استمع إلى الملخص
- يركز حالياً على أبحاث تشخيص الأمراض المزمنة باستخدام التحليل الطيفي بالليزر، ويؤمن بترابط العلوم ودور الضوء في الطب، معتبراً نفسه مبتدئاً في علم البصريات مقارنةً بابن الهيثم.
- يرى أن تطوير العالم العربي يتطلب تهيئة علمية للشباب واستغلال العقول المهاجرة، مؤكداً على التعاون العربي في العلوم والتقنية، ويعبر عن قلقه من تصورات تجاه المسلمين في الولايات المتحدة.
ولد عالم الفيزياء نور الدين مليكشي عام 1958 في الجزائر، ودرس في جامعة هواري بومدين في الجزائر العاصمة، ثم أرسل ببعثة إلى إنكلترا وحصل على الماجستير والدكتوراه في الفيزياء من جامعة ساسكس حيث كان يعمل على بصريات الكم. عاد بعدها إلى الجزائر لفترة ثم غادرها مع زوجته الأميركية إلى الولايات المتحدة، حيث حصل على الجنسية الأميركية وسجل عدة براءات اختراع مثل ألياف بصرية متطورة وصغيرة وسهلة الاستعمال تستخدم في مجالات التشخيص الطبي، واختراعات أخرى في مجال الهندسة المدنية وعلم المحيطات.
انضم مليكشي إلى وكالة الفضاء الأميركية ناسا ضمن فريق البحث المختص بالمريخ، حيث ساهم في أكبر جهد بشري لاكتشاف الكوكب الأحمر ضمن مختبر علوم المريخ، فصمم آلة تصوير تعمل بأشعة الليزر وُضعت على محطة كيوريوسيتي التي أطلقت عام 2011 وهبطت على المريخ عام 2012 وما زالت نشطة حتى يومنا.
ركز ميلكشي أبحاثه أخيراً على تشخيص السرطان وغيره من الأمراض المزمنة بالجمع بين التحليل الطيفي بالليزر والكيمياء النانوية. لا يعتبر ضيفنا الانتقال من الفيزياء إلى الطب غريبا فالنسبة له الضوء مستخدم في الطب في الفحص بالأشعة وحقن مواد مشعة والعلاج الإشعاعي وغيرها، وهو يعتبر أن "فروع العلم ليست منفصلة والكون أصلاً كله مترابط وما يربطه هو الذرة والضوء. لقد أوضح لنا أينشتاين أن الذرة والضوء متساويان وغير متساويين ولا يمكن رؤيتهما!".
يحدد مليكشي الضوء بأنه "ذرات تخرج من الشمس تجتمع بأمواج كهربائية ممغنطة لا تنحصر في مكان وتتحرك بكل اتجاه، فهي معنا دوماً، ولذلك نعتاد عليها ولا نتساءل عنها مع أنها تعطينا حياة ومنحتنا اختراعات كثيرة". يجيب عن سؤال إن كان يعتبر نفسه حفيداً لعالم البصريات العربي ابن الهيثم بأنه مبتدئ بهذا العلم في حين أن ابن الهيثم قامة كبيرة. هل يتمنى الحصول على نوبل للفيزياء؟ يرد عالمنا: "لا أطمح بشيء، أعمل وما يأتي سيأتي، أعمل على أبحاثي وما أقدر على التحكم به وما لا أتحكم به لا يشغلني ولا أنتظره. إذا جاءت الجائزة فأهلا بها وإن لم يحصل ذلك فأنا أعمل.
أدناه حوار مع نور الدين مليكشي في الدوحة.
كيف ترى إمكانية نهوض العرب؟
يجب العمل على تهيئة أطفالنا وشبابنا بتكوين علمي ممتاز وأن نؤمن أنهم قادرون على استيعاب ذلك وأن نفهم أن العلوم لا حدود ولا أوطان لها، فيما التقنية لها حدود وأوطان ولذا علينا الايمان بشبابنا وأنهم قادرون إذا تم تكوينهم تكوينا علميا جيدا أن يحققوا اختراعات جديدة، وهذه بدورها تولد تكنولوجيا جديدة. لا تولد التقنية من فراغ، فهي تحتاج إلى تأهيل وإلى استثمار وزمن، وهذا ليس مستحيلاً في العالم العربي، لكنه لا يمكن أن ينجز بغضون سنوات قليلة. نحتاج إلى رؤية وخطة لتنفيذ ذلك على مدى خمسين عاماً. نحتاج أيضاً أن تؤمن البلدان العربية بالعلماء العرب المقيمين خارج بلدانهم في المهجر، هؤلاء هاجروا لأسباب مختلفة لسنا بوارد تعدادها الآن، ولكن يجب استغلال هذه العقول للمساهمة بتطوير العالم العربي. لا بد أيضاً من خطة تشمل البلدان العربية كلها وألا يكون ذلك على صعيد بلد دون آخر، فالعلم لا يعرف الحدود وليس له وطن. يجب أن يتعاون العرب جميعا في منهج التطوير العلمي. إذاً، لا بد من رؤية عربية مشتركة ولا بد من توفر الإرادة والصبر لتنفيذها.
