نبيل صوالحة: اخترت العيش خارج العلبة وتعرّضت لمكائد كثيرة

عمّان
إسراء الردايدة
إسراء الردايدة
إسراء الردايدة، صحافية أردنية، متخصصة في شؤون الفن والسينما.
10 فبراير 2025
نبيل صوالحة: حياة خارج العلبة
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- مسيرة فنية وثقافية متنوعة: نبيل صوالحة، المولود في مأدبا عام 1939، بدأ مسيرته الفنية في المملكة المتحدة عبر المسرحيات الإذاعية لـ"بي بي سي". بعد عودته للأردن، أسس فرقة المسرح السياسي التي تناولت القضايا السياسية والاجتماعية بروح فكاهية ناقدة، وشارك في الدراما التلفزيونية بأعمال بارزة.

- توثيق التجربة الشخصية والمسرحية: أصدر كتاب "حياة خارج العلبة" لتوثيق سيرته الذاتية وتجربته في المسرح، مقدماً نصائح لتربية الأطفال وفلسفته في الحياة التي تتسم بالعيش خارج الأطر التقليدية.

- التحديات والمغامرات الشخصية: خاض مغامرات مثل تسلق إيفرست وتعلم اليوغا، وواجه تحديات في الفن والإعلام. تحول إلى عروض ستاند أب كوميدي، مؤمناً بقدرة الجيل الحالي على التغيير.

أصدر الفنان الأردني، نبيل صوالحة، أخيراً، كتاب سيرته ومذكراته وتجربته في المسرح والدراما والنشاط الثقافي، تحت عنوان "حياة خارج العلبة" (الأهلية للنشر والتوزيع، 2024). وقد جمع في محطات كثيرة من حياته، في بلده الأردن، ولبنان وبريطانيا وغيرهما، بين العمل في التمثيل وإدارة الثقافة والعمل في مجالات متعددة.

وُلد نبيل صوالحة في أغسطس/ آب 1939 في مدينة مأدبا (وسط)، وبدأ رحلته الفنية أثناء دراسته الهندسة في المملكة المتحدة، من خلال التمثيل في المسرحيات الإذاعية لـ"بي بي سي". كان المسرح شغفه الذي رسم مستقبله، وذلك بعد أن عاد إلى عمّان عام 1962، وانضم إلى فرقة المسرح الوطني الأردني. في موازاة نشاطه المسرحي، أدار صالوناً للتجميل وعمل مصفف شعر حتى عام 1974. عام 1968، وبعد إخراج عدة أعمال مسرحية لهنريك إبسن وشكسبير وغيرهما، انتقل صوالحة إلى الشاشة الصغيرة، ليبدأ أولى خطواته في الدراما التلفزيونية. من أبرز أعماله آنذاك، مسلسلا "الإعدام" و"باب العامود". ومع بداية السبعينيات، نما اهتمامه بالمسرح السياسي، فعام 1973 أسّس مع زميلَيه المخرج الراحل هاني صنوبر والممثل الراحل هشام يانس فرقة المسرح السياسي في الأردن التي قدّمت أعمالاً جريئة تناولت القضايا السياسية والاجتماعية بروح فكاهية ناقدة. ومن أبرز مسرحياته لاحقاً، "أهلاً حقوق الإنسان العربي" و"أهلاً نظام عالمي جديد" و"أهلاً قمة عربية".

تطوف هذه المقابلة في محطات مسيرته التي زادت على الستين عاماً في المسرح والدراما والنشاط الفني والثقافي، وتتوقف عند مغامرات مثيرة فيها، وهو في عامه الخامس والثمانين، بمناسبة إصداره مذكّراته التي يسرد فيها تجربة إنسانية غنية وتأملات في الفن والحياة.

