخطوة محورية نحو مستقبل مستدام. وتشير إلى وجود أكثر من 72 ألف نقطة شحن عامة في المملكة المتحدة اليوم، مع انخفاض تكاليف شراء السيارات الكهربائية، إذ تبلغ قيمة واحد من كل ثلاثة نماذج مستعملة أقل من 20 ألف جنيه إسترليني.

توضح الوزيرة أن صناعة السيارات في المملكة المتحدة، التي توظف 152 ألف شخص وتساهم بـ19 مليار جنيه إسترليني للاقتصاد، تمثل ركيزة أساسية للبلاد، لافتة إلى أنّ لتحول إلى الكهرباء يمثل فرصة استثنائية لجذب الاستثمار وتحفيز الابتكار البريطاني وتحقيق نمو مستدام لأجيال مقبلة. وتنوه إلى أنّ السائقين يتبنّون السيارات الكهربائية بوتيرة غير مسبوقة، فأصبحت واحدة من كل أربع سيارات جديدة مباعة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي كهربائية.

وتهدف الإجراءات الحالية إلى تعزيز التحول إلى الطاقة النظيفة ودعم آلاف الوظائف وترسيخ مكانة المملكة المتحدة كقوة عالمية في مجال الطاقة النظيفة.

من جهتها، تؤكد جمعية مصنعي وتجار السيارات (SMMT) أن المستهلكين هم العامل الحاسم في تسريع التحول إلى السيارات الكهربائية.

يوضح الرئيس التنفيذي للجمعية، مايك هاوز، أن الصناعة تعمل مع الحكومة الجديدة لدعم إزالة الكربون من النقل البري، ويقول إن التخلص التدريجي من السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل يجب أن يتم بطريقة توازن بين دعم المستهلكين والصناعة والبنية التحتية. ورغم استثمار القطاع مبالغ ضخمة في تقنيات ومرافق جديدة، فإن ثقة المستهلك والطلب سيظلان العاملين الرئيسيين لتحديد وتيرة التحول.

ومن المقرر فرض حظر على السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين أو الديزل فقط في عام 2030، بيد أنّ بيع السيارات الهجينة سيستمر بعد هذا التاريخ. ووعدت الحكومة بأن جميع الطرازات الجديدة المباعة بعد عام 2035 يجب أن تكون خالية من الانبعاثات.

المساهمون