هل يسمح الوضع السياسي للبلدان العربية بذلك؟
الوضع السياسي متغير ومتبدل ويفترض أن يخلقه الناس، وأيضاً لا بد للحكام العرب أن يدركوا أن لا خيار لهم ولبلدانهم ولشعوبهم إلا تهيئة المحيط السياسي لتطوير التعليم والعلوم والتقنية وإلا ظلوا تابعين للغير ومتأخرين. هذا ليس خياراً، إنه حبل النجاة في هذا العالم. أنت لا تمتلك ترف تجنب ذلك.
كأنها حلقة مفرغة، لكي يتم التطوير العلمي يجب تطوير البنية السياسية التي لا تقبل ذلك فلا يتحقق التطوير العلمي!
يجب الخروج من هذه الدائرة وأن نكون في وضعية الإقلاع لا وضعية الدوران في هذه الحلقة المفرغة.
هل يسمح الغرب للعالم العربي بذلك؟
لا أحد يمنحك هدايا، لا الغرب ولا غيره، لا يهمني إن كان الغرب يقبل أو لا، مهمتنا هي البدء بمشروعنا النهضوي.
لكن عدم القبول الغربي سيخلق لك مصاعب كبيرة.
صحيح، المصاعب التي سيخلقها يجب أن تكون متوقعة من القائمين على المشروع وأن تكون لدينا الحلول المناسبة لكل مشكلة وأن نكون أقوى من هذه التحديات. يجب ألا ننتظر إذن أحد وإنما أن نشكل، شعوباً وحكومات، مشروعنا العلمي العربي.
أنت عالم مشهور تقيم في الولايات المتحدة التي توفر لك مقومات البحث العلمي وتوفر لك ظروفاً مادية جيدة، وإذا أردت أن تفعل ذلك في بلد عربي فلن تجد المختبر ولا الراتب الجيد!
نعم يحصل هذا، ولا يمكن حل هذه المشكلات بيوم واحد، ولكن يجب أن نبدأ. إن كنت تومن، بصفتك عالماً عربياً مهاجراً، بما تفعله وبتأثير ذلك على مستقبل بلدك وأمتك، فستضحي ببعض الأمور، وأنا أعرف العديد من العلماء العرب المغتربين الذين لديهم كل الاستعداد لفعل ذلك. هناك مشاكل دوما، أمس واليوم وغدا، ولا بد من العمل على حلها وأيضاً لا بد من فضح وتعرية من يقوم بعرقلة ذلك.
على ماذا تشتغل الآن؟
أعمل على فهم المرض. من أين يأتي المرض وكيف يأتي؟ أبحث عن إجابات لهذه الأسئلة من جانب الفيزياء وليس من جانب الطب. فرضيتي هي أن اجسادنا، كما خلقها ربي، مكونة من أعضاء مختلفة وبروتين وعناصر أخرى منها صوديوم وبوتاسيوم ومغنيزيوم وكربونات... وبعض هذه العناصر تسير في الدم وبعضها يساعد على تشكيل البروتين الذي يخدم الأعضاء وكل هذه العناصر متحركة ولدينا الجينات التي تعطي الأوامر وهذه ثابتة. كل هذه المكونات لديها علاقات مع بعضها، وعندما تكون العلاقة بمعادلتها الصحيحة نكون بصحة جيدة، وعندما يكون اضطراب أو اختلال أو تشوش في معادلة من المعادلات في علاقة هذه المكونات يحصل المرض، أي أن عنصراً ما يقل أو يكثر في معادلة معينة ينجم عنه مرض معين. العلاقات بين هذه العناصر تشبه التناغم الموسيقي، عندما يكون التناغم جيدا، نكون بصحة جيدة والعكس بالعكس.
أبحث عن هذه العلاقات بين مكونات الجسم الإنساني كله: العناصر والأعضاء البيولوجية ومستوى البروتين وعدد الذرات وحالة الجينات. بمعنى أي علاقة تربط جينا بأي عناصر وأي بروتين وأي عضو. عندما نعرف ونفهم هذه العلاقات، نستطيع تحديد المرض الذي سينجم عن اختلال ما في هذه التركيبة.