لماذا قرّرت توثيق سيرتك الذاتية في كتاب؟
شعرت أن الوقت قد حان لتوثيق تجربتي، لأنني أردتُ أن أروي قصتي بنفسي، خصوصاً أن معلومات كثيرة بحاجة إلى توثيق ويمكن أن تضيع بعد وفاتي. لاحظت أن هناك من يكتب عن المسرح في الأردن بسطحية، وبصفتي من مؤسسي أول فرقة مسرحية في الأردن، أشعر أن ثمة أهمية لتوثيق تاريخ المسرح بدقة. كما أنني وجدت حاجة كبيرة إلى توثيق مسيرة مركز هيا الثقافي ورحلة تأسيس هذا الصرح، خاصة أنني أهتم بثقافة الطفل وتهيئة بيئة مناسبة تحفّزه على الإبداع، وحاولت مرّات أن أنشئ مكتبات في عدة بلديات، فوجدت معارضة وصورة نمطية بأن الطفل يجب أن يهتم بدراسته، علماً أن كل المكتبات الصغيرة التي أنشأتُها لاقت قبولاً لدى الأطفال، وكانوا يُقبلون عليها، وقد خصّصت في كتابي "حياة خارج العلبة" نصائح مهمة لتربية الطفل في بيئة تفاعلية وأسس تربوية مهمّة تساعدهم على الإبداع. أردتُ أيضاً الإضاءة على المغامرات وعدم خوفي من القفز في مغامرات الحياة، مثل تسلق قمة إيفرست، أو السفر إلى الهند لتعلم اليوغا، أو تغيير مهنتي ومتابعة الدراسة في عمر متأخّر. كل ما أردته أن أكون مَثلاً للشباب، كي يقتدوا به ويكسروا الأنماط الاجتماعية، من دون الإخلال بالمعايير الأخلاقية. وقد صادفتُ شباباً كثيرين يحبون خوض المغامرة، ولمستُ حبّهم التغيير. تعمل دولٌ كثيرة على تشجيع الشباب على تسلق قمم إيفرست وكلمنجارو، لخوض المغامرة ليتحدّوا قدراتهم، ولفتح باب للمعرفة والاكتشاف.

لماذا اخترت عنوان "حياة خارج العلبة" لكتابك؟
اخترته لأن حياتي كانت دائماً خارج الأُطر التقليدية. اخترتُ دائماً أن أعيش خارج العلبة، وأجرّب أشياء جديدة وغير متوقّعة، فهو يعكس طريقة تفكيري وحياتي، وكل ما سعيت وما زلت أسعى إليه.

غلاف كتاب "حياة خارج العلبة"

هل هو نقص في التوثيق عن المسرح الأردني ومراحله دفعك إلى كتابة مذكّراتك؟
نعم، هذا صحيح. هناك نقص في التوثيق ليس للمسرح فحسب، بل لتجارب ثقافية عديدة في الأردن. ولذلك كان لدي دافع شخصي للكتابة، خصوصاً بعد أن شجّعتني على كتابة مذكّراتي زوجتي التي شجّعتُها على إنجاز كتابها "رائدات في الأردن". شجّعتني لأنني كتبت معظم مسرحياتي، ولم أعتبر نفسي كاتباً. في البداية، كتبت ست صفحات، ثم أخذ الأمر عامين من الإلحاح حتى أنهيت "حياة خارج العلبة".
كنت أكتب حسب مزاجي. أمضيت فترة في العقبة أكتب فيها، ولأننا لم نعتد على كتابة يومياتنا صغاراً، كان عليّ تذكّر أحداث كثيرة، وإجراء مراجعة تكتب فيها مشاعرك الحقيقية، كأن تورد الحقيقة من دون مشاعر قد تكون سلبية أو غير مهمة للقارئ، ومن دون التأثير على الحقيقة في وصف الأشخاص. وحين أتحدّث عن شخصيات مهمّة، أذكرها كما هي.

