هايبر بوب... بإمكان أي أحد إنتاج ضجيجه الخاص

هايبر بوب... بإمكان أي أحد إنتاج ضجيجه الخاص

24 فبراير 2021
تُعد فرقة 100 gecs من أبرز موسيقيي هذا النمط (فيسبوك)
+ الخط -

قليلة هي المقالات التي تمدح أو تتعامل بجديّة مع الـ هايبر بوب (Hyperpop)، النوع الموسيقي الذي يمكن وصفه بضجيج الألفية الجديدة، والذي يمزج الموسيقى الإلكترونية مع الأصوات الحادة، والإيقاعات السريعة، والأصوات التي تفقد بشريتها حد الأنين المزعج. الأمر نفسه مع الفيديوهات ذات الإضاءة المفرطة في نصاعتها وتسارعها، الذي يحذر من أنه قد يسبب نوبات تشبه نوبات الصرع عند البعض. 

يُقال إن الهايبر بوب بدأ في منتصف أعوام الألفين، واستمد جمالياته من الموسيقى التصويرية لمسلسلات الأنيمي، حيث يتم المبالغة في تعديل الصوت الإلكتروني، وتبني الكلمات التي تتحرك بين السخرية أو الشخصية الجديدة. وقد اشتهرت هذه الموسيقى بسبب المنصات الصوتية التي تبيح للأفراد نشر موسيقاهم، كـ سبوتيفاي وساوند كلاود، وأصبح بإمكان أي أحد إنتاج "ضجيجه" الخاص، وعرضه للعلن. وأخَذ الأمر منحى "جدياً"، إذ تم إنتاج أول الألبومات في عام 2015 بفضل شركة الإنتاج البريطانيّة PC music. 

يمزج الـ هايبر بوب الموسيقى الإلكترونية مع الأصوات الحادة

يصف البعض هذا النوع من الموسيقى بأنه "بارودي" أو "ساتير"؛ أي محاكاة ساخرة لموسيقى البوب التقليدية، عبر التشديد على عناصرها ودفعها إلى أقصى أشكال التعبير، لتمييع الخلط بين "السخرية" و"الجدية"، وكأننا أمام لعب يقصد فيه السخرية من عالم الموسيقى، كأغنية Hey QT التي توظف شخصية صوفي الوهمية، التي تحتفي بمشروب طاقة اسمه QT. نكتشف، بداية، أن هذا المشروب وهمي، لكنه تحول إلى منتج حقيقي لاحقاً، وكأننا أمام صيغة يتم فيها إعادة إنتاج شكل الإعلان وتضخيمه والسخرية منه، ثم تحويله إلى سلعة يُترك للمعجبين شأن إنتاجها. 

لا نحاول القول إن هذه الموسيقى رديئة، لكنها ذات خصائص مختلفة عن البوب، أو يمكن القول، تُعيده إلى عناصره البنيوية الأشد، يترافق ذلك مع وعي باستهلاكية الموسيقى الآن، والعالم الفائق الذي نعيشه وسط الشاشات والإعلانات والأفاتارات. وهذا ما نراه، في تجربة الفنانة "صوفي" التي فارقت الحياة فجأة عام 2018، والتي، بعيداً عن نجاح أغنياتها الشخصية  وترشحها إلى جائزة غرامي عن فئة أفضل منتج، أنتجت الموسيقى لعدد من شركات الإعلان، كـ أديداس وماكدونالدز. 

موسيقى
التحديثات الحية

هناك حيويّة في الهايبر بوب، بالرغم من الانتقادات الموجهة له، وهي وعيه بطبيعة الإنترنت، وإمكانية إنتاج محتوى قادر على الانتشار بكثرة؛ فالرهان على الأشكال الفنيّة المنتجة منزليا، وبميزانيات منخفضة، والتي تخاطب ذوق جيل وجد نفسه أمام ميمات وباروديات متتالية، أفقدت الأصل معناه، وتركت للتجربة الشخصيّة والفردانية، المبتذلة أحياناً، مساحة لاكتشاف العالم وقراءة الأشكال الفنيّة ضمنه.

هناك شكل آخر من الهايبر بوب تمثله فرقة 100 gecs الذين أطلقوا عام 2019 ألبومهم الأول، والتي تبدو واحدة من أغنياتهم فيه، "ماكينة النقود"، كمحاكاة ساخرة لسنوات التسعينيات، مع أصوات شديدة الاصطناع، مشابهة لتلك التي كنا نسمعها على برامج تعديل الأصوات المنزليّة للسخرية وتقطيع الوقت، أي نحن أمام "أصوات" جديدة، و"ألحان" عُدّلت بإفراط، لكن يصل الأمر أحياناً إلى العجز عن الاستماع بسب كميات التشويش المستخدمة. 

لا يوجد مستقبل واضح لهذا النوع الموسيقي، خصوصاً أن استخدام الأوتو تيون ما زال يثير الحنق في عالم الموسيقى الرائجة. لكن لا يمكن نسيان أن أنواعا موسيقية، كـ الدابستيب ظهرت بذات الشكل، وانتشرت بكثرة وأصبح لها نجومها كـ"سكريليكس"، لكنها تلاشت بسرعة، وأصبحت نكتة على ألسن الجميع، لكن بقي لها معجبوها المنفيون في هوامش الـmain stream. ربما قد ينتهي الأمر هكذا مع الـ هايبر بوب، أو العكس؛ قد يتحول إلى الشكل الرائج، ما يجعل السخرية من الأنماط الموسيقية ورموزها، منذ الثمانينيات، الشكل الجديد للموسيقى، لنرى أنفسنا أمام وعي بالموسيقى بوصفها وليدة النصف الثاني من القرن العشرين فقط.. موسيقى تاريخها يتمثّل بأيقونات المراهقين، ومغامراتهم.

المساهمون