من الصعب فهم هذا التحليل بعجالة! ولكن هل توصلت إلى معنى المرض؟
ليس بعد، لا أحد وصل إلى الإجابة، ولكنني وجدت أن كل قطاع علمي يعطيك تعريفا عن المرض من زاوية قطاعه العلمي، فيزيائي، بيولوجي، كيميائي... إلخ، وللتوصل إلى الإجابة عن معنى المرض، أفترض أنه يجب علينا أن نجمع المعلومات من كل الزوايا العلمية لكي نصل إلى التكامل بينها.
كأنك تقول: إن المرض هو عدم انسجام وتناغم بين عناصر معينة في الجسم، أين الروح؟
إن سألتني عن الروح فسأسلك ما هي الروح؟ في العلم، المسألة التي لا يمكن تحديدها ولا يمكن قياسها لا يمكن البحث فيها. أي موضوع غير قابل للقياس لا يصلح أن يكون موضوعا للبحث العلمي.
إذاً لا توجد روح!
لم أقل ذلك، قلت إنه لا يمكن إجراء بحث علمي على الروح، لأنه لا يمكن تحديدها ولا قياسها. هذه مسألة إيمانية.
أعود إلى موضوع الأمراض كالسرطان والسكري، هل يجرى اكتشاف الخلل قبل وقوع المرض؟
نعم، نكتشف الخلل قبل وقوعه، أي قبل إصابة شخص بمرض السرطان، نستطيع أن نعرف إمكانية ونسبة والزمن المتوقع للإصابة بهذا المرض.
هل هذا موضع التطبيق الآن أو في طور البحث العلمي؟
ما زال في إطار البحث العلمي، وقد وصلنا إلى نتائج جيدة في بعض الامراض ومنها ألزهايمر. المشكلة في الأمر أن البحث في هذا الامر يتطلب إجراء بحوث على الانسان وهو متعذر إلا بحدود معينة.
هل انتهى مشروع المريخ؟
لم ينته بعد، أنا عضو الفريق العلمي بصفتي فيزيائيا في المشروع، ومساهمتي هي تزويد الروبوت الذي يقيس المسافات على المريخ بالتقنية اللازمة لذلك. يقيس الروبوت المسافات على المريخ عن طريق أشعة الليزر، والمسافات على المريخ ليست كمثلها على الأرض فهي تتغير باستمرار، ودوري هو معرفة وتصحيح المسافات التي يقيسها الروبوت.
تقوم بأبحاثك في المختبر.
نعم، يرسلون لنا المعلومات من المركبة ونحن نعالجها في المختبر.
هل هناك إمكانية للحياة الإنسانية في المستقبل على المريخ؟
وجهة نظري الشخصية أنه لا يمكن ذلك من دون العديد من الموارد. المريخ لا يمتلك أتموسفير (غلاف جوي)، فالأشعة التي تأتي من الشمس تصيبك مباشرة وهذا يسبب السرطان وغيره، فعليك أن تغطي جسدك باستمرار. ليس هناك أوكسجين، عليك أن تحل هذا الموضوع. الماء موجود، ولكن يحتاج لمعالجة. الأهم، حتى الآن، أن من يذهب للعيش هناك لا يمكن أن يعود إلى الأرض. ليست الحياة على المريخ مستقبلا مستحيلة، ولكنها ليست سهلة.
عُينتَ سفيراً للمريخ من حاكم ولاية ديلاوير السابق جاك آلان ماركيل؟
نعم، قرر الحاكم ومجلس نواب الولاية تعييني سفيرا للمريخ، قلت للحاكم: هل تريد مني الانتقال للحياة هناك؟ ماذا أفعل بهذا القرار؟ (يضحك)، طبعتُ جواز سفر خاص للمريخ ومنحته للحاكم.
هل كانت هناك حياة على المريخ؟
مهمة المركبة كيروستي هي معرفة ما إن كانت الحياة ممكنة على المريخ وهل توجد علامات على وجود الحياة في الماضي.
وكانت الإجابة نعم، هناك وجود لشروط الحياة، ولكن هذا لا يعني وجود حياة.
لديك أكثر من 15 براءة اختراع
نعم، ولكن الأهم هو الأبحاث المنشورة في المجلات العلمية المحكمة وهي تزيد عن مئتي بحث.
هل يقلقك سؤال الهوية؟
لا يقلقني شخصيا، ولكن أخشى على الآخرين من العرب والمسلمين المهاجرين، فهناك تيار في الولايات المتحدة يضع المسلمين كلهم في سلة واحدة وفق تصورات معينة. الشعب الأميركي طيب والولايات المتحدة تعطي الفرص للجميع وهناك التطور العلمي والتقني المذهل، ولكن السياسة الخارجية الأميركية ليست جيدة.