درست الهندسة، وصعدت إلى إيفرست، وتعلمت اليوغا في الهند

كيف كانت عملية الكتابة؟ هل كنت تكتب بانتظام أو بناءً على أحداث معينة؟
كانت الكتابة تعتمد على المزاج. لم أكن أكتب يومياً، بل عندما أشعر بالحاجة إلى ذلك. في البداية، كتبت بضع صفحات، ثم توقفت فترة، ثم عندما أصبح الموضوع جدّياً، أصبحت أكثر انتظاماً. كنت أذهب إلى العقبة لأقضي الوقت وحيداً، أكتبُ وأراجع ما كتبته. كما أن نشأتي أثّرت فيّ، فأمي كانت امرأة عاملة، أدارت مشغَلها، فنشأنا بحرية، إخوتي وأنا، في جو لم يتدخّل أبي فيه كثيراً، ولم نواجه ضغوطاً أو تدخّلات حتى في الزواج. هكذا كانت أجواء بيتنا، كلنا أصدقاء. نشأنا في حارة الصوالحة في مأدبا، والحارة التي لعبنا فيها بإحاطة أعمامي الأربعة، وسط طبيعة ريفية. أشعر بالحزن على الأطفال اليوم الذين يكبرون في الشقق، فنحن ترعرعنا في حرية وأجواء ومساحات مفتوحة ورعاية العائلة، الكل يحيط بك، فوالدي كان مثقفاً، ولم يكن في العائلة أي عقلية ديكتاتورية أو إجبارية.

كيف أثّرت طفولتك على أفكارك وتوجهاتك في الحياة؟
كانت طفولتي مليئة بالحرية والتجارب. نشأت في بيئةٍ كانت تتيح لي الكثير من الحرية في التفكير والاستكشاف، وهذا ساهم  في تكويني الفكري وألمهني لاحقاً، فقد نشأت في مساحة مفتوحة وحرية، وهذا ليس متاحاً لجيل اليوم، وكبرت في رعاية العائلة والأعمام، وهذا لعب دوراً مهماً في حياتي.

قدّمت شخصيات مختلفة في المسرح والتلفزيون. ما أصعب دور؟ وأي شخصية تعتبر الأقرب إليك؟
أصعب دور الكحتوت عام 1989، لأنه استدعى مني عملاً وتفكيراً كثيرَين. أما الشخصية الأقرب إليّ فهي صدقي بيك لأنه يعكس جزءاً كبيراً من شخصيتي الحقيقية، وشخصية سميح أبو جزرة، الرجل اليافوي الذي يفهم كل شيء، وقدمتهما في برنامج "بيني وبينك". وجدتُ نفسي كثيراً في هذه الشخصيات. وفي المسلسلات كانت أكثر شخصية أحببتها نظراً إلى قربها من حياتنا الكحتوت، إلى درجة أن الناس ظنّوا أن هذه صفة لعائلة صوالحة، وأخذته على محمل الجدّ.
قدمت في المسرح شخصية محمد شكوكو، الذي ما زالت شخصيته ترافقني بصوت الرقيب داخِلي. كان هذا الرجل ناقداً اجتماعياً وذكياً، ويقدّم مونولوغات تشبه ستاند أب كوميدي اليوم، وتأثرت به، خاصة بمحتواه عن الزواج ومظاهر اجتماعية أخرى. كان شكوكو ناقداً اجتماعياً ذكياً، وكتاباته تعكس واقع المجتمع. وفي المدرسة، قدّمت مسرحية أخرجتها في حفل التخرّج، عن رجل عاد إلى المدرسة بعد 25 عاماً، وأراد مقاضاتهم لفشلهم في تعليمه النجاح في الحياة.

كيف أثّرت تجاربك المختلفة في الحياة على صناعة شخصيّاتك المسرحية؟
علّمتني تجاربي في الحياة أن أعيش من دون خوف من التجربة والمعرفة. كنت دائماً أبحث عن الجديد وأتحدّى نفسي، وقد انعكس هذا في كتاباتي وشخصيّاتي التي أقدّمها على المسرح. وقد فتحت حرية الخيار لي الأبواب لخوض كل مغامرات حياتي، والتي ألهمتني أنّه من الممكن أن يكون كتاب "حياة خارج العلبة" ممتعاً، فكل الأحداث التي أثّرت علي أردت روايتها والحديث عنها، وكيف أبحث عن المعرفة وأحبّ ذلك، ولكني لم أكن يوماً من الذين يبحثون عن المنصب أو المال. كان لدي حلم أن أروي للشباب أن الحياة مغامرة جميلة، وبستان مليء بكل شيء ويجب تقبله، ولا يجب أن تمانع خوض الصعب أو تتردد من خوض ما هو جديد، فكنت مهندساً وتحولت إلى حرفة تصفيف الشعر، وشكّل ذلك تحدّياً، ولكنني كنت أعرف متى ينتهي التحدّي ومتى أتوقف عن هذه التجربة، فحين كنت أعمل مصفف شعر، كنت في الوقت نفسه أعمل في المسرح، وأكتب وأعمل في التلفزيون، وكنت أصرف على نشاطاتي ومغامراتي، كوني كنت أمتلك مصدراً مالياً سهّل علي تمويل أعمالي.

عملت مصفف شعر، وساهمت في تأسيس المسرح السياسي في الأردن

لماذا اخترتَ المسرح السياسي؟
أنا من مؤسّسي المسرح السياسي في الأردن. عندما قابلت المخرج هاني صنوبر، كنت عاملاً منتجاً ومصدراً لتمويل أعمالي وديكوراتها ورئيساً لجمعية عمّان الدرامية، وامتلكت مفاتيح ساعدت على تحقيق ذلك. ولو لم أقابل صنوبر لم يكن هذا ليتحقّق. وقد تهيّأ لنا الظرف والزمان الصحيحان. بدأنا، هشام يانس وأنا، هذا المسرح السياسي، وألغينا فكرة رقابة النصوص، خصوصاً للقطاع الخاص، وحقّق هذا نجاحاً هائلاً.
كتبت 14 مسرحية، وقد تغير كل شيء، مثل فكرة القومية العربية التي تدهورت مع دخول صدام حسين إلى الكويت، ولم يعد هنالك زعماء يتحدّثون بحرية. وبعد ظهور "داعش"، وجدت أن القلوب والعقول صغرت، وصرنا في حالة انحدار، فلم يعد هناك شيء للحديث عنه، وباتت الرقابة تطغى على العملية الإبداعية، وكنت مدركاً خطوطي الحمراء، فتوقفت.
في التسعينيات، بعد حرب الخليج الثانية، قاطعت عدة دول الأردن بسبب موقفه الداعم للعراق، فاستغلّ المسرح السياسي تلك الفرصة. قبل ذلك، كان تمثيل زعامات عربية غير ممكن، حتى لا تغضب، أمّا وقد أصبح الأردن مُقاطَعاً بسبب موقفه السياسي، أصبح في الإمكان التطرّق إلى قضايا كثيرة، على نحوٍ وصل إلى تجسيد الزعامات العربية في مسرحيات سياسية ساخرة.

تعرف متى تبدأ ومتى تتوقف، فكيف تطبق مقولة "إذا كنت تعرف حدودَك فلا حدود لحريّتك" في أعمالك؟
تعكس هذه المقولة فلسفتي في الحياة والفن. أؤمن بأنه يجب أن نعرف حدودنا. ولكن من دون أن نقيد حريتنا في الإبداع. في الفن، يجب أن نكون صادقين، ونعبر عما نؤمن به، ولكن بطريقة تجعل الناس يتقبلون ما نقول من دون أن يشعروا بالتهديد. ولم يكن لديّ يوماً أي أجندة سياسية، ما ساعدني على النجاح وتحقيق الوصول، وكنت مدركاً حدودي فيما يتعلق بالدين، وكيف أتعامل مع هذه الأمور الحساسة، التي أدرتها بطريقتي. وبصفتك فناناً، يجب أن تعرف كيف تتعامل مع الخطوط الحمراء من دون كسرها، ومن دون أن توقفك أو تؤثر على أدائك، وحين تجيد هذا تصبح "ملكاً في دائراتك". وقد انطلقنا في ذلك الوقت، وكنا ندفع الخطوط الحمر، ولا نكسرها، وهذا فنٌّ قائم في حد ذاته، فدفع الخطوط بأسلوب كوميدي يجعلها مقبولة من الجميع.

هل تعرّضت لمكائد في مجال الفن والإعلام؟ وما سبب ذلك؟
نعم، تعرّضتُ لمكائد كثيرة، وهذا طبيعي في مجال مليء بالتنافس. يجذب النجاح الانتقادات والغيرة، ولكنني تعلمتُ أن أتجاوز ذلك وأواصل طريقي. أتذكّر حين نجح مسلسل "بيني وبينك" وطلب مني المرحوم محمد كمال، مؤسّس التلفزيون الأردني وأول رئيس له، أن أقدّم عملاً جديداً، اكتشفت حصول حوادث ومعوقات، وراجعته فقال لي: "هذا حال الأمة العربية، بعمرك ما رح تنجح"، في إشارة إلى محاربة كل ما هو ناجح، إذ يواجه الناجح غيرة وانتقادات ومحاربة مع وجود داعمين لك، وللأسف أكثر من حاربنا هم الأقرب لنا، ولكن الناجح يستمر رغم كل شيء.

كيف تصف علاقتك بشريكك الممثل هشام يانس؟ هل حدثت خلافات بينكما؟
كانت العلاقة مع هشام رائعة، وعملنا معاً سنوات عديدة. بالطبع، مع مرور الوقت بدأنا نشعر بالإرهاق والتعب، ولم يكن هناك خلاف شخصي بيننا. كنا مختلفَين في حياتنا الشخصية، ولكن ثقافتينا المختلفتين أثرتا على أعمالنا إيجابياً. وكان لحادثة زيارتنا فلسطين في 1995 أثر كبير وأزعجتني، وقد قدّمنا معاً سبع مسرحيات، فضلاً عن أعمال تلفزيونية عديدة، وفي اللحظة التي بدأت أفكارنا فيها تجفّ قرّرنا التوقف. وأكنّ كل الاحترام لموهبته.

زرتما، أنت وهشام يانس وفريقكما المسرحي عام 1995 فلسطين المحتلة، لتقديم عروض مسرحية هناك، كيف تعاملت مع هذا الوضع؟
زرنا فلسطين بعد حادثة اغتيال إسحق رابين في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 1995، على الرغم من محاولاتي إلغاء الرحلة، لكن إصرار الآخرين ودعم الملك الحسين، دفعاني إلى الذهاب، حيث قدّمنا 14 عرضاً بين القدس ورام الله وبيت لحم. شعرت في تلك الرحلة بالاكتئاب والقرف من الجو الكئيب الذي رافق وجود الإسرائيليين، ولأن مسرحيتنا بشقين أحدهما يتعامل مع قضية تهجير أشقائنا الفلسطينيين، والآخر يسخر من الإسرائيليين بلهجة شديدة العدائية تحكي عن تهجير الشعب الفلسطيني، وقد أثارت غضبهم، وكانت غالبية عروضنا في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948.

ما مصير الفيلم الذي صوّرته عن رحلتك تلك؟
كان الفيلم وثائقياً عن رحلة تاريخية خضناها، وكان من المفترض أن يكون له تأثير كبير. وللأسف، بسبب الظروف السياسية والتغيرات التي حدثت، لم يجر استكماله بالشكل الذي كنا نأمله. ومع معاهدة السلام الأردينة الإسرائيلية في تلك الفترة فسد كل شيء، وتحوّرت الحقيقة، ولم أعد مهتماً، واكتشفت أن الإسرائيليين يسعون إلى تدمير المنطقة كونهم لا يمتلكون ذرة إنسانية.

لماذا اخترت التحول إلى عروض ستاند أب كوميدي بعد فترة طويلة من الابتعاد عن المسرح؟
بعد أن توقفت عن العمل مع الممثل الراحل هشام يانس، وبعد عودتي من لندن، قدّمنا مسرحية "عرب لندن" للتجمع الطبّي الفلسطيني في لندن، وذلك في عامي 2004 و2005، قبل ظهور فناني ستاند أب كوميدي، مثل باسم يوسف وغيره. كانت بداية جيدة لحركة ستاند أب كوميدي في الأردن، فالعمل والكتابة لفريق كامل أمر مهلك وصعب، ولكن الأمر كان مختلفاً، والتدرّج الطبيعي، لأن ستاند أب كوميدي كان بالنسبة لي خطوة طبيعية بعد سنوات من العمل في المسرح. عندما رأيتُ هذا النوع من العروض في إنكلترا وأميركا، شعرت بأنه يمكن أن يكون منصة جيدة للتعبير عن الأفكار مباشرةً وبسخرية. وبات هذا الفن منتشراً في مصر ودول الخليج رغم صرامة الرقابة. 
اليوم، لم يعد هناك مساحة للمسرح السياسي، وإن نافسه ستاند أب كوميدي. لن ينجح أحد كما فعلنا في مسرحنا السياسي وما قدمناه، فالجرأة والمساحة اللتان امتلكناهما لن تعودا مع الرقابة التي زادت وباتت تحدّ من التعبير. فالمسرح للشعب ومن الشعب، مثل مسرح نجيب الريحاني في مصر، ومسرح دريد لحام في سورية، ولم يتجرأ أحد على وضع زعيم عربي أمامه ويناقش ما يريد كما فعلنا في حضور الملك الحسين، بكل حرية وديمقراطية. وأذكر عروضي في الخليج وأميركا وبيروت، كنت أقدم مسرحيات للجمهور نفسه، الخليط من الفلسطيني والأردني، ومن يحضر من العرب يكون مندهشاً، وجمهوري هو في كل مكان مدرك أنني أتحدّث عن قضاياه. ولم تخضع أي من نصوصي للرقابة سوى في دولتَين خليجيتين، ولكنني عرضت مسرحياتي كما هي.

ما الذي دفعك إلى خوض مغامرة تسلق قمة إيفرست ثم الانتقال إلى تعلم اليوغا في الهند؟
ذهبت إلى الهند، بحثاً عن سبب للضحك. ومن طبيعتي أنني أبحث عن بُعد مختلف يمنحني أثراً اجتماعياً، وحولته إلى محاضرات مفيدة، مثل أثر الابتسام، مدفوعاً بقول النبي محمد: "تبسّمك في وجه أخيك صدقة". ومن هذا المنطلق، الابتسامة أفضل سلاح في الحاجة. 
وعن تسلقي قمّة إيفرست، تواصل معي المتسلق الأردني مصطفى سلامة، وخضنا، زوجتي وأنا، مغامرة صعبة ذكرت تفاصيلها في كتابي، وقد أدركت من خلالها ألّا سن للتعلم أو للمغامرة والتحدّي، ولم أندم عليها أبداً.

كيف تنظر إلى جيل اليوم؟ هل يفتقدون ما كنتم تملكونه، أم أنتم تفتقدون ما يملكونه؟
كل جيل يملك شيئاً مميزاً. يمتلك جيل اليوم الكثير بفضل التكنولوجيا والتطورات الحديثة. ولكنه ربما يفتقد بعض القيم والمفاهيم التي كانت في جيلنا. ومع ذلك، أعتقد أن لدى هذا الجيل وعياً كبيراً ومستقبلاً واعداً، فهو مستعدٌّ للتغيير وقادر على تحقيقه. أما ما مرَرنا به في الأردن، نحن الجيل القديم، فهم لم يعيشوه، فلن يدركوا طبيعة التغييرات وأثرها عليهم، لكن هذا لا يحدّ من ذكائهم، ولا نحكم عليهم من خلال من نراهم على منصّات التواصل الاجتماعي.

ذات صلة

الصورة
تظاهرة في عمّان دعماً لغزة والأقصى، 21 مارس 2025 (أنور الزيادات/العربي الجديد)

سياسة

شارك مئات الأردنيين في مسيرة في العاصمة عمّان انتصاراً للشعب الفلسطيني في قطاع غزة المحاصر، ورفضاً للاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى خلال رمضان.
الصورة
تظاهرة في العاصمة الأردنية (العربي الجديد)

سياسة

نظمت مسيرة حاشدة بعد صلاة ظهر اليوم الجمعة تحت عنوان "لا للتهجير" أمام المسجد الحسيني وسط العاصمة الأردنية عمّان بدعوة من الملتقى الوطني لدعم المقاومة
الصورة
تظاهرة في الأردن رفضاً لتهجير غزة، 7 فبراير 2025 (العربي الجديد)

سياسة

عمت تظاهرات حاشد مختلف المحافظات الأردنية، الجمعة، رفضاً لدعوات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب
الصورة
أحلام التميمي

سياسة

قالت مصادر لـ"العربي الجديد"، اليوم الأحد، إن المخابرات الأردنية أبلغت حركة حماس بضرورة ترحيل الأسيرة المبعدة أحلام التميمي عن الأردن الليلة.
المساهمون